حملات اضطهاد يعاني منها المسلمون في الهند، من الطائفة الهندوسية المدعومة من الحكومة، كان آخرها قيام رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بوضع حجر الأساس لبناء معبد هندوسي مثير للجدل شمال البلاد على أنقاض مسجد تاريخيٍّ هدمه متطرفون هندوس.
بُنِيَ مسجد بابري على يد الإمبراطور المغولي بابر أوائل القرن الـ16. ومنذ استقلال الهند، اعتقدت منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ والمتعاطفون معها أن المسجد بُنِيَ فوق أطلال معبد الإله الهندوسي رام.
وظل الموقع متنازعاً عليه منذ عام 1949، وفي عام 1992 بعد مسيرات طويلة في أنحاء الهند كافة، دعا قادة حزب بهاراتيا جاناتا -الجبهة السياسية لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ- إلى بناء معبد رام في موقع المسجد.
قاد المسيرة زعماء حزب بهاراتيا جاناتا في المقدمة، مدعومين بملايين من متطوعي منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ "التي انضم إليها مودي حين كان شاباً"، وغيرها من المنظمات الهندوسية المتشددة، ومع اقتراب المسيرة من أيوديا حيث يقع المسجد، وبدعمٍ ضمني من الحكومة المركزية؛ هدمت الحشود المسجد الأثري الذي يعود إلى القرن الـ16، وثارت حالةٌ من السعار الطائفي في العديد من أرجاء الهند، ما أسفر عن مقتل أكثر من 900 مسلم في بومباي، وما أعقب ذلك من تفجيرات بالمدينة.
تزامن الموعد الذي اختير لهذا الحدث مع الذكرى الأولى لإعلان الهند ضمَّ ولاية جامو وكشمير، التي تضم أغلبية مسلمة، والتي تسيطر عليها الهند من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، لكن رئيس الوزراء الهندي يحاول وفق متابعين، تصدير نفسه وتقديم صورته كمخْلص للهندوسيين وزعيم لهم.
في العام 2003، كتب خوشوانت سينغ، أحد أبرز كُتّاب الهند، بكتابه "نهاية الهند The End of India"، أن القوميين الهندوس الهنود ورئيس وزراء الهند الحالي ناريندرا مودي، "سيُكرّرون تجربة كجرات في كافة أنحاء الهند، إن لم نوقفهم".
وكجرات هي حادثة شهيرة لأعمال عنف دارت بين المسلمين والهندوس في فبراير/شباط عام 2002، إذ استمر حمام الدماء ثلاثة أيام في ولاية كجرات الهندية، وأسفر عن مقتل المئات وغالبيتهم من المسلمين، وإجبار مسلمي الولاية على الانتقال إلى الأحياء الفقيرة المنعزلة، ومنذ ذلك الحين بدأ نجم مودي في الصعود.
مودي يحاول رسم صورة جديدة للهندوسية..
كان صعود مودي بالنسبة للهندوس بمثابة ولادة زعيم قوي يرفض فكرة التسامح والتعددية، حتى إن كثيراً من الساسة شبَّهوه بالإمبراطور الروماني نيرون وهو المعروف بجبروته.
تقول الكاتبة الهندية أرونداتي روي: "في غضون شهور، دعا مودي إلى عقد انتخابات وفاز بها، وفي مؤتمرٍ كبير لرجال الأعمال والصناعة بكجرات، دعمه مختلف الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات الهندية علناً، بوصفه مرشحهم المستقبلي لمنصب رئيس الوزراء.
ومنذ ذلك الحين يسير مودي بخطوات ثابتة يحاول بها تعزيز الصورة ذاتها، من بينها علاقته مع منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ التي تأسّست في عام 1925، وكان مؤسسوها متأثرين بالحزب الفاشي الخاص بالديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني.
آمنت المنظمة بالسيادة الهندوسية على الهند، وفي عام 1948، قتل أحد أعضائها السابقين موهانداس غاندي، وحُظِرَت المنظمة المُتشددة ثلاث مرات منذ عام 1948، وانضم مودي إلى المنظمة. وفي عام 1992، كان شاباً وواحداً من مُنظّمي الحشود التي هدمت مسجد بابري.
