مع تراجع نفوذها في العراق بشكل كبير، بدأت الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة الترويج لخطة إنشاء منطقة حكم ذاتي سُنيّة في غرب العراق، حسبما ذكر مسؤولون من البلدين لموقع Middle East Eye البريطاني، الذين أكدوا أن هذه الجهود تأتي رداً على محاولات الأحزاب العراقية الشيعية طرد القوات الأمريكية من بلادهم، التي تعتبر جسراً بريّاً استراتيجياً مهماً بين إيران وحلفائها في سوريا ولبنان وفلسطين.
كيف تستفيد أمريكا من الوجود السني؟ إنشاء منطقة سُنيّة تسيطر عليها الولايات المتحدة في غرب العراق سوف يحرم إيران من استخدام الطرق البريّة للوصول إلى سوريا ويمنعها من الوصول للسواحل الشرقية للبحر المتوسط.
فكرة قبل 13 عاماً: بالنسبة لواشنطن، ترجع فكرة إنشاء إقليم سنّي مستقل إلى مقترح قدّمه جو بايدن عام 2007، الذي يتنافس الآن على بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن معارضة تقسيم العراق على أُسس طائفية وعرقية وإصرار الأمريكيين على إبقاء البلاد موحدة أجّل محاولات تنفيذ هذا المقترح.
والآن، أعادت جهود طرد القوات الأمريكية من العراق إحياء هذا المقترح، وأصبح إنشاء إقليم سُنّي غرب العراق أحد الخيارات التي تفكر فيها واشنطن لمواجهة الضغط الإيراني، حسبما قال مسؤول شيعي لموقع MEE: "إذا وصل الأمريكيون إلى طريق مسدود فيما يتعلق بوجود قواتهم في العراق، سوف يعملون بقوة على تنفيذ ذلك المشروع".
قطع الطرق على إيران: قال مسؤول أمريكي سابق على دراية بالمشروع إن الأمريكيين يعملون على "إخراج المشروع من الأدراج ووضعه على طاولة المحادثات من أجل التنفيذ"، وأضاف: "لطالما كان إنشاء إقليم سُنّي خياراً مطروحاً بالنسبة للولايات المتحدة. لا يمكن السماح للإيرانيين بالوصول إلى سواحل البحر المتوسط أو الاستفادة من الممر البري الذي يربطهم بحزب الله في لبنان".
لكنه تحدث أن المشروع أمريكي وليس سُنّياً، وتابع: "وجود القوات الأمريكية في العراق هو الضمانة بالنسبة للسنيين والأكراد، لذا إذا اضطرت الولايات المتحدة إلى مغادرة العراق، سوف تلجأ إلى إنشاء إقليم سني في غرب العراق لتقويض وتطويق إيران وحلفائها في الشرق الأوسط". وقال: "نتحدث هنا عن تأسيس دولة، وليس عن تقسيم إداري".
صدمة في الأوساط الشيعية: أرسل اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، المسؤول عن العمليات الإيرانية الميدانية في الشرق الأوسط، وأبو مهدي المهندس، نائب قوات الحشد الشعبي الشيعية في العراق، ومؤسس معظم الفصائل الشيعية المسلحة والذي كان يُعتبر "الأب الروحي" للمقاتلين، موجات من الصدمة في الأوساط الشيعية في العراق.
ضغط عن طريق البرلمان: لذلك ضغط حلفاؤهم عبر البرلمان للتصويت من أجل إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق بعد 17 عاماً من وجوده في البلاد، وبالرغم من أن تصويت البرلمان العراقي في الخامس من يناير/كانون الثاني 2020 ليس ملزماً للقوات الأمريكية، ولكنه يرسل رسالة قوية.
