بعد أن أظهرت البيانات شبه النهائية لنتائج انتخابات الكنيست الـ4، بدأت الانتقادات توجه للوسط العربي، بسبب الخسارة الكبيرة التي مُني بها ممثلو عرب الداخل في هذه الانتخابات، رغم أنهم منذ 2015 وهم يتصدرون القوة الثالثة في الكنيست بمتوسط 15 مقعداً، لكنهم في هذه الانتخابات خسروا قرابة 30% من تمثيلهم النيابي.
في الوقت الذي تترقب فيه الكتل السياسية في إسرائيل النتائج النهائية لانتخابات الكنيست الـ24، بعد استكمال فرز 95% من الأصوات يدوياً، كشفت هذه الدورة من الانتخابات البرلمانية المبكرة الرابعة خلال عامين عن عمق الأزمة السياسية بالنسبة للوسط العربي في إسرائيل، بعد أن فقدوا ثقلهم السياسي في الكنيست لصالح معسكر اليمين المتطرف، ويمين الوسط.
نافس فلسطينيو 48 في هذه الانتخابات بقائمتين منفصلتين، مثلت الأولى "القائمة المشتركة" التي ينضوي تحت لوائها ثلاثة أحزاب، وهي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير، وحصلت مجتمعة على ستة مقاعد، ومثلت الثانية "القائمة العربية الموحدة" بقيادة منصور عباس، الذي انشق عن القائمة المشتركة، وحصلت على أربعة مقاعد.
استطاعت القائمة المشتركة منذ تأسيسها ضمن التحالف الذي جمع مركباتها الأربع في عام 2015 الحفاظ على قوتها، باعتبارها ثالث أكبر كتلة سياسية في الكنيست، وفرضت نفسها في المعادلة السياسية الإسرائيلية، من خلال قدرتها على ترجيح أي قوة نيابية للظفر بمنصب رئاسة الحكومة، أو المواقع التي تتطلب مصادقة البرلمان الإسرائيلي، ولا تستطيع أي من المعسكرات المتنافسة تجاوزها.
ولكن بالنظر لما أفرزته الانتخابات الرابعة من مارس/آذار 2021، من نتائج شبه رسمية حتى الآن، يمكن القول بكثير من الثقة إن فلسطينيي 48 أصيبوا بخسارة فادحة، تمثلت في فقدان ثلث كتلتهم البرلمانية في الكنيست، بحيث تراجع نصيبهم من 15 مقعداً حافظوا عليها في الدورات الانتخابية الثلاثة الأخيرة للكنيست، إلى عشرة مقاعد فقط.
ونظراً لتقارب النتائج بين معسكر اليمين المتطرف بقيادة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، واليمين الوسط بقيادة يائير لابيد، فقد باتت القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس بمثابة "بيضة القبان" التي قد تمنح أياً من المعسكرين المتنافسين القوة النيابية المطلوبة لتجاوز عتبة 61 مقعداً من أصل 120 هو عدد مقاعد الكنيست، الكفيلة بتفويض أي من المتنافسين بتشكيل الحكومة القادمة.
مسعود غنايم، النائب الحالي عن القائمة العربية الموحدة قال لـ"عربي بوست" إننا "ننظر بارتياح لنتائج الانتخابات، فكتلتنا النيابية وهي أربعة مقاعد حتى الآن، استطاعت أن تخالف كل التوقعات واستطلاعات الرأي، والتي لم تمنحنا فرصة تجاوز نسبة الحسم، ويعود ذلك إلى الثقة الكبيرة التي حظينا بها من ثقة الجمهور العربي بكافة توجهاته الأيديولوجية والفكرية".
وأضاف أن "تقارب النتائج بين معسكري اليمين يمنحنا الثقة بأن نكون طرفاً مؤثراً ولاعباً سياسياً لخدمة الجمهور العربي في إسرائيل، وأن نكون في الوقت ذاته طرفاً في المشهد السياسي داخل الكنيست وحتى الحكومة القادمة التي ستتشكل بعد انتهاء المشاورات، وسنختار تحالفاتنا بعد قراءة المشهد السياسي بكافة تفاصيله، بما يحقق الأهداف التي رسمناها قبل دخولنا للانتخابات، ونكون على قدر المسؤولية التي منحنا إياها ناخبونا العرب".
مقاطعة كبيرة من العرب للانتخابات
وتابع أن "خسارة العرب لثلث مقاعدهم في الكنيست جاءت نتيجة المقاطعة الكبيرة في الوسط العربي لهذه الانتخابات، وهذا أمر مؤسف، كنا نأمل أن نبقى كقوة مركزية وفاعلة في الكنيست بالتعاون مع شركائنا السابقين في القائمة المشتركة، ولكن هذا الأمر لم ينقطع بعد، وسنحاول تنسيق مواقفنا السياسية داخل قبة البرلمان بما يخدم جمهورنا العربي".
