الحكومة الإيرانية تواجه أزمة مع رجال الدين.. انقسامات حادة بعد مقتل “مهسا أميني” زادتها الاحتجاجات

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/22 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/22 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
رجال الدين في إيران

أثارت وفاة الشابة "مسها أميني"، البالغة من العمر 22 عاماً، في أحد مراكز الشرطة، بعد اعتقالها من قِبل "دورية الإرشاد" أو "شرطة الأخلاق"، في إيران، الكثير من ردود الفعل الرسمية وغير الرسمية داخل إيران وخارجها.

كان ذلك بسبب حجابها، بحسب المبادئ الخاصة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما تلاها من احتجاجات واسعة النطاق، ومستمرة منذ ما يقرب من شهرين، فلماذا تشهد مواقف القيادات الدينية انقساماً حاداً هذه المرة؟ وما مواقفهم من الاحتجاجات؟

معارضة رجال الدين الإصلاحيين القمع ضد المتظاهرين

بعد وفاة "مهسا أميني"، وخروج الاحتجاجات في أغلب المدن الإيرانية، قام كل من آية الله العظمى أسد الله بيات زنجاني، وآية الله العظمى محمد جواد علوي بروجردي، بالتعبير علانية عن حزنهما الشديد لوفاة "أميني"، كما هاجما أيضاً التعامل الوحشي من قبل قوات الأمن مع المتظاهرين.

وآية الله العظمى زنجاني، وآية الله العظمى علوي بروجردي، من كبار رجال الدين في الحوزة الدينية بمدينة قُم، كما أن لديهما الكثير من المواقف الإصلاحية على مر السنوات.

وشهدت مدينة قُم الإيرانية، والتى تقع فيها الحوزة الدينية، احتجاجات غاضبة من الجماهير ضد الحكومة والمؤسسة الحاكمة بسبب مقتل الشابة الإيرانية، لذلك زاد ضغط القيادة الإيرانية على رجال الدين لدعم موقفها الرافض للاحتجاجات المناهضة للحجاب الإلزامي في إيران، وعمل دوريات الإرشاد.

صمت حوزة قُم

في مقابل التحدث علانية من قبل بعض كبار رجال الدين المحسوبين على التيار الإصلاحي، المعروفين بمواقفهم المشابهة فى كثير من الأحداث، حاولنا معرفة مواقف وآراء عدد من رجال الدين الآخرين في الحوزة الدينية فى مدينة قُم الإيرانية، خاصة أن القيادة السياسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتمد على طبقة رجال الدين في كثير من الأحيان لدعم مواقفها المختلفة.

خلال الاحتجاجات الأخيرة في إيران، والمستمرة حتى يومنا هذا، رأى الكثير من كبار رجال الدين، أن الصمت في مواجهة ما يحدث هو الحل الأفضل، حتى رغم معارضتهم للأحداث الجارية، بحسب المصادر التى تحدثت لـ"عربي بوست".

يقول رجل دين بارز في حوزة قُم الدينية، ولديه اطلاع كبير على سياسية الحوزة، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته لمخاوف أمنية، "نبرة الاحتجاج في أوساط كبار رجال الدين تجاه تصرفات المؤسسة السياسية في تزايد، لكن الكثيرين اختاروا الصمت".

وفيما يخص الاحتجاجات الأخيرة بشأن الحجاب الإلزامي المفروض على الإيرانيات، يقول رجل دين بارز ثانٍ في حوزة قُم، لـ"عربي بوست"، "الكثير من آيات الله العظمى فى قُم يعارضون بشدة ما يحدث مع المتظاهرين الآن، ويعارضون أيضاً مسألة دوريات الإرشاد وإجبار النساء على الحجاب، ويرون أن هذه الأمور تسيء للإسلام، وأن الجمهورية الإسلامية وقيادتها السياسية لا يأبهون لهذا الأمر".

أكد رجلا الدين الأول والثاني لـ"عربي بوست"، على مسألة اختيار كبار رجال الدين في حوزة قُم للصمت في مقابل ما يحدث الآن لأسباب مختلفة، فيقول رجل الدين الأول لـ"عربي بوست"، "الكثير من كبار رجال الدين في الحوزة، معارضون لمختلف المواقف التي تتخذها القيادة العليا، وليس لديهم مصالح مع الطبقة السياسية، لكنهم في نفس الوقت يخشون العقاب، من كبار رجال الدين الآخرين، الذين تربطهم مصالح قوية بالمؤسسة الحاكمة في طهران".

ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست"، "في مواقف سابقة، حاول بعض كبار رجال الدين في الحوزة انتقاد مواقف المؤسسة السياسية، وكان مصيرهم هو الإبعاد والإزاحة من دروسهم وتجريدهم من مناصبهم الدينية".

