يبدو أن استقالة وزير الخارجية اللبناني من منصبه صباح الإثنين 3 أغسطس/آب 2020، لن تكون الأخيرة، خصوصاً أنها تكشف ملامح هيمنة أطراف خارج الحكومة ليس فقط على القرارات، ولكن حتى على الأعمال التي يفترض أن يؤديها الوزراء أنفسهم.
وكان وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي تقدم باستقالته من الحكومة، وذلك بسبب عدم رضاه عن عمل الحكومة في ظل الأزمات المتلاحقة التي تضرب البلد، خاصة الاقتصادية منها.
وذكرت مصادر خاصة في الحكومة اللبنانية لـ "عربي بوست" أن استقالة وزير الخارجية قد تفتح الباب لتفجير حكومة حسان دياب من داخلها في ظل الحديث عن أن سلسلة استقالات قد تلحق بالوزير.
وأوضحت المصادر أن وزير البيئة دميانوس قطار ووزيرة الإعلام منال عبدالصمد قد يتجهان لتقديم استقالتهما من الحكومة، التي – بحسب المتابعين – باتت في حكم المشلولة والتي يعترف بعض وزرائها بأنها فشلت في تحقيق أي خرق إصلاحي لمعالجة الكارثة الاقتصادية.
شكوى متكررة من الوزير المستقيل
تتحدث مصادر مقربة من وزير الخارجية المستقيل لـ "عربي بوست" أنه يشعر منذ مدة أن المرجعيات في البلد تتجاوزه وتتجاوز صلاحيات وزارة الخارجية بشكل فج.
وذكرت أن رئيس الجمهورية ميشال عون أوفد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لزيارة دول عربية في مسعى للحصول على دعم عربي للبنان دون التنسيق مع وزير الخارجية أو التشاور حول ما يمكن أن تقدمه الوزارة من مساعدة لهذه المهمة التي يجب أن تتضافر كل الجهود بها.
وأوضح المصدر أن الوزير اشتكى لعون مراراً من تجاوزه المستمر "أنا مني إجر كرسي" وعليكم أن تحترموا الدستور والأعراف.
السفيرة الأمريكية.. استقالات في الجعبة في حينها
وتذكر مصادر حكومية مطلعة لـ "عربي بوست" أن السفيرة الأميركية التي التقت رئيس الحكومة منذ شهر بعد أزمة الحكم الصادر بمنعها من التصريح الإعلامي ومحاولة الحكومة لملمة الفضيحة الدبلوماسية، قالت للرئيس دياب خلال الجلسة أن في جعبتها مجموعة من الإستقالات لأعضاء من الحكومة إذا اقتضى الأمر وبقيت الحكومة متعنتة في عدم إجرائها للإصلاحات وتغطية ممارسات حزب الله في لبنان ودول المحيط.
تدخلات باسيل في الوزارة
وأوضحت المصادر في الحكومة اللبنانية أن وزير الخارجية السابق ورئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، على الرغم من خروجه من الوزارة فإنه لا يزال مصراً على التدخل المباشر بأعمال ومهام وزير الخارجية.
ويسعى باسيل بشكل متكرر لفرض التعيينات الدبلوماسية والإدارية داخل أروقة وزارة الخارجية وهو ما أزعج الوزير ناصيف حتّي مراراً.
لكن القشة التي قصمت ظهر البعير هي محاولة باسيل التدخل في آلية عمل الوزارة وآخرها في ملف التشكيلات الديبلوماسية الذي يريد باسيل بسط سطوته عليه بكامل تفاصيله، وهو في هذا المجال كان قد دفع باتجاه الخروج عن الآليات المعتمدة لتعيين أكثر من اسم مقرب منه سفيراً لدى عواصم دول القرار لا سيما في واشنطن.
ويصرّ باسيل على استباق إحالة السفير غابي عيسى إلى التقاعد بتعيين هادي هاشم خلفاً له، حاول الوزير المستقيل مصارحة رئيس الجمهورية ميشال عون بالموضوع بشكل متكرر، لكن عون كان يقول لحتي "اتفق مع جبران"، ما جعل الرجل يصل لحائط مسدود في التعاطي المستمر معه بشكل غير لائق.
وتكشف المصادر أنّ المشكلة الأخيرة التي دفعت حتي للاستقالة تمثلت بإقدام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على الاتصال بوزير الخارجية إثر إطلالته التلفزيونية الأخيرة مع الإعلامي مارسيل غانم، وتوجه إليه بعبارات من التأنيب الصريح على المواقف التي أطلقها بلغت مستوى التجريح، فكانت تلك شعرة معاوية التي قطعت بين الجانبين ليحسم وزير الخارجية أمره باتجاه تقديم الاستقالة.
