تقارير استخباراتية أمريكية: خطر اقتصادي يحدق بإيران والبلاد أقرب إلى كارثة مالية

قال مسؤولون أمريكيون، وفقاً لمعلومات استخباراتية، إن الموارد المالية لطهران في حالة أسوأ مما كان يُعتقد سابقاً، وإنها تجعل البلاد أقرب إلى كارثة مالية.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/12/03 الساعة 20:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/03 الساعة 20:58 بتوقيت غرينتش
من مخلفات الاحتجاجات الأخيرة ضد الأوضاع الاقتصادية في إيران/ رويترز

قال مسؤولون أمريكيون، وفقاً لمعلومات استخباراتية، إن الموارد المالية لطهران في حالة أسوأ مما كان يُعتقد سابقاً، وإنها تجعل البلاد أقرب إلى كارثة مالية. وهو ما يفسر إلى حد ما الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة التي شهدتها البلاد، التي يعاني اقتصادها من وضع صعب.

صحيفة Wall Street Journal الأمريكية قالت إن جهود إيران للتهرب من العقوبات المفروضة عليها تعادل بعض الخسائر الناجمة عن تراجع صادرات النفط بسبب ضغط العقوبات الأمريكية الدولية. 

الوضع الاقتصادي لإيران يحيطه الغموض

لكن وفقاً لتقييم استخباراتي مالي جديد للولايات المتحدة، فإنّ الحكومة تستغل في تلك الجهود أسوأ مصادرها التي يمكن استخدامها، ألا وهي احتياطيات النقد الأجنبي، وهي مؤشر حيوي على قدرة البلد على السيطرة على القوى الاقتصادية وعلى استيراد المعدات والإمدادات.

يقول المسؤولون الأمريكيون إن هذا العجز، مصحوباً بانخفاض النفط وزيادة العجز التجاري، يضع إيران في موضع إكراه اقتصادي أكبر من ذلك الذي كانت فيه عام 2013، عندما مُورست ضغوط على حكومة حسن روحاني لبدء المفاوضات النووية رسمياً مع القوى العالمية. 

إن الوضع الاقتصادي لإيران يحيطه الغموض، إذ لا تعتبر المؤشرات الاقتصادية التي تعلنها البلد دائماً موثوقة أو شفافة، وتشير المعلومات الاستخباراتية من حلفاء الولايات المتحدة إلى أن الحكومة الإيرانية ربما لديها أموال كافية من مصادر دخل غير رسمية للتخفيف من هذا العجز. 

والأمريكيون يتحدثون عن حلّين أمام إيران!

مع ذلك، تشير الاضطرابات في إيران، التي أجَّجها الارتفاع الحادّ في أسعار الوقود إلى أنّ شعوراً بالاستياء من مواطنين أنهكتهم العقوبات المتزايدة الصرامة. تبرز الاحتجاجات المهمة الصعبة التي تواجهها الحكومة: إنها تحاول تقليل الطلب على الوقود في الداخل لكي تتمكن من توليد إيرادات جديدة عن طريق بيع وقود أكثر في الخارج عبر قنوات سرية.

قال مسؤولون وخبراء أمريكيون إن التقييم الأمريكي الجديد يرجح أن إيران تقترب من نقطة حيث سيكون أمامها خياران، إما العودة إلى المفاوضات أو شنّ هجمات مفاجئة جديدة على حلفاء الولايات المتحدة والإمدادات العالمية للطاقة. 

الاحتجاجات تسببت في عشرات القتلى وتخريب الممتلكات العامة/ رويترز
الاحتجاجات تسببت في عشرات القتلى وتخريب الممتلكات العامة/ رويترز

قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية في إشارة إلى الهجمات الأخيرة التي تشمل هجمات على إمدادات للطاقة ونشر صواريخ موجّهة بدقة في لبنان وسوريا: "هم في حالة من العدائية المضطربة". تنكر إيران شنّها أي هجمات على ناقلات النفط والبنية التحتية النفطية في السعودية. 