كان من اللافت في هذه الدورة من الانتخابات تباين المواقف والتوجهات السياسية العربية داخل إسرائيل بين القائمة المشتركة والقائمة العربية الموحدة، الأخيرة يبدو حتى اللحظة أنها الأقرب للتحالف مع نتنياهو من غريمه لابيد، في حين تدعم القائمة المشتركة الأخير لإسقاط نتنياهو من الحكومة.
بالنظر إلى السلوك والبرامج التي قدمتها القائمتان العربيتان قبل الانتخابات، يمكن ملاحظة الاختلاف في الطرح الذي قدمه منصور عباس عن القائمة المشتركة، حيث تبنى برنامجاً سياسياً سعى للترويج إليه، يقوم على تحسين معيشة الفلسطينيين في الداخل المحتل، ومحاولة الارتقاء بمستواهم المعيشي، والحصول على وعود من نتنياهو بزيادة المخصصات المالية للبلدات العربية، وتوفير مزيد من الدعم الشرطي لمحاولة تقليل مستويات الجريمة التي تشهدها البلدات العربية في الداخل.
برامج انتخابية مكررة
في حين لم يختلف برنامج القائمة المشتركة لهذه الانتخابات عن سابقتها، إذ تركز البرنامج السياسي للقائمة المشتركة على إسقاط نتنياهو كهدف لم يتغير منذ انهيار الكنيست في ديسمبر/كانون الأول 2018، ويعزو مراقبون هذا الاختلاف بين برامج القائمتين إلى منح عباس تفوقاً على رفقائه السابقين في القائمة المشتركة، لأن الفرق لم يتجاوز مقعدين لصالحها، وهو فرق ليس بالكبير نظراً لوجود ثلاثة أحزاب منضوية تحت لواء القائمة المشتركة.
محمد وتد، الصحفي الفلسطيني من منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة، قال لـ"عربي بوست"، إن "مستوى المشاركة في هذه الانتخابات بالنسبة للجمهور العربي تراجعت من 65% وفق آخر انتخابات للكنيست جرت في مارس/آذار 2020، إلى مستوى لم يتجاوز 53%، وكانت حملات المقاطعة مركزة في معاقل العرب، وتحديداً في قرى الجليل، والناصرة وأم الفحم".
وأضاف أن "المفاجأة لهذه الانتخابات أن الجمهور العربي رغم تراجع مشاركته، فإنه منح المنافسين أصواتاً مجانية، لأن 100 ألف صوت ذهبت لمعسكر الوسط واليمين، وتساوت أربعة مقاعد في الكنيست، منها 35 ألف صوت لحزب ميرتس اليساري، و30 ألف صوت لحزب أزرق- أبيض، و10 آلاف صوت لليكود، و25 ألف صوت توزعت بين أحزاب العمل، يوجد مستقبل، إسرائيل بيتنا، الأمل الجديد".
عضو كنيست عربي سابق، قال لـ"عربي بوست" إن "المنافسة بين القائمتين المشتركة والموحدة في هذه الانتخابات بلغت ذروتها، لكن التفوق الذي حظي به عباس بأربعة مقاعد، وقد تصل إلى خمسة بعد انتهاء الفرز النهائي، يعود إلى حضوره داخل الوسط العربي بشكل أكبر من القائمة المشتركة، وأنه روج لـمشاريع خدماتية، أما برنامج القائمة المشتركة فلم يتغير، ولم يأتِ بأي جديد مقارنة بالدورات الثلاث للكنيست".
وأضاف أن "ما نلاحظه من المشاركة السياسية بالنسبة لعرب الداخل، أن النواب داخل الكنيست أكثر نشاطاً من ناحية طرح المشاكل، ومحاولة الحصول على مكاسب تخدم الوسط العربي، لكنهم في الميدان أقل تفاعلاً، إذ إن مكاتب الأحزاب السياسية العربية مغلقة أمام الجمهور، ما أدى إلى فقدان الثقة بهم من وجهة نظر الناخب العربي، الأمر الذي أدى إلى ضعف المشاركة، ومنح أصواتهم لمعسكري الوسط واليمين الإسرائيليين".
ربما رأى الجمهور العربي في الداخل أن تبني عباس مواقف أكثر براغماتية واضحة لتحسين ظروفهم المعيشية عبر زيادة الميزانيات المخصصة للبلديات، وتأمين أكبر للأمن داخل البلدات العربية، والعمل على اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي عبر ترقيتهم في الوظائف العمومية.
في حين تتبنى القائمة المشتركة موقفاً ثابتاً لم يتغير، وهو التساوق مع موقف المعارضة لإسقاط نتنياهو من سدة الحكم، وهو موقف ربما قوبل بانتقاد واسع من قبل المجتمع العربي، لأن البديل لنتنياهو قد يكون أكثر تطرفاً مثل نفتالي بينيت وغدعون ساعر ويائير لابيد.