وصل ناريندرا مودي إلى السلطة عن طريق القضاء على التحالف العلماني في الائتلاف الذي يقوده المؤتمر الوطني الهندي، وتسلَّح بوسائل إعلام مؤدية له؛ ليتسلق على القوانين، وبدأ يتعامل مع المسلمين كمواطنين من درجة ثانية.
تصاعد العنف الطائفي والإعدام الممنهج دون محاكمة، ضد المسلمين في عهد مودي. إذ شهدت البلاد زيادةً بنسبة 84% في العنف المتعلق بالأبقار، حيث يتعرّض أي شخص يتبين أنه يأكل أو ينقل الأبقار -المقدسة لدى الهندوس- للهجوم أو الإعدام، من دون محاكمة في بعض الأحيان.
حلم ضم كشمير يتحقق..
في الخامس من أغسطس/آب عام 2019، ضمّت الهند إقليم كشمير الذي تُديره، وكان هذا حلماً قديماً لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، التي نصّت وثيقة رؤيتها على التالي: "تُمثّل ولاية جامو وكشمير صداعاً في رأس بلادنا منذ الاستقلال، بطابعها القمعي ذي الأغلبية المسلمة".
ووصف مودي الأمر بأنه فجرٌ جديد لأبناء جامو وكشمير، الذين يُطالبون بحقهم في تقرير المصير منذ عام 1947. واحتفى مؤيدوه بالقرار، بينما أشادت به وسائل الإعلام على أنه "ضربة مُعلم". ومُرِّر مشروع القانون في البرلمان الهندي، الذي أكد حق الحكم الذاتي في كشمير عام 1948، بأغلبية الثلثين.
نُشِرَ أكثر من 70 ألف جندي في المنطقة التي كانت تحتوي بالفعل على 700 ألف جندي هندي و120 ألفاً من قوات الشرطة. وسُجِنَ نشطاء وقادة الولاية، وقُطِعَت الاتصالات، وفُرِضَ الحصار العسكري لاحقاً، وظلّ الكشميريون بمعزلٍ بعضهم عن بعض طيلة أسابيع، كأنهم يعيشون في سجنٍ مفتوح.
حين كانت كشمير تحت الحصار سعى نظام مودي إلى استصدار قانونٍ آخر يُدعى قانون تعديل المواطنة، الذي يسمح في الأساس للأقليات المضطهدة من الدول المجاورة بالسعي للحصول على الجنسية الهندية، إلا إذا كانوا من المسلمين.
وفي الوقت ذاته ضغطت الحكومة من أجل إعداد السجل الوطني للمواطنين، والذي يهدف إلى ترحيل المهاجرين غير الشرعيين المزعومين من بنغلاديش في الولايات الشمالية الشرقية.
وكان يجري إرسال من لا يمتلكون وثائق إلى مراكز الاحتجاز. ووصف أميت شاه، الذراع اليمنى لمودي ووزير الداخلية الهندي، أولئك المهاجرين غير الشرعيين من بنغلاديش بأنهم "نملٌ أبيض".
وجرى تجريد أكثر من مليوني شخص، غالبيتهم مسلمون، من جنسيتهم وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال، وشبّه الكاتب سيدهارث بهاتيا تلك الخطوات بما حدث في عمليات ليلة البلور داخل ألمانيا النازية.
وجرى تعليق العمل بالسجل الوطني للمواطنين حالياً، في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت، ثم اختفت بسبب جائحة كوفيد-19.
تعرّضت حكومة مودي للانتقادات، بسبب عدم كفاءتها في التعامل مع جائحة كوفيد-19، الذي تجاوزت الإصابة به المليونين في البلاد، كما شهد الاقتصاد تداعيات سلبية منذ تولي مودي الحكم، وبلغت البطالة أعلى معدلاتها منذ 40 عاماً.
ويرى الكثيرون في استرضاء الأغلبية هذا آليةً لتشتيت الانتباه عن مشكلات الهند الاقتصادية على حساب المواطنين سواء كانوا من المسلمين أو الهندوس.