يعتمد الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو سياسة مغايرة لبقية دول العالم في التعامل مع أزمة فيروس كورونا، الذي قتل عشرات الآلاف حول العالم، فبدلاً من تأييده إجراءات العزل الاجتماعي، يقوم الرئيس بنفسه بحث الناس على العيش بشكل طبيعي، ودفع موقفه موقع فيسبوك لأن يحذف فيديو له بسبب ما تضمنه من معلومات خاطئة.
المشهد عن قرب: منذ بداية ظهور فيروس كورونا في البرازيل، في فبراير/شباط 2020، استخف الرئيس المُلقب بـ"ترامب البرازيل" بمخاطر الفيروس، وبينما كانت أعداد الإصابات تتزايد، كان ينتقد التدابير التي اتخذتها الإدارات المحلية لمواجهة كورونا، ويبدو أنه ما يزال على موقفه.
في تصريح له يوم الجمعة 3 أبريل/نيسان 2020، وصف بولسونارو فيروس كورونا بأنه "مثل المطر، الذي سيبلل 70% من البلاد، وستصبح البرازيل حرة عندما يكسب المصابون مناعة ضد الفيروس"، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية.
يهاجم بولسونارو إجراءات مواجهة كورونا وهو مدفوع بمخاوف اقتصادية، حيث قال في تصريح وجّهه للبرازيليين: "تعرفون موقفي من هذه التدابير، الشعب البرازيلي لا يمكنه تحملها لمدة شهرين أو ثلاثة، ستكون هناك أرقام بطالة هائلة".
على شبكات التواصل الاجتماعي في البرازيل، ينتشر رسم ساخر يظهر ديناصوراً يحدق في نيزك على وشك إبادة جنسه، ويقول: "تباً سيكون هذا سيئاً للاقتصاد"، في استهزاء كما يبدو بطريقة إدارة بولسونارو أزمة كورونا، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
مواقف غريبة: قارن بولسونارو، اليميني المتطرف، الفيروس الجديد بـ"إنفلونزا بسيطة"، معتبراً أنه تسبب برد فعل "مبالغ به"، وهو يرفض تدابير مثل إغلاق المدارس والأنشطة التجارية.
يتناقض هذا مع موقف منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة البرازيلية وإجراءات العزل التي يطبقها نحو نصف سكان الأرض للحد من انتشار الفيروس.
وبينما كانت السلطات البرازيلية تكافح لإقناع الناس وإبعادهم عن الشواطئ، قوّض بولسونارو جهودهم، عندما انتقد ما سمّاها "التحركات الديكتاتورية" لمنع المواطنين من الذهاب إلى الشاطئ، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية.
في تصريح آخر أثار الجدل، اعتبر بولسونارو أن البرازيليين مستعدين بشكل فريد ليجتازوا وباء كورونا "لأنهم يغطسون في مياه الصرف الصحي ولا يلتقطون شيئاً (من الفيروسات)، بحسب ما ذكرته صحيفة The New York Times.
في يوم الأحد 29 فبراير/شباط 2020، وعوضاً أن يلزم منزله، نزل بولسونارو إلى شوارع برازيليا وصافح أنصاره، والتقط الصور، ودردش معهم وشجعهم على الحفاظ على عجلة الاقتصاد.
قال لهم إن "علينا أن نواجه هذا الفيروس، لكن مواجهته كرجال وليس كأولاد. علينا أن نواجهه بواقعية. هذه الحياة. كلنا سنموت يوماً ما"، مضيفاً أنه "ينبغي اتخاذ تدابير الوقاية مع المسنين والأشخاص الأكثر عرضة للخطر. لكن من الضروري حماية الوظائف".
في ذلك اليوم أيضاً، قامت شركات تويتر وفيسبوك وإنستغرام بحذف جميع فيديوهات بولسونارو التي نشرها، وقالت إن المحتوى ينتهك سياساتها المتعلقة بنشر المعلومات المضللة التي من شأنها أن تلحق الأذى بالناس.
تضمن محتوى الفيديو تصريحات لبولسونار وهو يتحدث إلى بائع متجول، يقول فيه إن "عقار العلاج من الملاريا هيدروكسيكلوروكين يمكن استخدامه في الشفاء من فيروس كورونا"، مضيفاً أن الدواء متواجد في البرازيل، وهو ما تم اعتباره معلومات غير صحيحة.
اعتبرت فيسبوك أن الفيديو انتهك معايير المجتمع، وأن الشركة لا تسمح بالتضليل الذي قد يؤدي إلى الضرر الجسدي.
كذلك تحدث بولسونارو عن محاربة الوباء بإجراءات "عزل عمودي" أي عزل الأشخاص الأكثر عرضة للخطر وجعل باقي أفراد المجتمع يزاولون حياتهم كالمعتاد، غير أن الخبراء حذروا من مغبة ذلك.
حيث قالت خبيرة الأمراض المعدية إليانا بيكودو إن "عزل المسنين فقط وعدم عزل الآخرين من دون معرفة كيف يتصرف الفيروس وينتشر في البرازيل، ليس الإجراء الصحيح".
غضب واسع: أثارت تصريحات الرئيس غضباً بين أبناء البرازيل، وهو ما أجبره على التراجع قليلاً، حيث وصف الفيروس بأنه "أكبر تحدٍّ لجلينا"، وأقر بأهمية التدابير الوقائية.
غير أنه كرر رسالته المتعلقة بالاقتصاد وشدد على أن "الآثار الجانبية لمكافحة فيروس كورونا المستجد لا ينبغي أن تكون أسوأ من المرض نفسه".
يأتي هذا التراجع بعدما تزايدت عزلة بولسونارو بسبب آرائه الرافضة للعزل، فالبرازيليون المعارضون له دأبوا على طرق الأواني من نوافذهم كل ليلة تعبيراً عن الاحتجاج، كما طالبه القادة اليساريون بالاستقالة بسبب "جرائمه" بحق الصحة العامة. بحسب الوكالة الفرنسية.
أما سلطات الولايات والسلطات المحلية فتتجاهله بشكل أساسي. بل حتى بعض الحلفاء الرئيسيين ينأون بأنفسهم عنه.
من جانبه، قال توماس فافارو من شركة "كونترول ريسكس" (الحد من المخاطر) الاستشارية إن آراء الرئيس البرازيلي "محفوفة بالمخاطر. إنها تخلق تفرعاً زائفاً بين إنقاذ الأرواح وحماية الاقتصاد".
أضاف أن الدراسات "تظهر أن التباعد الاجتماعي لا يسهم فقط في منع انهيار المنظومة الصحية، بل يساعد على الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء العالمي".
كان وزير الصحة البرازيلي لويس هنريك مانديتا قد حذر من أن عدد حالة الإصابة والوفاة في البرازيل جراء فيروس كورونا يبعث على القلق الشديد وعبر عن مخاوفه بشأن مخزون البلاد من معدات الوقاية والمعدات الطبية وأجهزة التنفس.
أوضح مانديتا أن عدد حالات الإصابة المؤكدة أقل حتى الآن من العدد الفعلي للمصابين بالمرض، مضيفاً أن عادات السكان الأصليين والتي ربما تسهل انتشار الفيروس تمثل أيضاً قلقاً كبيراً للغاية.
تشير البيانات الرسمية في البرازيل إلى أن عدد المصابين بفيروس كورونا في البرازيل وصل حتى السبت 4 أبريل/نيسان 2020 إلى 9216 شخصاً، بينما توفي 365.