كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية نبهت نظيرتها البريطانية إلى أن من الضروري مراقبة خديجة جنكيز، خطيبة الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، بعد أن علمت أن السعودية كانت تخطط لإبقاء جنكيز تحت المراقبة في بريطانيا عام 2019.
الصحيفة أوضحت نقلاً عن مصادر استخباراتية غربية، الجمعة 24 يناير/كانون الثاني 2020، أن الولايات المتحدة تعتقد أن السعودية كانت "تنوي وتطمح إلى" مراقبة خديجة بلندن في شهر مايو/أيار الماضي، بعد سبعة أشهر من مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث ذهب لاستخراج الأوراق اللازمة للزواج.
كما أشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه لا يتضح ما إذا كانت مراقبة خديجة خُطط لأن تكون إلكترونية أو بتتبُّعها شخصياً، أو ما إذا كانت كُللت بالنجاح. لكن اكتشاف الأجهزة الاستخباراتية استهداف خديجة بتلك الطريقة، واستعداد السعودية لفعل ذلك في بريطانيا بعد فترة وجيزة من الاحتجاج على مقتل خاشقجي، سوف يدق ناقوس الخطر في المجتمع الدبلوماسي.
يتطابق ذلك مع ما أوردته صحيفة "واشنطن بوست" الشهر الماضي، من أنباء عن رفض الخارجية الأمريكية برنامجاً أعدَّته شركة "دينكورب" العسكرية الخاصة لتدريب عناصر رئاسة الاستخبارات العامة السعودية، وذلك على وجه الخصوص، بسبب المخاوف التي أثارتها لدى واشنطن تقارير عن رقابة المملكة على خطيبة خاشقجي، وهي تحمل الجنسية التركية، وأحد أنجاله في لندن الصيف الماضي.
رفضت الخارجية الأمريكية وسفارة السعودية في واشنطن وجنكيز التعليق على الموضوع للصحيفة.
يأتي ذلك بعد أيام من نشر الأمم المتحدة تقريراً يرجح أن هاتف الملياردير الأمريكي ومالك "واشنطن بوست"، جيف بيزوس، تعرض للاختراق في عام 2018، إثر تلقِّيه رسالة في تطبيق "واتساب" من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتنفي الرياض بشدةٍ تورطها في الموضوع.
تتبُّع وتخويف منتقدي المملكة
يُسلط ذلك الضوءَ أيضاً على مخاوف نشطاء حقوق الإنسان، الذين لطالما قالوا إن السلطات السعودية تستخدم الرقابة لتتبُّع وتخويف منتقدي المملكة ومعارضيها.
إذ قالت هالة الدوسري، الناشطة السعودية التي تدرس في معهد ماساتشوستس للتقنية: "تحاول السعودية إخفاء كل شيء يتعلق بمقتل خاشقجي، لذا فمحاولتهم التأكد من أن يظل صوت خديجة وحركاتها محدودَين أمر مفهوم، تستمر كل السلوكيات غير القانونية (من المملكة)، لم يتغير أي شيء".
تُعتبر خديجة، تركية الجنسية، من أبرز المطالبين بتحقيق العدالة في قضية خاشقجي، الذي قُتل في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وقال مسؤولو الاستخبارات الأمريكية إنهم واثقون، بدرجة متوسطة إلى عالية بأن محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، هو مَن أمر بقتل خاشقجي. بينما نفت السعودية تورط ولي العهد شخصياً في هذا الأمر.
مؤشرات سابقة
يأتي كشف صحيفة The Guardian عن جهود السلطات الأمريكية والبريطانية لضمان سلامة وأمن خديجة، في أعقاب مقال رأي لديفيد إغناتيوس، الكاتب بصحيفة The Washington Post، عن رفض وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً اقتراحاً قدمته شركة الدفاع الأمريكية "DynCorp"، لتدريب الاستخبارات السعودية، لأن المملكة ليست لديها "ضمانات مناسبة لمنع العمليات السرية غير القانونية" مثل مقتل خاشقجي.
كما أورد المقال أن الحكومة الأمريكية لديها مخاوف من أمْرين: أولهما، أن سعود القحطاني، وهو مستشار مقرّب من وليّ العهد عوقب بسبب دوره في الترتيب لجريمة قتل خاشقجي، لا يزال يعمل في الخفاء، وثانيهما، هناك "تقارير" تفيد بأن خديجة وأحد أبناء خاشقجي كانا "تحت المراقبة السعودية في لندن منذ الصيف الماضي".
قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "ليس لدينا تعليق على هذا الأمر".
يُلزم القانون وكالة الاستخبارات الأمريكية بتحذير الأفراد في حال علمهم أنهم مهدَّدون بالقتل أو الاختطاف أو أي إيذاء جسدي خطير، وفقاً لأمر توجيهي عام 2015 معروف بـ "واجب التحذير".
يشير الكشف عن محاولة مراقبة خديجة إلى أنه بعيداً عن كبح جماح الحملة السعودية لإسكات منتقدي المملكة في الداخل والخارج، تعزز الحكومة السعودية ما وصفه مسؤول سابق في إدارة أوباما بأنه "موقف" الدولة لمراقبة المنتقدين والمعارضين.
قال أندرو ميلر، الخبير بشؤون الشرق الأوسط الذي عمل بمجلس الأمن القومي في إدارة باراك أوباما: "(السعوديون) يستخدمون أساليب متنوعة باعتبارها أمراً مفروغاً منه. إنها سياسة الدولة، الأمر الآخر هو أن تداعيات مقتل خاشقجي من الواضح أنها لم تغيّر شيئاً جوهرياً في موقف الدولة السعودية. لحسن الحظ، لم يُختطف أو يُقتل شخص آخر، لكنهم لا يزالون يسعون لجمع المعلومات عن معارضيهم".