تمثل احتياطيات النقد الأجنبي المقياس الرئيسي في التقييم الأمريكي، وهي الاحتياطيات النقدية الطارئة التي تستخدمها البلدان لدفع ديون التجارة، وحماية العملة من الهبوط وتجنّب حدوث عدم استقرار مالي. يقدر صندوق النقد الدولي احتياطيات النقد حالياً لدى إيران بحوالي 86 مليار دولار، أو أنها أقل بـ20% عن مستواها في عام 2013، حين أجبر ضغط مالي من أنحاء العالم إيران على التفاوض على برنامجها النووي. 

لكنَّ مع ذلك فالوضع لا يزال أكثر تحدياً على الأرجح

قال براين هوك، المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران، التقييم السري يشير إلى أنَّ طهران قادرة على الوصول إلى 10% فقط من احتياطيات النقد هذه، إذ تمنع العقوبات المفروضة على القطاع المالي الحكومة من استغلالها.

أضاف هوك لصحيفة Wall Street Journal: "إذا كانت إيران ستمنع الأسعار من الارتفاع أكثر، حينها سيكون عليها استخدام احتياطيات (نقدية) أكثر"، مضيفاً: "في ظل العقوبات الحالية على كل الصادرات الأكثر إدراراً للدخل، فإن هذا الوضع ببساطة ليس وضعاً مستداماً بالنسبة للنظام".

حتى وإن كانت إيران قادرة على الوصول إلى كل احتياطاتها النقدية الواردة في تقديرات صندوق النقد الدولي، يقدر الصندوق أن إيران ستستخدم 20% أخرى منها العام المقبل، للحفاظ على استقرار أسعار الصرف وللسيطرة على التضخم، الذي ارتفع هذا العام قليلاً عن العام 2013، بوصوله إلى 36%. وإذا أقدمت طهران على هذا الأمر فإن ذلك سيترك البنك المركزي مع احتياطيات نقدية لا تكفي لتغطية واردات عام، بحسب توقعات الصندوق.

قال مارك دوبويتز، المدير التنفيذي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة بحثية دفعت لفرض عقوبات أكثر صرامة على طهران: "إذا كانت الاحتياطيات (النقدية) تنفد بمعدل خطير لدى إيران، فمن شأن ذلك أن يسبب أزمة في ميزان المدفوعات وزيادة انهيار العملة وتضخم مفرط أكبر وتسريح جماعي (من الوظائف)، إذ لن تكون قادرة على شراء المعدات والتكنولوجيا التي تحتاجها لتدير عجلة الاقتصاد". 

لم يرد ممثلو إيران لدى صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة على طلبات للتعليق على التقييمات الأخيرة من الولايات المتحدة.

لكن ماذا عن سوء الإدارة والفساد؟

يقول المسؤولون الأمريكيون إن سوء الإدارة والفساد هما المُلامان على المشكلات الاقتصادية في إيران، لكن تلك المشكلات تفاقمت مع تراجع صادرات النفط والتجارة. 

إذ أدى انخفاض صادرات النفط بنسبة 70% بسبب الضغط الناجم عن العقوبات الأمريكية إلى تراجع مبيعات الخام الإيراني إلى ما يقدر بنحو 500 ألف برميل يومياً، وهو معدل أقل من نصف مستوى المبيعات في عام 2013 البالغ 1.1 مليون برميل يومياً. على الرغم من أن جميع صادرات إيران الرئيسية تخضع للعقوبات، كان فرضها أكثر صرامة على النفط الخام.

تعاني إيران من عجز تجاري متزايد، تسببه إلى حدٍّ كبير القيود على قطاع النفط، يصل إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي. وفي عام 2013، وقبل بداية المفاوضات مع الولايات المتحدة والقوى العالمية، كان لدى إيران فائض في الميزان التجاري قدره 7% من إجمالي الناتج المحلي.

أسوأ انكماش اقتصادي منذ 3 عقود

يحدث هذا كله فيما يصارع البلد أسوأ انكماش اقتصادي في أكثر من ثلاثة عقود، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي. 

