وجد عشرات الشباب السودانيين الحالمين بلقمة عيش لهم ولأسرهم أنفسهم في معسكرات للجيش الإمارتي يتدربون على أسلحة مختلفة، تمهيداً للزج بهم في أتون الحرب في ليبيا، والقتال إلى جانب ميليشيات خليفة حفتر، دون أن يعرفوا شيئاً عن هذا الترتيب، فكل ما كانوا يستعدون له هو العمل في شركة أمنية خاصة في الإمارات.
رحلة السفر للإمارات، لكنها ليست المحطة الأخيرة
يقول الشاب محمود أحمد عبده، أحد الناجين من "الارتزاق" في ليبيا، إن نحو 400 شاب سوداني تعاقدوا في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 مع وكالة "أماندا" للسفر والسياحة بالعاصمة الخرطوم، لإرسالهم للعمل في شركة أمن في الإمارات.
إلا أنه ما إن وصل إلى الإمارات وجد أنه سيسافر منها إلى ليبيا، لذلك قرر العودة للسودان. إذ أكد في حديث هاتفي مع "الأناضول" أن وكالة السفريات حصلت من كل شاب على 15 ألف جنيه سوداني (نحو 335 دولاراً) رسوم إجراءات، لكن اتضح لاحقاً بعد وصولهم إلى أبوظبي أن الإجراءات مجانية.
فيما أردف أن المجموعة غادرت إلى الإمارات على دفعات عبر مطار الخرطوم، وهناك تم ترحيل الشباب على الفور إلى معسكر "غياثي" التابع للقوات المسلحة الإماراتية جنوبي العاصمة أبوظبي، وكان في استقبالهم ضابط سوداني برتبة رائد، يُدعى الرشيد التيجاني دفع الله.
تدريب مفاجئ في معسكر على "كلاشنيكوف وآر بي جي وهاون"
يوضح عبده أن هناك بصورة مفاجئة تم توزيع الشباب على 12 دفعة، غير أنهم بدأوا في السؤال عن سبب وجودهم في معسكر تدريبي يتبع الجيش الإماراتي، رغم تعاقدهم مع شركة "بلاك شيلد" للخدمات الأمنية، لكن الضابط السوداني أبلغهم بأن التدريب سيكون لفترة مؤقتة.
فيما أشار إلى أن ضابطاً إماراتياً برتبة نقيب يُدعى الظاهر أخبرهم أن التدريب سيستمر لمدة 10 أسابيع فقط، وعند سؤاله عن أسباب التدريب، برر الأمر بأنه برنامج تدريبي خاص بالشركة الأمنية.
لكن الشاب السوداني لفت إلى أن عملية التدريب تختلف تماماً عن أنواع التدريبات المتعلقة بالشركات الأمنية التي تعمل في حراسة المنشآت الحيوية. وكشف عن إخضاعهم إلى تدريب على الأسلحة، من طراز "كلاشنيكوف، وآر بي جي، والهاون"، إلى جانب قنابل مختلفة.
كما أوضح أن عملية التدريب انتهت بإطلاق النار في ميادين الرماية، لكن مدربين آخرين يحملون الجنسيات التونسية والأردنية والإماراتية أصروا على ضرورة زيادة الفترة التدريبية إلى أسبوعين آخرين، بحجة أن التدريب لـ10 أسابيع ليس كافياً.
الشركة فاجأتهم أن العمل في "مهمة خارجية" دون تفاصيل
يوضح عبده أنه بعد انتهاء فترة التدريب التقى الشباب بنائب مدير الشركة الأمنية (بلاك شيلد)، وتابع: "اتضح لنا أنه ضابط برتبة لواء تابع للجيش الإماراتي، وبدأ يتحدث عن بسالة السودانيين وحماسهم". وأضاف أن اللواء الإماراتي أبلغ الشباب بأن الشركة تحتاج إليهم في مهمة خارجية، وعند سؤاله عن طبيعة المهمة الخارجية، قال لهم بلغة حاسمة: "ليس من حقكم السؤال".
غير أن الشباب سألوه مرة أخرى: هل المهمة الخارجية في اليمن؟ فأجاب: "لا"، فكرروا السؤال، هل المهمة الخارجية في ليبيا؟ لكنه تهرب عن الجواب، بحسب عبده.
الشباب رفضوا الزج بهم في الحرب
112 شاباً على الأقل من المجموعة رفضوا بشكل قاطع الذهاب في المهمة الخارجية مهما كانت، لكن آخرين وافقوا على الذهاب، واستكشاف المسألة على أرض الواقع.
إذ لفت عبده إلى أن الشباب الذين غادروا في المهمة الخارجية سألوا قائد الطائرة عن الوجهة، فأخبرهم بأنهم في طريقهم إلى جنوب إفريقيا، لكن اتضح لهم لاحقا أنهم في ليبيا، وتحديداً في مدينة "راس لانوف" في معسكرات خليفة حفتر.
فيما أشار إلى أن المجموعة التي ذهبت إلى ليبيا قررت العودة بالتزامن مع انتشار أخبار الزج بشباب سودانيين عبر الإمارات في الحرب بليبيا عن طريق خدمة شركة الأمن، والتي خرجت تظاهرات رافضة لها أمام مقر وزارة الخارجية بالعاصمة الخرطوم، ما استدعى تدخلاً رسمياً من السلطات السودانية.
إذ نشر نشطاء عبر الشبكات الاجتماعية صوراً لسودانيين وهم يستعدون لمغادرة مدينة "راس لانوف" في ليبيا، على متن طائرة تحمل 275 سودانياً في طريق عودتهم إلى العاصمة الخرطوم، بعد زيادة حدة الاحتجاجات على إرسالهم.
"رأس لانوف" مدينة سكنية صناعية شمالي ليبيا، تعد مقرا لمصفاة "راس لانوف" النفطية، وتضم ميناء ومطاراً نفطيين، وتخضع لسيطرة ميليشيات خليفة حفتر.
السودان يتدخل، والشركة تبرر
لاحقاً، كشف المتحدث باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، عقب اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة عبدالله حمدوك، عن تكوين غرفة عمليات ضمت ممثلين للجهات ذات الصلة بهذه القضية. وقال صالح إن المتعاقدين (دون تحديد عددهم) مع شركة "بلاك شيلد" الإماراتية تم تخييرهم بين عقد عمل كحراس أمن في الداخل وآخر للعمل في مناطق بترولية خارج الإمارات.
بينما قالت شركة "بلاك شيلد" الإماراتية، في بيان، إنها شركة حراسات أمنية خاصة، وتنفي كافة الادعاءات المتعلقة بخداع العاملين لديها بخصوص طبيعة العمل أو نظامه أو موقعه أو العاملين لديها.
تقارير سابقة عن تمويل الإمارات لمرتزقة
في 25 ديسمبر/كانون الأول 2019، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً عن "تورط" أبوظبي في تمويل نقل مرتزقة للقتال في ليبيا إلى جانب ميليشيات حفتر التي تدعمها الإمارات بالسلاح والمرتزقة منذ 4 أبريل/نيسان 2019، وتشن هجوماً متعثراً للسيطرة على العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الليبية، وقد أجهض هذا الهجوم جهوداً كانت تبذلها الأمم المتحدة لعقد مؤتمر حوار بين الليبيين، ضمن خريطة طريق أممية لمعالجة النزاع الليبي.