قال مسؤولون إن الولايات المتحدة تُجري مفاوضات مع المملكة العربية السعودية، حول شروط تقاسم التكاليف الخاصة بمهمة عسكرية موسعة، ترمي إلى ضمان حماية المملكة من أي هجمات أخرى على منشآت البنية التحتية النفطية ذات الأهمية الحساسة.
صحيفة The Washington Post، قالت الأربعاء 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، إن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، مارك ميلي، أجرى مناقشات مع مسؤولين سعوديين هذا الأسبوع، تتعلق بنشر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لمنظومة رادار ودفاعٍ جوي جديدة إلى جانب أنظمة دفاعية أخرى في المملكة.
سبق لميلي أن التقى بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وقيادات أخرى، في إطار المباحثات بين الدولتين اللتين تصف علاقتهما بالقوية.
ترامب يدعم زيادة الوجود الأمريكي بالمملكة
وكان ترامب أقرّ تعزيزاً للتواجد الأمريكي الضئيل نسبياً في المملكة، من مهمة استشارية قوامها نحو 800، إلى قوة قوامها نحو 3000 فرد، وذلك في أعقاب هجوم وقع في 14 سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت نفط سعودية، والتي قال مسؤولون سعوديون وأمريكيون إن إيران من شنتها.
يُفترض أن تتولى تلك القوات تشغيل منظومات إضافية مصمّمة لمساعدة الحرس الوطني السعودي في مكافحة الهجمات الإيرانية، ويشمل ذلك أربع بطاريات من طراز باتريوت، ومنظومة دفاع جوي صاروخي من طراز "ثاد"، وسربين من الطائرات المقاتلة.
وظلت التكاليف المالية لعملية نشر القوات الأمريكي قد جرى إخفائها على نحوٍ غير معتاد، بعد أن تعهد ترامب، بأن المملكة الغنية هي من ستدفع "100 % من التكلفة".
مسؤولون عسكريون تحدثوا للصحيفة الأمريكية – شريطة عدم الكشف عن هوياتهم – قالوا إن البلدين يتفاوضان على ترتيبات "تقاسم الأعباء"، إلا أنه من المتوقع أن تقدم المملكة الدعم المالي اللازم لبعض أركان الوجود العسكري الأمريكي المعتزم توسيعه في البلاد، والذي يشمل ترقيات تصل إلى إنشاء قاعدة جوية كبيرة، واللوازم من وقود ومياه وخدمات لوجستية.
يشير المسؤولون إلى أن نشر القوات له غرض مزدوج: أولها سدّ ثغرات في شبكة الدفاع الجوي السعودية، والتي كانت خلال السنوات الأخيرة موجهةً إلى الجنوب نحو تهديدات الحوثيين في اليمن، لا إلى الشرق أو الحدود الشمالية تجاه إيران. وثانياً: منع أي احتمال لأعمال هجومية إيرانية من خلال رفع المخاطر والتكلفة.
لماذا تريد أمريكا نشر مزيد من القوات بالسعودية؟
في حديثه إلى مراسلين سافروا معه خلال جولةٍ في دول الشرق الأوسط، قال ميلي إن الأمر المهم كان أن يفهم الخصوم المحتملين صراحةً أن الولايات المتحدة مستعدةٌ لاستخدام القوة إذا لزم الأمر.
وأضاف المسؤول الأمريكي "لذلك نريد الحفاظ على قدرات عسكرية كبيرة داخل المنطقة، لطمأنة الحلفاء وردع إيران عن أي اعتداءات. وما دامت تعرف إيران أننا سنستخدمها، أعتقد أنها ستكون فعالة".
تشكّل القوات الأمريكية المرسلة إلى السعودية جزءاً صغيراً، بالمقارنة مع تواجد إقليمي كلي لها يتجاوز تعداده 60 ألفاً من القوات، لكن مسؤولين يقولون إن عمليات الانتشار الجديدة تعكس تنامي القلق من الهجمات الإيرانية.
ويقول مسؤولون عسكريون إن أحد الجوانب المهمة لنشر تلك القوات هو وجود قوات أمريكية في مزيدٍ من المواقع في أنحاء مختلفة من المملكة، وهم يذهبون إلى أن إيران أحجمت عن استهداف أفراد أمريكيين، مباشرة أو بشكل غير مباشر، جزئياً لأن ترامب أخذ يعلن صراحة بأن أي استهدافٍ سيؤدي إلى ردٍّ عسكري.
مسؤول عسكري كبير، تحدث لصحيفة The Washington Post شريطة عدم الكشف عن هويته، وقال إن "التدويل… يصعّب على إيران القيام بأي اعتداءات، إذ إنها الآن لا تعتدي على دولة [خليجية] فحسب".
يعد التردد والإحجام الإيراني تغييراً عما كان يجري في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، عندما قدّر مسؤولون أمريكيون أن الميليشيات التي تدعمها إيران قتلت نحو 500 جندي أمريكي على الأقل.
أما الآن، فتقول القوات الأمريكية، إن إيران تسعى للرد على العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، والتي أخذت تؤثر بشدة في اقتصادها، وهددت قدرتها على تمويل وكلائها المسلحين في المنطقة.
صعوبات تواجهها السعودية لحماية نفسها
يعكس هذا الانتشار أيضاً مستوى القدرات العسكرية السعودية، والتي ما انفك مسؤولون عسكريون أمريكيون يقولون منذ فترة طويلة إنها عاجزة وتفتقر إلى الكفاءة إلى حد كبير.
ويقول كينيث بولاك، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وكتب مؤخراً كتاباً عن الجيوش في البلدان العربية، إن السعودية "لا تزال تعاني من صعوبات كبيرة على مستويات عسكرية عدة، مثل شنِّ عمليات عسكرية واسعة النطاق".
لكن بولاك يقول إن الهجوم الذي وقع في 14 سبتمبر/أيلول على منشآت النفط السعودية، والذي شمل وابلاً من الصواريخ وهجمات الطائرات المسيّرة، كان من الصعب حتى على الولايات المتحدة التصدي له.
وأضاف: "لو كان الإرهابيون أو الإيرانيون على حدودنا في المكسيك أو كندا، وشنّوا ضدنا هذا النوع من الهجمات، لواجهنا أوقاتاً عصيبة للغاية".
ويسعى مسؤولو البنتاغون للرد على تهديد محتمل من إيران، في الوقت الذي يأملون أيضاً في إعادة توجيه اشتغالهم العسكري نحو منطقة شرق آسيا واحتواء المكاسب العسكرية السريعة التي حققتها الصين.
والانتشار الأمريكي في السعودية والخطوات الأخرى المتعلقة بتعزيز التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط أمثلةٌ، تشير إلى أنه رغم ما أُجري من إصلاحات مؤخراً على الاستراتيجية العسكرية الوطنية، فإن تخلي الولايات المتحدة عن دورها في المنطقة أو إعادة توجيه تركيزها وقواتها يظل تحدياً كبيراً.
وتقول الصحيفة الأمريكية: "ها هي الولايات المتحدة، في سعي موازٍ لبناء دعم دولي لردع هجمات مثل تلك التي عُدّت إيران مسؤولة عنها مؤخراً، تقود مجموعة من دول شريكة في مبادرة عسكرية جديدة لتأمين الملاحة البحرية، تتخذ من البحرين مقراً لها، وتهدف زيادة المراقبة وإجراءات التأمين عبر مياه الشرق الأوسط التي تعد أساسيةً للتجارة العالمية".