يتَّجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين يوم الإثنين 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ليضمن أنَّ أوروبا لن ينتهي بها الأمر طرفاً خاسراً في الهدنة التجارية الوشيكة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبكين.
وأشارت مجلة Politico الأمريكية إلى ازدياد قلق الزعماء الأوروبيين من أنَّهم سيصبحون مجدداً هدف الهجوم الأول للتعريفات الجمركية التي يفرضها ترامب إذا ما أتمَّت أمريكا صفقة سلامٍ مع الصين في الأسابيع المقبلة.
قال مسؤولٌ من الشانزيليزيه: "لا نريد أن تقع أوروبا ضحيةً غير مباشرة لعقد اتفاقيةٍ تجارية بين الولايات المتحدة والصين. وهذا يحتِّم ضرورة المضي قدماً في المفاوضات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والصين فوراً".
الكل يترقب الاتفاق الصيني – الأمريكي
كان من المُتوقَّع أن يوقِّع الرئيسان الصيني والأمريكي على "المرحلة الأولى" من اتفاقيةٍ تجارية بقمةٍ كان قد تقرَّر انعقادها في تشيلي في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لكنَّ الإطار الزمني للاتفاقية أصبح غير محدَّد بعد إلغاء الحدث المنتظر.
فقد شنَّ ترامب موجةً عاصفة من التعريفات الجمركية على الصين، ليجبرها على قبول عقد صفقةٍ مع الولايات المتحدة، ويتمثَّل الخوف الأكبر الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي في أن يفتح ترامب النار على الاتحاد تالياً في قطاعاتٍ مثل تجارة السيارات الأوروبية، ليُجبر بروكسل على تقديم تنازلاتٍ كما حدث مع الصين.
رأت أوروبا في الإجراءات العدوانية التي اتَّخذها ترامب في سياق حربه التجارية ضدَّ الصين فرصةً لتوسيع التعاون بينها وبين الصين. وعلى سبيل المثال، رأت أوروبا في الصين حليفاً محتملاً في صدِّ هجوم الرئيس الأمريكي الشامل على آلية عمل محكمة منظمة التجارة العالمية. كذلك تريد بروكسل أن تدفع قدماً اتفاقياتها الخاصة مع الصين في مجال الاستثمار.
أوروبا خائفة من أن تقع ضحية للاتفاق الأمريكي – الصيني
وقد عبَّر ماكرون عن مخاوفه من صفقةٍ بين واشنطن وبكين، ولمَّح إلى المخاطر التي يحملها مثل هذا الوفاق، في أثناء قمَّة مجموعة الخمسة التي استضافها ماكرون بفرنسا في شهر أغسطس/آب الفائت.
وفي حين رحَّب ماكرون عامةً باتفاقٍ بين الولايات المتحدة والصين، فقد أصرَّ في مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب، في قمة مجموعة السبعة، على أنَّه يجب أخذ مصالح أوروبا في الحسبان. وقال: "سوف نبقى على اطِّلاعٍ، لنتأكد أن يكون الاتفاق في مصلحة العالم، وأنَّ مصالحنا سوف تُؤخذ في الحسبان، وهذا جزءٌ من الحوارات الدائرة في قمَّة مجموعة السبعة".
سوف يكون هذا التخوُّف نقطة التركيز الأساسية لزيارة ماكرون للصين والتي سوف تستمر 48 ساعة. سيدِشِّن الرئيس الفرنسي زيارته الرسمية في معرض الصين الدولي للاستيراد، وهو معرضٌ للتجارة يُقام في شنغهاي، قبل تخصيص يومٍ للمحادثات الثنائية في بكين. كذلك من المتوقَّع أن يفتتح ماكرون فرع شانغهاي لمركز بومبيدو، وهو متحف ومركز معارض باريسي، بالإضافة لعقد مباحثاتٍ مع نظيره الصيني شي جين بينغ حول قضايا ذات صلة بالتغيُّر المناخي والتنوُّع البيولوجي.
ومع ذلك، لاقت الزيارة انتقاداتٍ من البعض في أوروبا
اشتكى دبلوماسيان من الاتحاد الأوروبي من أنَّ معرض شانغهاي ما هو إلَّا دعاية لحشد الدعم الأوروبي في الحرب التجارية ضدَّ الولايات المتحدة. وتساءل أحد الدبلوماسيين عن سبب قرار ماكرون زيارة الصين في الوقت الذي امتنع فيه بقية الزعماء الأوروبيين عن الانحياز إلى أي صفٍّ في الحرب التجارية الأمريكية-الصينية.
لكنَّ مسؤولين فرنسيين يقولون إنَّ التعاون مع الصين هو السبيل الوحيد للمضيّ قدماً. كذلك يقول المسؤولون إنَّهم يقدِّمون أنفسهم كجبهةٍ أوروبية متحدة بإشراكهم المفوض الأوروبي للتجارة فيل هوغان، والوزيرة الألمانية للتعليم والبحث العلمي أنيا كارليشك ممثلةً عن المستشارة أنجيلا ميركل، وكذلك ممثلين عن التجارات الألمانية، في زيارة ماكرون لمعرض شنغهاي.
وقال مسؤولٌ فرنسي: "القصد من هذه الزيارة هو حيث إنَّ المعرض يهدف إلى إبراز مدى انفتاح الصين على السوق الدولية، إذن لنوصِل هذه الفكرة من خلال دخول السوق في مجال الأطعمة المزروعة، وهذا يتمّ بالتقدُّم في اتفاقيتين ذواتَي أولوية قصوى بين الاتحاد الأوروبي والصين، لنوصِل هذه الفكرة من خلال تقديم التزاماتٍ فيما يخصُّ الشفافية، وبالحوار مع منظمة التجارة العالمية".
مهمة الرئيس الفرنسي لن تكون سهلة
وفي الوقت الراهن، تجري مفاوضاتٌ بين الصين والمفوضية الأوروبية حول عقد اتفاقيتين. إذ بالإضافة إلى اتفاقية الاستثمار بين الطرفين، تسعى الصين كذلك لاعتمادها في الاتحاد الأوروبي مصدراً رسمياً لبعض الأطعمة الفاخرة.
وفيما يخص حقوق الإنسان، فهي أرضٌ قد يضطرّ ماكرون إلى الخطو فيها بحذرٍ شديد وهو في الصين. سوف تجري الزيارة في وقتٍ تزداد فيه السلطات في هونغ كونغ قمعاً للمتظاهرين، وتستمر فيه السلطات الصينية في احتجازها -حسب التقارير- أكثر من مليون شخصٍ من أقلية الإيغور الصينية المسلمة وغيرها من الأقليات في إقليم شينجيانغ.
وقال المسؤولون الفرنسيون إنَّهم يخوضون محادثاتٍ "صريحة" عن قضايا حقوق الإنسان مع نظرائهم الصينيين، وهذا برغم أنَّ فرنسا فضَّلت أن تربط نفسها بالتصريحات التي أدلت بها المفوضية الأوروبية، عن الإدلاء بتصريحاتها الخاصة.