خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفي الوقت الذي أخذ مسؤولو الصحة الصينيون يبلغون عن حالات "مستوردة" جديدة من الإصابات بفيروس كورونا كل يوم تقريباً، لاحظ الأجانب الذين يعيشون في البلاد تغييراً بارزاً. إذ ترفض مطاعم ومتاجر وصالات رياضة وفنادق استقبالَهم، ويتعرضون لمزيد من الفحص، ويصيح عليهم السكان المحليون ويتجنبونهم في الأماكن العامة.
يقول أندرو هوبان، وهو رجل يبلغ من العمر 33 سنة ومن أصول أيرلندية ويعيش في شنغهاي، حسب تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية: "أكون ماشياً وأمر بشخص عادي، وبمجرد أن يرى عيوني الزرقاء أُفاجأ به يقفز إلى الوراء مبتعداً عني!".
تتراوح التجارب بين الإحراج اجتماعياً إلى الرهاب المباشر من الأجانب. فقد رأى شخص أمريكي كان يسير مع مجموعة من الأجانب في حديقة ببكين امرأةً تشد طفلها وتجري به في الاتجاه الآخر مبتعدة عنهم. وتحدث آخرون عن سماعهم لأشخاص يصفونهم بـ"القمامة الأجنبية". ومؤخراً، انتشر مقال عبر شبكة الإنترنت، تصدرته صورة سفينة مكدسة بمسافرين أجانب، ويدفعها الناس بعيداً عن الساحل الصيني، كان العنوان الذي يحمله "احذر من تفشٍّ ثانٍ يبدأ من القمامة الأجنبية".
مع اتجاه الصين نحو العودة إلى طبيعتها بعد أشهر من الشلل العام، تُركز السلطات جهودها على تجنب موجة ثانية من العدوى قد تأتي من الخارج.
منذ 19 مارس/آذار، لم تبلغ الصين إلا عن حالتين فقط انتقل إليهما الفيروس محلياً، في حين أبلغت عن عشرات من الحالات القادمة من الخارج. وبحلول الخميس الماضي، كان المسؤولون قد أبلغوا عما مجموعه 595 حالة إصابة مستوردة من الخارج منذ بدء تفشي المرض، ومصدرها الرئيسي هو المملكة المتحدة. ويقول مراقبون إن التركيز على حالات الإصابة المستوردة أدى إلى زيادة المشاعر المعادية للأجانب، التي يقول البعض إنها تشهد ارتفاعاً بالفعل منذ سنوات.
وسائل الإعلام الحكومية الصينية تزيد العنصرية
يقول جيريمايا جين، وهو باحث أمريكي مهتم بالتاريخ ومقيم في بكين "بالطبع هناك تأثير عندما تتحدث وسائل الإعلام الحكومية عن أنه فيروس أجنبي. إنه شكل جديد لموضوع مألوف: لا تثق في الأجانب، وبالتالي إذا حدث تفشٍّ جديد للمرض في الصين سيقع اللوم على الأشخاص القادمين من الخارج".
يوم السبت، أغلقت البلاد حدودها مؤقتاً أمام جميع الوافدين الأجانب. كما أصدر المسؤولون تعليماتهم لشركات الطيران المحلية بالحفاظ على رحلة واحدة فقط لكل دولة في الأسبوع الواحد.
يقول البعض إن التركيز على الأجانب يعد أمراً مثيراً للدهشة، بالنظر إلى أن 90% من الحالات المستوردة كانت من حاملي جوازات السفر الصينية، وهي محاولة من قيادة البلاد لتعزيز صورتها محلياً.
يضيف مايك جاو، الباحث بمعهد سياسات الصين التابع لجامعة نوتنغهام "إذا كان ثمة فرصة ليبدو النظام قوياً ومتماسكاً وشرعياً من خلال استغلال حالة القلق العام، فإن المسؤولين الصينيين لن يتوانوا عن انتهازها. إذا أسفر ذلك عن انتشار المشاعر المعادية للأجانب، فليكن".