في نفس السياق، يقول رجل الدين الثاني في حوزة قُم، لـ"عربي بوست"، "الصمت هو الخيار الأفضل لرجال الدين غير المسيسين في إيران، لأن التحدث والانتقاد علانية يكون ثمنه باهظ بمرور الوقت".

كانت آخر مرة انتقد فيها رجل دين بارز مسألة الحجاب الإلزامي في إيران، عام 2000، عندما أعلن رجل الدين يوسفي أشكيناري عن موقفه المناهض عن إجبار النساء الإيرانيات على الحجاب، وبعدها تم تقديمه إلى المحكمة الخاصة برجال الدين، وتجريده من درجته الدينية العلمية.

مواقف آية الله كانت دائماً إصلاحية.. 

في السياق يقول رجل دين بارز في حوزة قُم، ومقرب من آية الله العظمى أسد الله بيات زنجاني لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، نظراً لحساسية الموقف، "آية الله العظمى أسد الله زنجاني، دائماً ما كانت لديه مواقف إصلاحية، ودائماً ما تحلى بالشجاعة في انتقاد المؤسسة السياسية في بعض الأحيان، حتى بعد إصدار إنذار من قبل مكتب السيد خامنئي آية الله زنجاني لعدم التحدث علانية عن الاحتجاجات الحالية، رفض آية الله زنجاني الإنذار، وأعلن موقفه بوضوح".

لكن في بيان كل من آية الله العظمى أسد الله بيات زنجاني، وآية الله العظمى محمد جواد علوي بروجردي، لم يتناول مسألة الحجاب الإلزامي المفروض على النساء الإيرانيات منذ الثمانينيات، أي بعد نجاح الثورة الإسلامية في عام 1979 وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران.

يقول رجل الدين المقرب من آية الله العظمى أسد الله بيات زنجاني لـ"عربي بوست"، "هناك الكثير من آيات الله العظمى في حوزة قُم، مقتنعون بأن دوريات الإرشاد، أمر مؤسف ويسيء إلى سمعة الدين الإسلامي، رغم اقتناعهم الكامل بالحجاب طبعاً كمظهر من مظاهر الإيمان".

ويرى رجل الدين الإيراني والحاصل على درجة "آية الله"، وهي درجة علمية فقهية  رفيعة في المذهب الشيعي، أنه "لا يجب فرض الحجاب بالقوة على أي امرأة، سواء فى إيران أو خارجها".

بيان مجهول.. وغضب القيادة العليا

بعد وفاة الشابة مهسا أميني، واندلاع الاحتجاجات الغاضبة في جميع إيران، قامت مجموعة من رجال الدين مجهولة، في مدينة قُم بإصدار بيان ينتقد أسلوب تعامل المؤسسة السياسية مع الاحتجاجات الحالية، كما طالبوا القيادة السياسية بإنهاء استخدام العنف ضد المتظاهرين.

في هذا الصدد، يقول صحفي إيراني مطلع على ملف الحوزة الدينية لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإشارة إلى اسمه، "إصدار مثل هذا البيان من المرات النادرة، ولم يقتصر البيان فقط على إدانة عنف الحكومة ضد المتظاهرين، بل انتقدوا آية الله خامنئي شخصياً، وتطرّقوا في البيان إلى مؤهلاته العملية الضعيفة لقيادة الجمهورية الإسلامية".

تجدر الإشارة هنا إلى أنه في وقت اختيار علي خامنئي، لخلافة آية الله روح الله الخميني، لم يكن قد نال درجة "آيه الله"، كان ما زال فقط حاصلاً على درجة "حجة الإسلام"، وهي درجة دينية علمية أقل من "آية الله"، اللازمة لشغل منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، لكن الأمر قد تمت تسويته بشكل من الأشكال حينها.. إلا أن المسألة ظلت محل شد وجذب بين طبقة رجال الدين المعارضين للقيادة السياسية الحالية من وقت لآخر.

يقول الصحفي الإيراني لـ"عربي بوست"، وهو على علاقة بأحد رجال الدين الواقفين خلف البيان السابق ذكره، "كان سبب إصدار هذا البيان، هو رغبة قوية لإثارة باقي رجال الدين في حوزة قُم للتحدث علانية عن انتقاد أسلوب الجمهورية الإسلامية".

