منذ زيارة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، لطهران، في يناير/كانون الثاني 2020، لحضور جنازة قاسم سليماني، تم تناقل أحاديث كثيرة عن تدهور العلاقة بين "حماس" ومصر.
تشير أنباء مسرَّبة من مصادر عدة، في تقرير نشره موقع Middle East Eye البريطاني، إلى أنَّ "حماس" كانت قد وعدت جهاز الاستخبارات المصري بأنَّ جولة هنية الراهنة إلى الدول الأجنبية -بوساطةٍ من القاهرة- لن تتضمَّن زيارة طهران.
مع ذلك، وصفت "حماس" حادثة اغتيال سليماني في قصفٍ أمريكي على بغداد، في يناير/كانون الثاني الماضي، بأنَّها "حدثٌ طارئ" لم يترك لهنية خياراً سوى السفر إلى إيران.
ترميم علاقة: ترأس هنية وفداً من كبار مسؤولي "حماس" لحضور جنازة سليماني، التي اعتُبِرَت فرصةً سانحةً للحركة كي ترمِّم علاقتها بطهران، تلك التي أضرَّها موقف الطرفين المتضادين من الحرب الأهلية السورية.
مع ذلك، وفقاً للمراقبين والمحللين، فإنَّ الحكومة المصرية وبعض الفصائل الفلسطينية ترى أنَّ هنية قد تجاوَز المقبول في حضوره الجنازة، بأن وصل إلى حد وصف سليماني بألقابٍ رنَّانة مثل "شهيد القدس"، ومَدَحه على خلفية سياسة إيران تجاه القضية الفلسطينية.
منذ زيارة هنية لطهران، طرأت عديد من التطوُّرات التي يعتقد مراقبون أنَّ فيها إشارةً إلى غضبٍ مصري من "حماس" وتدهور العلاقات بين الطرفين.
في الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني)، سمحت "حماس"، الحاكمة لقطاع غزة المحاصر، بإطلاق بالونات حارقة إلى إسرائيل من قطاع غزة الساحلي للمرة الأولى منذ أشهر؛ وهو ما أدَّى بدوره إلى تعرُّض القطاع لقصفٍ إسرائيلي كثيف.
مع ذلك فإنَّ مصر، التي تضطلع بدورٍ رئيسي في مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار المتَّفق عليه بغزة، ابتعدت على نحوٍ جدير بالملاحظة، عن ممارسة أي دورٍ في تهدئة الأحداث بين الطرفين. وفي هذه الأثناء، أوقفت القاهرة إمداد القطاع بغاز الاستخدام المنزلي.
"نختلف ونتَّفق مع مصر": لم تنكر "حماس" أنَّ زيارة طهران قوبِلت بـ "استياءٍ مصري"، لكنَّها حرصت على أن تؤكد "قوة" علاقتها بالقاهرة، وأنَّها لا تقبل "بأي بديلٍ لمصر في إدارة القضايا الفلسطينية الوطنية"، وفقاً لتصريحٍ أدلى به خليل الحية، نائب رئيس حركة "حماس" في غزة.
اعترف الحية بأنَّ "مصر اتَّخذت موقفاً معترضاً على زيارتنا لإيران"، مضيفاً أنَّ "المصريين عقلانيون، وقد ناقشنا الأمر معهم… نحن نختلف ونتَّفق مع مصر، وهذا مطلوبٌ في السياسة، ونحن نسعى لإصلاح علاقاتنا مع كل الدول والكيانات".
مع ذلك، كشف مصدرٌ على دراية بالتطوُّرات، لموقع Middle East Eye البريطاني، أنَّ الفصائل الفلسطينية في غزة قد حاولت التواصل مع القاهرة لـ "إصلاح" العلاقات معها بعد زيارة هنية لطهران، لكنَّهم لم يتلقوا رداً من الجانب المصري.