عادة ما تغطي الدول أي عجز تجاري باقتراض المال، أو إذا كانت يائسة، باستغلال احتياطياتها من العملة الأجنبية، لكن إيران، المُستبعدة من الأسواق المالية الأمريكية والتي تكافح للوصول إلى النظام المصرفي لأوروبا، لديها قدرة محدودة على الاقتراض، وتعتمد على القدر المتضائل لديها من الاحتياطيات والنقود التي تجنيها من المبيعات السرية للسلع للخارج. 

قد يؤدي فقدان قدرتها على الاقتراض أو استغلال مواردها إلى أزمة تتطلب تدخلاً دولياً، مثلما حدث في اليونان في عام 2010. 

لم يحدد هوك مبعوث الولايات المتحدة ما اعتمد عليه التقييم الأمريكي لوضع إيران. وأيضاً فأرقام صندوق النقد الدولي بشأن احتياطيات النقد الأجنبي هي مزيج من الأرقام الرسمية لإيران والتقديرات المالية، دون تفاصيل بشأن حجم الأموال التي يمكن الوصول إليها بالفعل من هذه الاحتياطيات.

الزيادات في أسعار الوقود أججت احتجاجات الإيرانيين/ رويترز
الزيادات في أسعار الوقود أججت احتجاجات الإيرانيين/ رويترز

بالفعل فقد ساعد عقدان من الالتفاف على العقوبات السابقة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة طهران على إتقان بعض الطرق لإبقاء عجلة الاقتصاد دائرة، مثل تهريب النفط وتكتيكات أخرى.  

يقول مسؤولو الاستخبارات الغربية إنّ إيران كانت قادرة أيضاً على الانتفاع على نحوٍ فعال من المعارضة الموجودة في كثير من البلدان لسياسة واشنطن إزاء إيران، بما في ذلك بعض الحلفاء الأوروبيين.  يقول المسؤولون إن التجاهل المتعمد لخرق العقوبات يعني أن طهران قادرة على الحفاظ على تدفق النقد والبضائع. ولم يضع الأوروبيون بعد التسهيلات المعنية بتجنب العقوبات الأمريكية، لأنهم يعتقدون أن العقوبات هي سياسة سيئة.

والمبيعات غير النفطية لإيران هي شريان حياة آخر رئيسي. فقد ارتفعت إيراداتها من الصادرات غير النفطية لإيران إلى 10 مليارات دولار في الشهور الثلاثة السابقة لـ21  يوليو/تموز، بزيادة قدرها 6% مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي، وفقاً لمصلحة الجمارك الإيرانية. 

ما جعلها تنتهج سياسات تقشفية أثقلت كاهل المواطن

قرَّرت إيران مؤخراً تخفيض الدعم الذي تقدّمه على أسعار البنزين بالنسبة للإيرانيين، تماشياً مع النهج الاقتصادي الجديد. تهدف هذه الخطوة إلى تخفيض الاستهلاك في الداخل، ما يزيد من  البنزين المتاح للتصدير للخارج، وإلى تقليل عجز الموازنة لتجنب استغلال الاحتياطات النقدية الآخذة في التناقص. لكن هذه الخطوة أثارت احتجاجات جماعية من المواطنين الإيرانيين الذين نفد صبرهم بالفعل.

قال حميد حسيني، مدير عام غرفة التجارة الإيرانية-العراقية المشتركة، إن انخفض الطلب المحلي قد يزيد صادرات البنزين الإيرانية بنحو 190 ألف برميل يومياً، مما يولد إيرادات سنوية إضافية تصل إلى 5 مليارات دولار. وأضاف أن معظم هذه الإمدادات ستذهب على الأرجح إلى العراق وأفغانستان، اللذين يشتريان فعلياً المنتجات المكررة لإيران. 

لكن هوك متشكك من أن التملص من العقوبات الأمريكية ومبيعات المواد غير النفطية من شأنهما التغلب على العقوبات الأمريكية. 

وقال: "لا يمكن التغلب على الأثر العميق للعقوبات الأمريكية عن طريق التهريب"، مضيفاً: "المنفعة الاقتصادية الهامشية لا يمكنها تخفيف الضغط على الاقتصاد الإيراني أو ميزانية النظام".

تحميل المزيد