قمت بواجبي لتجنيب لبنان تداعيات قيصر
ويروي الوزير المستقيل لزواره أنه عمل جهده بشكل كبير لتجنيب لبنان من تداعيات قانون قيصر عبر زيارات قام بها لعواصم أوروبية في محاولة للطلب منهم بإقناع الإدارة الأمريكية في قبول استثناءات أعدّتها وزارة الخارجية تطلب بموجبها إعفاء لبنان من عقوبات يفرضها هذا القانون، تتعلق الاستثناءات بالكهرباء والترانزيت والمنتجات الزراعية والصناعية.
وذكر عدد ممن زار والتقى بالوزير أن الرجل قال لهم إنه في ظل تعنت قوى سياسية والسير في التطبيع مع الإدارة السورية قررت العمل على تجنيب البلد مشكلة مع الإدارة الأمريكية لكن هذا الأمر لم يعجب البعض.
زيارة لودريان أشعلت المشكلة
وكانت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت ثمرة جهد الوزير ناصيف حتي، فالوزير الفرنسي هو صديق حميم لنظيره اللبناني واستطاع الأخير إقناعه بزيارة لبنان في محاولة لدعم الأداء الحكومي وإعطاء بشرى أمل للبنانيين.
لكن التعاطي السلبي مع زيارة الرجل من قِبل المسؤولين اللبنانيين وما جرى بينه وبين رئيس الحكومة حسان دياب من توتر على خلفية انتقاد الوزير الفرنسي لأداء الحكومة وتقصيرها في إجراء الإصلاحات والانطباع السلبي عن إدارة الأزمة كانت سبباً كافياً في تفجير المشكلة بين حسان دياب وناصيف حتي.
وزاد الأمر تعقيداً بتغريدة دياب حول زيارة لودريان التي انتقد فيها وزير خارجية فرنسا، فاعتبر أن المسألة أصابته شخصياً نظراً لما روج له أنه على علاقة صداقة متينة مع الفرنسيين ووزير الخارجية، وقوله مرات عدة أمام المسؤولين اللبنانيين وأصدقاء له: "أنا أتحدث معه كأي صديقين حميمين".
وتسببت تغريدة رئيس الحكومة حسان دياب بإزعاج شخصي لحتّي الذي سارع لزيارة رئيس الحكومة لاستيضاح الأمر والاحتجاج، وكان من جملة من ضغطوا لحذف مضمون ما قاله دياب على تويتر.
لكن ما جرى زاد قناعة الوزير المستقيل بضرورة القفز من السفينة التي تغرق والتي قد تغرق الجميع معها، فيما المشكلة الكبرى التي يتحدث عنها تكمن في أن رئيس الجمهورية ميشال عون طلب من مستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي التواصل مع الوزير الفرنسي وتقديم الاعتذار منه على كلام رئيس الحكومة دون إسناد هذه المهمة إليه كوزير للخارجية.
حزب الله: لا تستقل
وتقول مصادر خاصة لـ"عربي بوست" إنّ مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا زار وزارة الخارجيّة قبيل عيد الأضحى في محاولة لثنيه عن تقديم الاستقالة.
إلا أنّ محاولة صفا لم تنجح، وبدا الوزير مصرّاً على استقالته التي حسمها نهائيّاً يوم الإثنين، موضحاً أن وضعه العائلي لن يسمح له باستكمال مهمته، فهو متزوج من امرأة تونسية وأفراد عائلته خارج لبنان يقعون تحت تأثير ما يكتب عنه في الصحف.
هل يعود باسيل؟
وكشفت مصادر لجريدة "الأنباء" الإلكترونية التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي أن البحث جارٍ في بعض أروقة القرار لدى فريق السلطة لإعادة إسناد حقيبة الخارجية إلى الوزير السابق جبران باسيل.
ويأتي هذا "إنقاذاً لما تبقّى من إمكانيةٍ لباسيل في الحياة السياسية، بسبب الخلافات التي تعصف داخل التيار الوطني الحر، وتراجع شعبيّته"، على حد وصف الصحيفة.
وتذكر مصادر مطلعة لـ "عربي بوست" أن رئيس الحكومة حسان دياب قبل الاستقالة فورًا، وباشر اتصالاته ودرس الخيارات لتعيين وزير جديد.
وتوجّه دياب الى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون للتشاور في استقالة حتي والخطوات التالية. وسيظل الرئيسان عون ودياب في تشاور لمعالجة مسألة الاستقالة.
وأفادت المعلومات بأنّ تعيين البديل سيكون خلال ساعات والاسم الاكثر ترجيحا هو شربل وهبة الذي تولى سابقاً مدير مكتب الوزير جبران باسيل.