المصدر، الذي آثر أن تبقَى هويته مجهولة، كشف أنَّ مصر لا تنتوي قطع العلاقات كلياً مع "حماس". وقال إنَّ القاهرة تدرك أهمية حركة "حماس" في المشهد الفلسطيني، خاصةً في غزة، وإنَّها كانت راضية عن التعاون الذي شهده الطرفان مؤخراً في قضايا عدة، أهمها الجانب الأمني وتأمين الحدود المصرية مع غزة.
في الوقت ذاته، قال المصدر إنَّ مصر مستاءة من زيارة هنية لإيران، واحتمال أن تنهض طهران بدورٍ أكبر وأعلى نفوذاً في القضية الفلسطينية، وهو ما سيؤثر تباعاً في الدور المصري، ويعيق مسعى القاهرة لإرساء هدنةٍ طويلة الأمد بين إسرائيل وغزة.
وقال المصدر إنَّه نتيجةً لهذا، فإن مصر لن يمكنها أن تتجاهل زيارة هنية لطهران دون أن "تلقِّنه درساً، وإجراءات مصر ضد حماس سوف تظل محسوبة، إذ إنَّها تفضِّل بقاء هنية على رأس حركة حماس في الانتخابات الداخلية المقبلة والمقرَّر عقدها في نهاية عام 2020، وإبقائه (تحت السيطرة) في غزة".
البديل المطروح -أي عودة رئيس المكتب السياسي الأسبق، خالد مشعل، المدعوم من قبل قطر وتركيا- هو سيناريو ربما ليس أفضل بالنسبة لمصر.
حضوره في الخارج قوَّة: فضَّل رأفت مُرّة، رئيس الدائرة الإعلامي لحركة "حماس" بالخارج، عدم الخوض في العلاقة المتوترة بين الحركة ومصر، لكنَّه قال دون الإشارة إلى مصر صراحةً: "أقلقت زيارات هنية بعضَ الدول، وبين هذه الزيارات زيارته لطهران، لكن لا يوجد مبرر لهذا الاستياء، لأنَّ موقف حماس واضحٌ ومعروف، وقد قامت الحركة بعدة زياراتٍ لإيران سابقاً".
قال أيضاً: "إنَّ زيارتنا أي دولةٍ لا تكون موجَّهة ضدَّ دولةٍ أخرى، لأنَّ سياستنا قائمة على التواصل مع جميع القوى لمصلحة الشعب والقضية الفلسطينية. وفيما يخص جولة هنية الخارجية، فإنَّ قائد حماس كان يسافر للمرة الأولى منذ انتخابه رئيساً للمكتب السياسي للحركة في 2017، وإنَّه قد كانت للجولة أهدافٌ عدة، تضمَّنت اللقاء بكل القيادات والهياكل التنفيذية للحركة خارج فلسطين".
خلال زيارة هنية لـ6 دول إلى الآن، عقد رئيس الحركة اجتماعاتٍ مع رؤساء وزعماء، ناقشوا فيها أحدث تطوُّرات القضية الفلسطينية، وينوي هنية زيارة دولٍ أخرى، حسب "مُرّة".
لم يحدِّد المتحدث باسم الحركة موعد عودة هنية إلى غزة، لكنَّه قال: "اليوم، إنَّ حضوره في الخارج بعد إعلان (صفقة القرن) المزعومة لَهو موطن قوَّة يسمح له بمتابعة مجهوداته السياسية في التواصل مع عددٍ من المسؤولين، شارحاً لهم الخطر الكامن في تلك الصفقة على القضية الفلسطينية وموضّحاً موقف حماس".
مع ذلك، قال المصدر المجهول ذاته والذي تحدَّث مع موقع Middle East Eye عن رد الفعل المصري، إنَّ حضور قائد حركة "حماس" في الخارج خلال هذه الفترة لم يكن ذا صلةٍ تُذكَر بجدول "محدَّد مسبقاً" للزيارات الخارجية، وإنَّ عودته إلى غزة مرتبطة بموافقة مصر ونهاية غضبها من زيارته لإيران.
