بالتزامن مع عيد الأضحى الذي يحتفل به اللبنانيون كل سنة ومع تدهور قيمة الليرة ارتفعت أسعار السلع كافة، وبينها اللحوم التي زاد سعرها ثلاثة أضعاف، في بلد يعتمد على الاستيراد لتأمين الجزء الأكبر من احتياجاته.
فيما أعلنت الحكومة مطلع الشهر الحالي دعم سلة غذائية تتضمن اللحوم المبرّدة.
أضحى بلا أضاحٍ: عبدالرزاق درويش، مواطن لبناني مقيم بطرابلس، اعتاد كل عيد أن يذبح خروفاً ويوزع لحمه على الفقراء، لكنه يشعر هذه المرة بغصّة كبيرة لعدم قدرته على أداء هذه الشعيرة رغم كونه جزاراً، بسبب الانهيار الاقتصادي الذي يرهق اللبنانيين منذ أشهر، نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية.
درويش يقف مكتوف اليدين داخل محله لبيع اللحوم، ومعالم اليأس على وجهه. لكنها سرعان ما تتغيّر مع دخول أحد الزبائن.
إذ يخلو المحل من اللحوم على غير عادته، باستثناء حصّة صغيرة يسارع لوضعها في البراد لحظة توفّر التيار الكهربائي الذي ينقطع لساعات طويلة.
فيما يقول درويش لـ"فرانس برس": "هذا العام هو الأسوأ في مصلحتنا بسبب الغلاء الفاحش"، مضيفاً: "يأتي موسم عيد الأضحى من دون أيّ إقبال على شراء اللحوم أو طلبات من الزبائن لذبح الخراف" لتقديمها كأضحية.
ويشرح درويش الذي يعمل في المصلحة منذ ثلاثين عاماً: "بسبب تحكّم السوق السوداء بقطاع اللحوم، بات ثمن الخروف لا يقلّ عن مليوني ليرة لبنانية، بينما كان العام الماضي بحدود 600 ألف ليرة".
تداعيات الأزمة الاقتصادية: وعلى بُعد أمتار من محل درويش، تجلس منى المصري (51 عاماً) على كرسي أمام منزلها المتواضع الصغير، هرباً من الرطوبة وانقطاع الكهرباء مع تأخر السلطات في رصد اعتمادات تأمين الفيول في خضم الأزمة.
بخلاف السنوات الماضية، لا تنشغل منى بأيّ تحضيرات للعيد بسبب الضائقة الاقتصادية.
إذ تروي أنها توقّفت عن شراء كميات قليلة من اللحم "بسبب تبدل أولوياتنا"، وصارت تعتمد على الحشائش والخضار والحبوب في وجبات الطعام.
وقالت منى لوكالة الأنباء الفرنسية: "كنّا ننتظر عيد الأضحى للحصول على حصتنا من الأضاحي، لكن هذا العام يبدو أن أحداً لا ينوي تقديم شيء".
فيما قال الشيخ نبيل رحيّم، مدير إذاعة دينية محلية اعتادت أن تشكل صلة وصل بين راغبين بتقديم الأضاحي ومحتاجين: "في العام الماضي، جاءنا متبرعون كثر.. لكن هذا العام تراجعت الأضاحي بشكل كبير جداً، بما يفوق 80٪، ما يعني أنّ عيد الأضحى سيكون بلا أضاحٍ"، مضيفاً: "هناك أكثر من 300 يتيم في طرابلس كنا ننوي توزيع كسوة العيد لهم، لكننا لم نستطع تأمين حاجة أكثر من 50 منهم".
ويربط رحيم تراجع مظاهر التكافل الاجتماعي في الأعياد "بشكل كبير، نظراً لأن الجزء الأكبر من اللبنانيين بعد الأزمة الاقتصادية باتوا مشغولين بأنفسهم وهمومهم الشخصية".
"عيد بائس": في الأسبوع الفاصل عن موعد العيد، اعتادت متاجر اللحوم والمسالخ أن تكتظ بروادها بخلاف هذا العام، إذ تغيب المظاهر الاحتفالية كافة عن المدينة التي كان سكانها في طليعة المتظاهرين ضد الطبقة السياسية خلال التحركات الشعبية التي شهدها لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر.
وتعذّر هذا العام سفر الحجاج إلى مكة وكذلك جمع شمل عائلات كثيرة بسبب تفشي وباء كوفيد-19 وقيود السفر المفروضة حول العالم.
في منطقة الزاهرية الشعبية في المدينة، يقول علي حسن خالد (50 عاماً)، وهو مالك محل لبيع اللحوم من بين الأكبر في طرابلس: "لم تعد الناس قادرة على شراء كميات كبيرة من اللحوم حتى في الأعياد".
ويروي أنه اعتاد سنوياً ذبح "مئة خروف على الأقل، لكن هذا العام لم نُوصّ إلا على عشرة خراف فقط" مبدياً أسفه كون "الناس في هذا العيد، على ما يبدو، لن تأكل اللحمة ولن تحصل على حصتها الموعودة من الأضاحي".
وجراء الوضع الصعب، قررت سليمة حجازي (33 عاماً) العدول عن إعداد وجبة العيد التقليدية في منزل عائلتها وهي ورق العنب المحشي مع شرائح اللحمة المصفوفة بينها.
وتقول: "لم تعد مداخيلنا تساوي شيئاً.. وأصبحنا مضطرين لتغيير عاداتنا الغذائية"، مضيفة: "لم تصلنا أيّ حصة من الأضاحي، كما اعتدنا، وهو ما يجعل العيد بائساً".