وصف العاملون بقطاع الصحة مشهداً "مُحبطاً" بعد أن ضربت غارةٌ جويةٌ يشتبه في كونها روسيةً منطقة مدنيين شمال غرب سوريا، فيما تشن قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد حملةً بريةً منذ شهرٍ لفرض السيطرة التامة على محافظة إدلب، آخر المعاقل الكبرى للمعارضة في البلاد.
حسب ما ذكرته صحيفة Middle East Eye البريطانية، الخميس 30 يناير/كانون الثاني 2020، أسفرت الغارة الروسية عن مقتل 10 مدنيين على الأقل، وتسببت في إصابة 70 آخرين قُرب مخبزٍ ومستشفىً في مدينة أريحا الواقعة في محافظة إدلب، وفقاً لعاملين بقطاع الصحة ومسؤولين بالدفاع المدني.
روسيا تنفي
تُظهر الصور المنشورة على الإنترنت المستشفى وقد دُمر بالكامل، واحترق جراء الغارة التي ضربت منشآتٍ طبيةٍ ليلة الأربعاء الماضي 29 يناير/كانون الثاني 2020.
بينما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، إن مقاتلاتٍ روسيةً شنت الهجمات، لكن وزارة الدفاع الروسية نفت مسؤوليتها عنها. وأضافت في بيانٍ: "لم ينفذ الطيران الروسي أية مهام قتالية في تلك المنطقة من سوريا".
بينما قال وليد أصلان، مدير وحدة الدفاع المدني في أريحا، إن الغارة بدأت عند العاشرة والنصف مساء الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني 2020، واستمرت لـ 15 دقيقةً.
كما نقل موقع Middle East Eye البريطاني عن أصلان قوله: "أطلقت المقاتلات الروسية ثلاثة صواريخ فراغيةٍ موجهةٍ شديدة التفجير استهدفت مستشفى الشامي، ودمرت سبعة مبانٍ سكنيةٍ حول المنشأة الطبية". وتابع: "كان علينا أن نُخرج الأطفال من بين الأنقاض، وأن نعمل بسرعةٍ قبل أن تُضرب المنطقة مرةً أخرى".
قال أيضاً إن المسعفين تمكنوا من العثور على امرأةٍ حيةٍ بين الأنقاض. منقذون آخرون كانوا يعملون جاهدين لإخماد النيران التي سببتها الغارة في المناطق السكنية.
العاملون يؤكدون أن الصواريخ روسية
يعتقد العاملون في مستشفى الشامي أن المنشأة الطبية قد "استُهدفت بشكلٍ مباشرٍ" بصواريخ قد تكون روسيةً. يقول الدكتور زهير القيراط، أحد كبار الأطباء في المستشفى إن المنشأة كانت تخدم كل سكان أريحا وكانت تضم عدة أقسامٍ.
الطبيب السوري قال للموقع البريطاني إن إحداثيات المستشفى كانت قد أُعطيت للأمم المتحدة ثم أُعطيت للروس لمنع استهدافها بغاراتٍ جويةٍ. وأضاف: "كنت في غرفة الطوارئ حين وصلت الضربة الأولى. أُصبت وزملائي إصاباتٍ طفيفةً من الضربة الأولى".
قبل أن يتابع قائلاً: "حاولنا الاختباء في المباني السكنية القريبة من المستشفى بعد الضربة الأولى. كان زميلي الدكتور زكوان طعمه لا يزال بالداخل حين أصابت الضربة الثانية المستشفى، وقد أصيب إصاباتٍ بالغةً".
ضحايا من الأطفال والنساء وأشلاء تحت الأنقاض
قال الدكتور تيسير، الذي يعمل جراحاً في المستشفى إن الضحايا بينهم العديد من الأطفال والنساء. كما أنه شاهد طعمه وهو يُصاب جراء الاعتداء.
تيسير، الذي استخدم اسمه الأول فقط أضاف: "ضربت الهجمة الأولى قرب المستشفى وحطمت النوافذ والأبواب. انهارت بعض الحوائط على الأرض. بدأ المدنيون بالمستشفى في الصراخ طلباً للمساعدة، وخرج البعض لمساعدتهم".
الاعتداءات البرية متواصلة
زادت القوات الحكومية من اعتداءاتها على المناطق القريبة من معرة النعمان بعد أن سيطرت على المدينة الاستراتيجية بمحافظة إدلب، والتي كانت خاضعةً لقوات المعارضة.
إذ قال عزيز محمد، الناشط من مدينة مرديخ القريبة من معرة النعمان إنه لم يحدث تطورٌ كبيرٌ على الأرض في المنطقة يوم الخميس 30 يناير/كانون الثاني 2020. وأضاف للموقع البريطاني: "لا تزال قوات الحكومة متمركزةً في مدينة معردبسة، على بعد تسعة كيلومتراتٍ جنوب مدينة سراقب، لكن القصف لم يهدأ".
من جهتها، قالت وكالة أنباء سانا التابعة للنظام السوري إن اشتباكاتٍ عنيفة وقعت في معردبسة وخان السبل فيما كانت القوات الحكومية تطارد مقاتلين من المعارضة هربوا إلى معرة النعمان. وقالت وكالة الأنباء إن الجيش تابع التقدم على محوري سراقب ومعرة النعمان.
بينما قال عبيد الفاضل الذي يدير مركز إدلب الإعلامي: "كانت المدفعية التابعة للحكومة تستهدف الطرق الرئيسية المؤدية لسراقب". وأضاف: "يجد المدنيون أنفسهم في موقفٍ صعبٍ. فهم لا يعرفون أين ولا كيف يفرون لينقذوا أنفسهم من الهجمات".
موقع استراتيجي لـ "سراقب"
تقع سراقب شرق إدلب، وتُعد ثالث أكبر مدينةٍ واقعةٍ على طريق M5 الاستراتيجي السريع، الذي يعد شرياناً رئيسياً يمتد بين المدن التي تسيطر عليها الحكومة والتي تسعى الحكومة للحصول عليها.
كانت سراقب خاليةً من المدنيين تقريباً، لكن الفاضل يقول إن الأسر الباقية البالغ مجموعها 60 أسرةً أجلاهم الدفاع المدني أو الخوذ البيضاء عن المدينة أمس الخميس 30 يناير/كانون الثاني 2020.
رغم وجود العديد من اتفاقيات وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا الداعمة للمعارضة، لا تزال القوات الحكومية مستمرةً في الاستحواذ على مناطق في الجنوب تابعةٍ للمعارضة.
كان عشرات آلاف المدنيين قد فروا من المناطق المستهدفة بزحف القوات النظامية في الأسابيع الأخيرة باتجاه الحدود التركية أقصى الشمال.
كما اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موسكو يوم الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني بـ "عدم احترام تلك الاتفاقيات"، وقال إن أنقرة تفقد صبرها حيال الاعتداءات العسكرية في إدلب.
كانت القوات النظامية قد استعادت سيطرتها على 27 مدينةً وقريةً تقريباً من خصومها في جنوب إدلب منذ 24 يناير/كانون الأول، وفقاً لوكالة Agence France-Presse.
يُذكر أن 388 ألف مدنيٍ قد شُرد في الشمال الغربي منذ ديسمبر/كانون الأول وفقاً للأمم المتحدة.