الضغط على مصر: يعتقد المراقبون أنَّ قرار حركة "حماس" السماح باستئناف إطلاق البالونات الحارقة في غزة كان الهدف منه إرسال رسالة إلى مصر؛ من أجل تحقيق هدفين.
الهدف الأول هو الضغط على إسرائيل من أجل تنفيذ تعهدات سابقة، وتخفيف الحصار على غزة. أما الثاني فيتمثل في دفع مصر إلى التعامل مع التوترات التي أثارتها زيارة إسماعيل هنية لطهران.
مع ذلك، فما يثير الانتباه هو غياب أي وساطة مصرية رغم الضربات الجوية الإسرائيلية.
فمن جانبه، يدعم الصحفي مصطفى إبراهيم، كاتب أعمدة في الشؤون الإسرائيلية، الاعتقاد بأنَّ إطلاق البالونات الحارقة والصواريخ الموجهة صوب إسرائيل تحمل رسالة إلى مصر، وتأتي في سياق الضغط عليها لإرسال وفد أمني إلى غزة، لتجاوز التوترات مع حركة "حماس".
لا يستبعد إبراهيم أنَّ طول فترة تجاهل مصر لحركة "حماس" سيؤدي إلى تدهور الوضع الأمني في غزة، وبالأخص مع فشل إسرائيل في التزام التدابير المتفق عليها لتخفيف الحصار؛ وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري أو استئناف الاحتجاجات الأسبوعية، لكن لن يتفاقم بالضرورة إلى حرب مفتوحة.
على الرغم من أحدث التطورات، لا يصدّق حمزة أبو شنب، محلل سياسي منتمٍ إلى "حماس"، أنَّ العلاقة بين مصر و "حماس" تشهد أي "انتكاسة"، رغم اعترافه بأنَّ مصر "تلوم" هنية بسبب زيارته لطهران.
قال أبو شنب، في تصريح لموقع Middle East Eye البريطاني، إنَّ الاتصالات بين الجانبين مستمرة ولم تنقطع، وهناك مصالح مشتركة، لذا فإن أحدهما لا يمكنه الاستغناء عن الآخر.
وفقاً لأبو شنب، لم تشترط القاهرة على هنية عدم زيارة طهران، لكن في الوقت نفسه لم تكن متحمسة لها؛ إذ تنتمي كل من مصر وإيران إلى محور قوة إقليمي مختلف عن الآخر.
ضغط على السعودية؟ يتفق ثابت العمور، باحث في الحركات الإسلامية، مع رأي المحلل أبو شنب في أنَّ علاقة "حماس" بمصر تستند إلى مصالح مشتركة؛ لذا لا يمكن أن تتسبب زيارة طهران في انهيار هذه العلاقة.
صرَّح العمور، لموقع Middle East Eye، بأنَّ "حماس" تدرك أنها لن تتمكن من الاستمرار في إدارة قطاع غزة من دون دعم مصر؛ ومن ثم استخدمت الحركة "الواقع السياسي" في تعاملاتها مع الحكومة المصرية، بعيداً عن علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين.
في المقابل، بحسب العمور، لدى مصر مصلحة في استمرار الاتصالات مع "حماس"، وبالأخص فيما يتعلق بالحفاظ على أمن الحدود بين سيناء وغزة.
يرى العمور أنَّ هنية ربما يكون قد أخطأ سياسياً بزيارة طهران، لكن هذه الخطوة جاءت بنتيجة جيدة فيما يتعلق بـ "تغيير وضع" الحركة. أضاف أنَّ "حماس" لم يعد بإمكانها الحفاظ على كل هذه "العلاقات المتناقضة" في ضوء التحالفات الإقليمية بالمنطقة، وأنَّ مصر تدعم السعودية ضد إيران؛ ومن ثم قد يكون غضب القاهرة من هذه الزيارة ناجماً عن رسالة غاضبة من الرياض بأنَّ "جولة هنية تجاوزت الخط الأحمر للمملكة".