هذا البيان والصمت، السابق الإشارة إليه، من قِبل كبار رجال الدين في حوزة قُم، على ما يبدو أنه أثار غضب القيادة العليا في طهران، فبحسب مصدر مقرب من مكتب آية الله علي خامنئي، "أصدر مكتب السيد خامنئي، بياناً شديد اللهجة لكبار رجال الدين في الحوزة، لضرورة إظهار تضامنهم مع المؤسسة السياسية، وحث الناس وتلاميذهم وأتباعهم على الالتزام بمبادئ الجمهورية الإسلامية".

ويضيف المصدر ذاته، قائلاً لـ"عربي بوست"، "على الرغم من النبرة الحادة للبيان غير المعلن بالطبع، والذي تم توجيهه إلى كبار رجال الدين في الحوزة، فإنه لم يكن هناك أي رد فعل إيجابي منهم، ولم تتلق القيادة العليا في طهران الدعم الذي كانت تنتظره".

فى نفس الوقت، استمر بالتأكيد دعم كبار رجال الدين في حوزة قُم المعروفين بولائهم الدائم والمتجدد للجمهورية الإسلامية والقيادة العليا.

عندما وجدت المؤسسة السياسية أن الإنذار الذي تم إرساله إلى الحوزة في قُم لم يؤتِ ثماره، أرسلت وفداً من كبار المسؤولين، وعلى رأسهم حسين اشتري، رئيس الشرطة الإيرانية. لمقابلة كبار رجال الدين في الحوزة؛ للحصول على الدعم المرجو للقيادة السياسية في مواجهة استمرار الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

يقول رجل دين بارز في حوزة قُم، وكان من ضمن الرافضين لإجراء مقابلة هذا الوفد، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، "كنا نعلم هدف إرسال مثل هذا الوفد، لذلك قررنا عدم الاجتماع به، لكن اجتمع بالوفد رجال الدين الموالون للقيادة السياسية".

يرى رجل الدين ذاته، أن رفض كبار رجال الدين في حوزة قُم لمقابلة مثل هذا الوفد، واستمرارهم في صمتهم، وعدم الإعلان عن دعم القيادة السياسية، دليل قوي على زيادة معارضة الحوزة الدينية للطبقة السياسية في ايران، فيقول لـ"عربي بوست"، "في العقد الأخير، هناك شيء كبير تغير في حوزة قُم، المعارضة تزداد بالرغم من الصمت، لكن هناك الكثير والكثير من كبار رجال الدين غير راضين عن المؤسسة السياسية".

المواقف الثورية لحوزة قُم

في عام 1922 أسس آية الله عبد الكريم حائري يزدي، رجل الدين الشيعي الإيراني، الحوزة الدينية في مدينة قُم الإيرانية، بعد وفاته، تولى آية الله حسين بروجردي رئاسة الحوزة، وقرر حينها عدم دخول الحوزة ورجال الدين في السياسة. خاصة بعد اضطهاد رضا شاه بهلوي، لرجال الدين الذين شاركوا في الثورة الدستورية عام 1905.

لكن بالرغم من ذلك، عمل بعض كبار رجال الدين في العمل السياسي، وانخرطوا في معارضة شاه إيران، لكن بعد وفاة آية الله بروجردي، قرر آية الله روح الله الخميني، وهو أحد تلاميذ بروجردي، كسر صمت الحوزة تجاه سياسة محمد رضا شاه بهلوي، بإصداره فتوى "منع التقية" (صمت رجال الدين تجاه أمور ومشاكل البلاد، في الفقه الشيعي)، وحينها أصبح الخميني من أكثر رجال الدين نفوذاً في حوزة قُم. حتى قيام الثورة الإسلامية عام 1979، ونجاحه في الإطاحة بالشاه، وتأسيس الجمهورية الإسلامية.

منذ ذلك الوقت، أصبح لرجال الدين في إيران دور كبير في إدارة سياسة الجمهورية الإسلامية، وتقلدوا العديد من المناصب المهمة، واحتكروا السلطة والنفوذ في الجمهورية الوليدة، بعد الإطاحة بجميع المعارضين، وحتى الأصدقاء من الأطياف السياسية الأخرى.

يقول الصحفي الإيراني المتخصص في ملف الحوزات الدينية لـ"عربي بوست"، "سيطرة رجال الدين على الحكم في إيران بعد الثورة، جعلهم في مرمى النيران، وتحول الدعم الشعبي لهم إلى انتقاد بمرور السنوات، مما أدى إلى تهميش دورهم في حث الجماهير وتشجيعهم في مختلف الأمور".

ظلت الحوزة الدينية في قُم، إما صامتة أو مؤيدة بالكامل للقيادة السياسية، حتى عام 2009، بعد الاحتجاجات الجماهيرية واسعة النطاق التي خرجت اعتراضاً على التزوير المزعوم في الانتخابات الرئاسية في نفس العام، والتي مكّنت الرئيس الإيراني المتشدد محمود أحمدي نجاد من الحصول على فترة رئاسية ثانية، بدأ الصراع داخل الحوزة الدينية.