تعتقد الصحيفة البريطانية أن غياب نوّاب البرلمان السنيين والأكراد أبرز العلاقة الهشّة بين القادة السنيين وحلفائهم الشيعة المدعومين من إيران، مؤكدةً أن معظم أعضاء البرلمان الغائبين غادروا بغداد متوجهين إما إلى أربيل شمال العراق أو العاصمة الأردنية عمان خوفاً من الانتقام الشيعي، لذلك دفعتهم التطورات الأخيرة في العراق إلى البحث عن خيارات أخرى، أبرزها إقليم سُنّي يتمتع بالحكم الذاتي، كما قال مشرّعون سنيّون لموقع MEE.
اجتماع أمريكي هام: عقب 24 ساعة من الاستهداف الإيراني لقاعدتين عسكريتين عراقيتين تستضيفان قواتٍ أمريكية، يوم 8 يناير/كانون الثاني 2020، توجّه مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شيكنر إلى أربيل، دون المرور ببغداد، للاجتماع مع الحلفاء الأمريكيين الرئيسيين ومسعود برزاني الرئيس السابق لإقليم كردستان في العراق، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الأكراد الآخرين.
لم تذكر التصريحات اللاحقة للولايات المتحدة أي شيء عن اجتماعات عقدتها مع القادة السنيين في أربيل، لكن العديد من المصادر للصحيفة البريطانية أكدت لقاء مساعد وزير الخارجية وستيفن فاغن، القنصل الأمريكي في أربيل، مع عدد من السياسيين السنيين "لمناقشة تبعات قرار البرلمان العراقي، والتهديدات التي تواجه المجتمع السُنّي وخياراتهم لمواجهتها".
باليوم نفسه، سافر شيكنر إلى الإمارات. وهناك، قال لاحقاً، إنه التقى "بالصدفة" برئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي. وقد عقد الحلبوسي سلسلة من اللقاءات في الإمارات يومي التاسع والعاشر من يناير/كانون الثاني 2020، مع العديد من القادة السنيين البارزين بعد هذا اللقاء.
من أين جاءت الفكرة؟ قال أحد المشرّعين الذين شاركوا في الاجتماعات الإماراتية لموقع MME: "جاءت فكرة إنشاء إقليم سُنّي مستقل بمثابة رد فعل على محاولات القوات الشيعية اتخاذ قرارات مهمة وحساسة دون موافقة المجتمع السُنّي"، مشيراً إلى أن الدافع إداري وليس طائفياً، إذ قال: "المطالبة بإقليم مستقل بنا لا تنبع من إحساس طائفي، ولكن لأسباب إدارية تتعلق بتطوير مقاطعاتنا". وأضاف: "لقد وافق الحاضرون على الفكرة وقالوا إنهم سوف يعرضونها على شعبنا في الوقت المناسب".
وسط نفي رسمي: لكن الحلبوسي، الذي يعد الآن أقوى حليف سني في تحالف البناء المدعوم من إيران، والذي وصل إلى منصبه بفضل هذا الدعم، نفى مناقشة هذا المخطط من الأساس، ناهيك عن الموافقة والاتفاق عليه.
مع ذلك، قال عدد من القادة في تحالف الحلبوسي إنهم يتعرضون للضغط من شركائهم السياسيين لمتابعة هذا المشروع، مع تقديم الكثير من المُغريات لهم، إذ قال عبدالله الخربيط، المُشرّع السني البارز والحليف المُقرّب للحلبوسي: "هناك محادثات مستمرة بشأن هذا الموضوع بلا انقطاع وتزداد وتيرتها بمرور الوقت".
متحدثاً عن لا مركزية الحكم، إذ قال: "عندما نقول إننا نريد تطبيق "اللامركزية" في العراق، فهذا الأمر يمكن مناقشته. ولكن الفيدرالية والكونفدرالية ليستا مقبولتين لنا، لأن ذلك يعني تقسيم العراق". فيما قال قياديون ومسؤولون سنيّون وشيعة إن دول الخليج العربية الحليفة للولايات المتحدة، بقيادة السعودية والإمارات، تدعم وتموّل هذا المشروع.