طلبت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس من النيابة العمومية إصدار قرارات منع سفر وتجميد أموال لمشتبه بهم في قضية تضارب المصالح الموجَّهة لرئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ.
وأوضحت الهيئة أنها قدمت إلى النيابة العمومية تقريراً ثانياً مصحوباً بجملة من الوثائق تتعلق بقضية شبهات تضارب مصالح وفساد مالي وإداري وتهرب ضريبي، حول صفقات أبرمتها الدولة مع مجموعة من المجامع وشركات يملك رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ مساهمات فيها.
لم تكشف الهيئة عن أسماء المشتبه في تورطهم في القضية، ورفضت طلباتنا المتكررة للتعليق على المسألة بسبب سرية والتحقيقات، لكن مصادر في البرلمان التونسي، مطلعة على التحقيقات، أشارت لـ"عربي بوست" أن وزير البيئة الحالي شكري بن حسن وعدداً من المسؤولين في الوزارة كانوا قد أشرفوا على تقييم العروض المقدمة في هذه الصفقة، وأنهم من بين مَن وُجِّهت إليهم اتهامات بالفساد.
إدانة ثابتة..
الاتهامات التي وُجِّهت للمسؤولين لا تزال قيد التحقيق، وعليه لا يمكن الجزم بإدانتهم أو براءتهم، لكن النائب عن ائتلاف الكرامة محمد العفاس، عضو لجنة التحقيق البرلمانية في قضية تضارب المصالح الذي كان قد أثار شبهة تضارب المصالح المتعلقة برئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في الجلسة التي منحت فيها حكومته الثقة قال لـ"عربي بوست" إن القضية كانت قائمة حتى قبل تولي الفخفاخ رسمياً رئاسة الحكومة.
يضيف الرجل أن شبهة تضارب المصالح تدور حولها عدة مؤشرات، أولها توجّه رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ للفصل بين وزارتي البيئة والشؤون المحلية، خطوة اعتبرها العفاس جزءاً من التحضيرات الإجرائية لتمرير الصفقات العمومية التي دخلتها شركاته الاستثمارية في مجال البيئة والتصرف في النفايات.
وتابع العفاس أن الفخفاخ عيَّن شكري بن حسن كوزير للبيئة، في خطوة وضعت علامات استفهام حول ما إذا كان الفخفاخ أراد عن طريقه تهيئة الظروف لفوز شركاته بالصفقات العمومية.
أشار العفاس إلى أن التحقيقات المبدئية، التي اطلع عليها، تشير إلى أن رئيس الحكومة المستقيل والمكلف بتصريف الأعمال كان يهدف للحصول على عدد كبير من الصفقات العمومية، إلا أن فوز شركته بطريقة غير قانونية بصفقة عمومية تقدر بـ44 ملياراً قد أثارت الرأي العام وعجلت بسقوطه.
وأن التحقيقات الجارية في البرلمان توجّه اتهامات له خاصة أن الفخفاخ لم يصرح بامتلاكه للشركة التي فازت بصفقة الـ44 ملياراً لهيئة مكافحة الفساد قبل توليه رئاسة الحكومة وهو ما يعد تستراً وإدانة واضحة لرئيس الحكومة المستقيل.
هيئة مكافحة الفساد تبرِّئ ساحتها من مساندة الفخفاخ
هيئة مكافحة الفساد بدورها ساهمت في هذه الأزمة، لأنها لم تقم بالتثبت والتحقيق في ممتلكات رئيس الحكومة، إلا أن الهيئة تداركت تقاعسها من خلال جهود تبذلها حالياً في هذه القضية، ومن خلال التقارير التي تقدمت بها للبرلمان تحمل ضمنياً اتهامات للرجل.
رفض العفاس الإدلاء بمزيد من التفاصيل حول القضية بسبب سير التحقيقات داخل اللجنة البرلمانية، مختتماً قوله بـ"الفخفاخ سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه كأول رئيس حكومة توجَّه إليه اتهامات قد تحيله إلى السجن".
تقرير حكومي يوجِّه اتهامات للفخفاخ
وكانت هيئة الرقابة العامة قد أصدرت تقريرها بخصوص ملف شبهات تضارب المصالح المتعلقة برئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ.
وأشار التقرير إلى حصول عدة إخلالات في الصفقة التي حصل عليها مجمع من ثلاث شركات يملك الفخفاخ أغلبية الأسهم في واحدة منها. وأن شركات المجمع لم تملك أي نشاط سابق في مجال إعادة تدوير النفايات، وهو ما يعني عدم استجابتها لشروط المشاركة في المناقصة والحصول على الصفقة.
كما أكد التقرير أن مشاركة شركة "فاليز" الفرنسية -التونسية التي يملك الفخفاخ أغلبية الأسهم فيها في الصفقة، يعد خرقاً للقانون الذي يمنع مشاركة شركات أجنبية، مشدداً على أنه كان يتعيّن إقصاء عرض هذا المجمع من الصفقة.
محاولات لتسييس القضية
ومن جهته، أوضح عماد الدايمي، رئيس مرصد رقابة، وهي منصة تونسية مختصة في مكافحة الفساد، أن هناك شبه إجماع من خلال التقارير والتحقيقات (البرلمانية والقضائية والإدارية) على أن رئيس الحكومة المستقيل متهم في قضية تضارب المصالح.
وأكد الدايمي أن قضية الحال هي فرصة لإنفاذ القانون وتأكيد توجه البلاد نحو محاربة الفساد، مشدداً على ضرورة أن تستكمل كل التحقيقات خاصة القضائية منها لإصدار حكم نهائي في القضية، والنأي بهذا الملف بعيداً عن الضغوطات السياسية ومحاولات استغلاله سياسياً.
وأكد أن عدداً من الأطراف السياسية تضغط من أجل التأثير في نتائج هذه القضية، من خلال الدفع نحو إدانة رئيس الحكومة المستقيل لاستغلاله كورقة ضغط سياسية ضد أطراف معينة مشاركة في الائتلاف الحاكم الذي كان وراء اختيار الفخفاخ كرئيس للحكومة.
وأطراف سياسية أخرى تسعى للتأثير على مجريات التحقيقات والأبحاث للدفاع عن الفخفاخ واستغلال نتائج القضية في مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، وهي ضغوط يؤكد الدايمي أنها لا تخدم جهود مكافحة الفساد وإنقاذ القانون.
الواضح أن هناك لوماً شديداً وُجّه إلى هيئة مكافحة الفساد التي تحركت متأخراً في القضية، لكن إجراءاتها مؤخراً تحاول تدارك الأمر.