يقول الصحفي الإيراني، لـ"عربي بوست"، "بعد احتجاجات 2009، بدأت الأصوات الناقدة للمؤسسة السياسية داخل حوزة قُم في التزايد، بل أعلن عدد من كبار رجال الدين في الحوزة اعتراضهم على تعامل الحكومة مع المتظاهرين".

في ذلك الوقت، خلال احتجاجات عام 2009، أو ما يُعرف باسم "الحركة الخضراء"، أعلن آية الله العظمى يوسف صانعي، احتجاجه لعنف الشرطة ضد المتظاهرين، لكن تمت السيطرة عليه من خلال تقديمه إلى المحاكمة، وتجريده من درجة "المرجع الديني".

وفي هذا الصدد، يقول الصحفي الإيراني المختص بشؤون الحوزات الدينية لـ"عربي بوست"، "أستطيع القول إنه منذ عام 2009، وما حدث مع كبار آيات الله من اضطهاد بسبب انتقادهم للمواقف السياسية حينها، أن الغضب داخل حوزة قُم في تزايد، وأن القيادة السياسية في طهران، بدأت في فقد دعمها الديني من قِبل رجال الدين في قُم شيئاً فشيئاً".

ويرى الصحفي الإيراني أن القيادة العليا في طهران، رأت أن الأصوات المعارضة بين كبار رجال الدين في حوزة قُم، يشكل تهديداً لشرعية الجمهورية الإسلامية، فحاولت السيطرة عليهم بشتى الطرق، فيقول لـ"عربي بوست"، "دائماً ما دعا خامنئي إلى ضرورة استمرار "ثورية" الحوزة في قُم، والتخلص من العناصر الفاسدة بها".

في هذا الصدد، يقول رجل الدين، آية الله جواد حيدري، وهو من رجال الدين المقربين من المؤسسة السياسية في حوزة قُم، لـ"عربي بوست"، "معارضة مبادئ الجمهورية الإسلامية، والوقوف في وجه الحكومة من قبل حفنة من رجال الدين، ما هو إلا أداة للأعداء لضرب الجمهورية الإسلامية والإسلام، لا يمكن السماح لهؤلاء بتنفيذ مخطط الأعداء".

لا يوجد أمامنا إلا الحياد والصمت

في ظل الصراع داخل الحوزة الدينية في قُم بشأن تأييد الجمهورية الإسلامية من عدمه، يقول رجل دين بارز في الحوزة، ومن المعارضين للقيادة السياسية لـ"عربي بوست"، "نعم معارضة المؤسسة السياسية بين كبار رجال الدين في الحوزة في تزايد، وأن المعارضة وصلت إلى الطلاب وصغار رجال الدين، ولكن لا يوجد أمامنا إلا الصمت والحياد".

ويضيف المصدر ذاته قائلاً "نعلم أن شعبية رجال الدين في إيران أصبحت متضائلة للغاية، ونعلم أن غضب الناس من رجال الدين في تزايد، لأن الصمت أو التأييد يجعلنا موافقين على مواقف المؤسسة السياسية، لكن الانتقاد والمعارضة لن يجلب سوى مزيد من الصراعات داخل الحوزة، والتي من شأنها تهديد استقرارها".

في نفس الوقت، فإن صمت رجال الدين في الحوزة الدينية تجاه ما يحدث في إيران، بالرغم من معارضتهم له، يزيد من غضب الشعب الإيراني تجاههم.

يقول الصحفي الإيراني، المختص بشؤون الحوزات الدينية لـ"عربي بوست"، "الإيرانيون فقدوا الثقة تماماً برجال الدين، حتى ولو علموا بمعارضتهم الخفية لما يحدث، فهذا لن يفيد، الثقة تضاءلت بشكل كبير، بل أصبح البعض يعتقد أنهم يؤيدون ما يحدث للشباب في الشوارع، الموقف صعب ومعقد، والمعارضة الخفية الصامتة لن تفيد أي طرف من الأطراف".

وتميزت الاحتجاجات الشعبية التي أعقبت وفاة "مهسا أميني"، بالتضامن الشعبي واسع النطاق، وإدانة مختلف طبقات المجتمع الإيراني، فيما اتجهت أعين المؤسسة السياسية تجاه كبار رجال الدين في الحوزة الدينية في مدينة قُم الإيرانية، للحصول على الدعم الديني من آيات الله العظام.

تحميل المزيد