مع ذلك، شدّد عديد من المقيمين الأجانب على أن تجاربهم لم تبلغ تلك التجارب التي عايشها الآسيويون في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، إذ تعرّض هؤلاء لانتهاكات أكبر وصلت حد الاعتداء والضرب والاستهداف بالإساءات العنصرية.
يقول بيل أيتشيسون، وهو رجل يبلغ من العمر 49 عاماً ومن أصول إنجليزية ويعيش بين شيامن ونانجينغ: "لم أتعرض لهجوم من قبل، ولم أسمع عن أي أجانب تعرضوا للهجوم… بيد أن الفيروس أطلق بالفعل العنان لبعض المشاعر القبيحة. فعندما تغلق الحدود وترتفع الجدران، يبدو أن الناس في كل مكان ينزعون إلى رؤية الفيروس فيمن هم غير مألوفين بالنسبة إليهم".
مع ذلك، فإن بعض الجاليات الأجنبية تشهد مزيداً من المضايقات. فقد أُجبر زوجان إفريقيان في بكين على الانتظار لمدة ساعتين في مطعم، قبل أن يزل لسان أحد العاملين ويصرح لهم بأنه يُفترض بهم عدم السماح باستقبال "أشخاص ملونين" في المكان.
حتى إن الأفارقة الملوَّنين يعانون في الصين
روناكو سيلينا، وهي مؤسسة مشاركة في منظمة Black Livity China المعنية بتوثيق تجارب الأفارقة والأشخاص المنحدرين من أصول إفريقية في الصين، قالت إن "اجتماع المواقف الموجودة مسبقاً تجاه الاختلافات العنصرية والسود، لتُضاف إلى هذه الموجة الجديدة من الخوف من الأجانب، يجعل الأمور أسوأ بكثير. وعلى الرغم من اضطلاعنا بهذا العمل على نحو مطرد وعلى مدار سنوات، لا أعتقد أنه قد أتت علينا فترة زمنية واحدة شهدت هذا القدر من الحوادث العنصرية [أو] الإساءات المرتبطة بتمييز عنصري من أشخاص ومقاطعات مختلفة كما نشهد الآن".
يتحدث أجانب آخرون عن معاملتهم بمزيد من التفحص والحذر. ويقول ديفيد ألكسندر، وهو أمريكي يبلغ من العمر 32 عاماً ويعيش في مقاطعة جيانغسو الجنوبية، إن زملاءه الصينيين تلقوا نصائح بالابتعاد عن مخالطة الأجانب. وعندما كان ألكسندر يشتري حاجاته من أحد المتاجر الأسبوع الماضي، انتظر زوجان حتى مغادرته قبل الدخول؛ وهو ما دفعه إلى القول إن "هناك شعوراً ما بالخوف بدأ يتصاعد، من الأجانب".
مع ذلك فقد قال كثير من المقيمين الأجانب، إنهم لا يشعرون بعداء الأجانب، وإن الأحداث الطفيفة التي مروا بها ليست كافية لجعلهم يعيدون النظر حيال العيش في الصين. في حين قال آخرون إن معاملتهم كالمنبوذين بعد أن عاشوا في البلاد لسنوات، كان أمراً محزناً ومحبطاً في العموم.
يقول كريس ليموس، وهو أمريكي يبلغ من العمر 29 عاماً ويعيش في شنغهاي، إنه كان جالساً في المترو الأسبوع الماضي، عندما فوجئ بامرأة تنتقل فجأة إلى الجانب الآخر من العربة ابتعاداً عنه.
كان ليموس، الذي ظل في المدينة ثلاثة أشهر وأخذ يقضي معظم وقته بالمنزل؛ لتجنب الإصابة بالمرض أو نقل العدوى إلى آخرين، قد أمل بعض التضامن، قائلاً: "لقد كنت معهم في الخندق ذاته، إذا جاز التعبير".