خرج آلاف العراقيين، الجمعة 8 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى الشوارع والساحات العامة في العاصمة بغداد ومدن وبلدات في محافظات وسط وجنوبي البلاد، في استمرار للاحتجاجات المناوئة للحكومة، رغم التشديدات الأمنية، التي تزامنت مع تنديد حقوقي دولي بـ "قمع" المتظاهرين.
تظاهر الآلاف في العراق مع استمرار القمع
وقد انضم آلاف العراقيين بعد انتهاء صلاة الجمعة وحتى ساعات المساء إلى المعتصمين في ساحة التحرير، معقل المحتجين، وسط العاصمة بغداد.
كما شهدت العاصمة العراقية تجمعات أصغر في مناطق متفرقة من بغداد.
وقال خلدون الحمدوني، وهو متظاهر قدم إلى ساحة التحرير من محافظة المثنى (جنوب)، للأناضول: "جئت إلى هنا اليوم مع محتجين آخرين للتضامن مع المعتصمين في ساحة التحرير".
وأضاف، بينما كان يكابد كي لا يذرف الدموع، أن "المشهد هنا في ساحة التحرير مهيب، لا يمكننا أن نعرف إلى أي طائفة أو قومية أو دين ينتمي هذا المتظاهر أو ذاك، فالكل يرفع الأعلام العراقية ويطالب بوطن يعيش فيه بطمأنينة وسلام وحرية".
وتابع الحمدوني بالقول إن العراقيين يكسرون لأول مرة الحواجز الطائفية والدينية وغيرها منذ عقود طويلة، وتجمعهم مطالب واحدة ببناء دولة تحترم الإنسان العراقي وتقدره وتؤمن له حياة كريمة.
وقد استخدمت الشرطة الرصاص الحي لمواجهة التظاهرات
ويتجمع المتظاهرون على الجهة الشرقية من نهر دجلة وتفصل بينهم وبين المنطقة الخضراء، معقل الحكومة ومسؤولي الدولة، عدة جسور كانت مسرحاً لمواجهات عنيفة على مدى الأيام الماضية.
وكانت قوات الأمن تستخدم في الغالب قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت، قبل أن تلجأ مجدداً إلى الرصاص الحي هذا الأسبوع لإبعاد المحتجين من الجسور وخاصة جسري الشهداء والأحرار المجاورين ما أوقع عشرات القتلى والجرحى على مدى الأيام القليلة الماضية، وفق حقوقيين.
كما تكرر استخدام الرصاص الحي لتفريق احتجاجات أخرى في محافظتي البصرة وكربلاء جنوبي البلاد، خلال الأيام الماضية، بحسب شهود عيان.
وجرى استخدام الرصاص الحي على نحو متصاعد بعد صدور أوامر من القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى القوات الأمن بـ"فرض الأمن" واعتقال "المخربين الذين يقطعون الطرقات"، وفق ما أفاد المتحدث العسكري باسم رئيس الحكومة عبد الكريم خلف يوم الخميس.
وأبلغ شهود عيان في محافظة البصرة الأناضول، أن قوات الأمن أطلقت، الجمعة، النار على المتظاهرين في شوارع البصرة لتفريقهم وللحيلولة دون وصولهم إلى وسط المدينة حيث مبنى المحافظة.
وقال نورس الخزرجي، متظاهر في البصرة للأناضول، إن قوات الأمن من الجيش والشرطة باتت تقمع المتظاهرين بشدة وتمنع حتى وصولهم إلى الساحات العامة.
من جانبه، قال الملازم في شرطة البصرة فائق عبد الجبار للأناضول، إن قوات الأمن لا تسمح للمتظاهرين بالاقتراب من مبنى المحافظة حفاظاً عليها.
وأضاف أن المتظاهرين حاولوا على مدى الأيام الماضية اقتحام المبنى وإضرام النيران فيه، كما أنهم يغلقون الطرق ويعيقون سير الحياة في المدينة.
حيث قتل 8 متظاهرين في مدينة البصرة بالرصاص الحي
وتأتي هذه التطورات في البصرة، التي تعد مركز صناعة في العراق، بعد ليلة دامية قتل فيها 8 متظاهرين برصاص قوات الأمن التي أطلقت الرصاص الحي لفض اعتصام للمحتجين أمام مبنى المحافظة، وفق مصادر متطابقة.
كانت السلطات العراقية قد نشرت مزيداً من قوات الجيش والشرطة في البصرة صباح الجمعة، حيث أغلقت تلك القوات أغلب الشوارع الرئيسية.
وبدا المشهد هادئاً إلى حد كبير في محافظات أخرى مثل بابل وذي قار والنجف وميسان التي تشهد تجمعات كبيرة للمحتجين في الساحات العامة.
ومنذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشهد العراق موجات احتجاجية مناهضة للحكومة، هي الثانية من نوعها بعد أخرى سبقتها بنحو أسبوعين.
والمتظاهرون الذين خرجوا في البداية للمطالبة بتحسين الخدمات وتأمين فرص عمل، يصرون الآن على رحيل الحكومة والنخبة السياسية "الفاسدة"، وهو ما يرفضه رئيس الحكومة عادل عبد المهدي الذي يطالب بتقديم بديل قبل تقديم استقالة حكومته.
كما يندد الكثير من المتظاهرين بنفوذ إيران المتزايد في البلاد ودعمها الفصائل المسلحة والأحزاب النافذة التي تتحكم بمقدرات البلد منذ سنوات طويلة.
وقد قتل 23 شخصاً خلال 5 أيام من المظاهرات
ووفق أرقام أصدرتها مفوضية حقوق الإنسان (رسمية تابعة للبرلمان)، الجمعة، فإن 23 شخصاً قتلوا بأعمال العنف التي رافقت الاحتجاجات على مدى خمسة أيام الماضية لترتفع بذلك أعداد القتلى إلى 283 والمصابين إلى نحو 13 ألفاً.
وبالتزامن، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، الحقوقية الدولية، في بيان، قوات الأمن العراقية، بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على رؤوس المتظاهرين مباشرة ما أسفر عن مقتل 16 شخصا، منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.
ولفتت إلى وجود تعتيم حكومي على أعداد الضحايا بالقول: "منذ بدء الاحتجاجات، منع كبار المسؤولين الحكوميين الطواقم الطبية من مشاركة المعلومات حول القتلى والجرحى مع أي مصادر خارج وزارة الصحة، ولم تصدر الوزارة سوى معلومات شحيحة وغير كاملة".