يشعر بالذنب ويهاجم السيسي، ثم يقول إنه «طيب».. لماذا خرج علينا وائل غنيم بهذا الشكل؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/11 الساعة 14:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/13 الساعة 07:40 بتوقيت غرينتش

أولاً أود توضيح أنني لم أقابل وائل غنيم أبداً، لكنني استطعت بناء تصوُّر عنه من خلال متابعتي لكتاباته ولقاءاته التلفزيونية ومواقفه المعلنة، وأنني أتصوره شخصاً نظيف السريرة، متسقاً مع ما يقوله، وأنه ليس بخبيث أو مراوغ، وليس بانتهازي ولا كذاب.

كما أنني أتصور أنه يُحمل نفسه مسؤولية جميع الأحداث الدامية في مصر والتي بدأت منذ ثورة يناير ولم تتوقف حتى هذه اللحظة. يُحمل نفسه المسؤولية بصفته الداعي الأول والوحيد للثورة من خلال صفحة "كلنا خالد سعيد" التي كان المسؤول الأول عنها. ظهر هذا في مقابلته مع الإعلامية منى الشاذلي في برنامج الـ10 مساء عندما انهار في البكاء على الهواء واعتذر لأهالي الشهداء ثم غادر الاستوديو.  هذه لقطة بسيطة تكشف العبء النفسي الضخم الذي يحمله وائل على صدره، وهو عبء أكبر من أن يتحمله فرد أو يجلد به ذاته، خاصة إن كان هذا الشخص سليم النفس وليس بانتهازي أو مرتزق.

النقطة الثانية هي أن كل فرد منا لديه طاقة محددة للاستيعاب والصمود وطول البال، لكن عند زيادة الحد عن المقدرة ينفرط العقد وينفجر كل شيء في داخل الشخص وخارجه.  

عندما كنا أطفالاً صغاراً كنا نعبر في التو واللحظة عن أي شيء يضايقنا، كنا نعبر عن رفضنا له بسهولة ويُسر لأننا نرى أن هذا هو الطبيعي. لكن مع مرور الوقت تزداد الحسابات وتتعقد العلاقات وتدخل المصالح في المعادلة مما يضطر المرء منا إلى الكتمان وإخفاء ما بداخل الصدور والإغلاق على الآلام والمشاعر، حتى صار الطبيعي هو الصمت والكتمان مهما بلغ الألم والأذى النفسي من درجات لا يمكن تصورها.

ما يقوم به وائل الآن هو البوح، لكنه بوح مصحوب بألم شديد، لكن التوقيت والتركيز وجميع العوامل الأخرى لا تسعفه في أن يعبر عما بداخله؛ ليظهر كشخص مكبوت متألم يحاول إخراج القصص والمواقف وجميع مسببات الألم المكنون في صدره عبر السنين الماضية لكن دون ترتيب أو سياق واضح يفهم منه الغرض على وجه الدقة.

ما يقوم به وائل هو أنه يروي قصة من هنا وأخرى من هناك، يحكي أي موقف أو فكرة كانت مكبوتة وأتت على خاطره في اللحظة التي يتحدث بها دون الكثير من التفكير.

وائل الآن هو شخص يحاول تجاوز عقدة الذنب المصاحبة له باعتباره من دعا الناس للخروج في يناير، فاستجابوا للدعوة وخرجوا فقُتلوا وسجنوا ومن ثَم تدحرجت البلاد في يد نظام عسكري دموي.

لذلك تراه حانقاً على عبدالفتاح السيسي ويشتمه، لكنه لا يريد أن يهيج الناس ضده حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى. فيعود ويقول له "انت طيب" محاولاً استجداء أي خير داخله حتى ينهي المأساة. وربما هذا هو سبب هجومه على المقاول والممثل محمد علي؛ لأنه يرى فيه محاولة لتهييج الجماهير ربما تدفعهم لتكرار ذات "الغلطة" مرة أخرى وتعيد إنتاج سيناريو 25 يناير بقتلاه وسجنائه وتزداد الأوضاع سوءاً، فهو يحاول تفادي إعادة إنتاج السيناريو القديم.

ربما ترى ذلك صواباً وربما تراه خطأ، لكن هذا لا يهم. فلربما إن كنت مكانه بظروفه النفسية وشخصيته ومشاعره لفكرتَ بنفس الطريقة وقلتَ ذات الخطاب.

البوح في العموم أمر إيجابي ومفيد للحالة النفسية للفرد بغض النظر عن نتيجة ذلك البوح وتأثيره على المستمع له، سواء أسره أم غمه أو الانطباعات التي يكونها المستمع لما يبوح به صدر وائل ولسانه.

ولتذهب أنت وانطباعاتك إلى الجحيم؛ مع اعترافنا بحقك الكامل في البوح بها أيضاً.  

فكل منا بداخله من الألم والمواقف الموجعة من أناس مغرورين ومنافقين ومشوهي السريرة ما يكفي. وهؤلاء ليسوا أناساً افتراضيين بل حقيقيون نأكل معهم ونشرب، يضحكون في وجهنا، وعلامات التدين والثقافة والاحترام والسلامة بادية على وجوههم. لكنهم منافقون، يطعنون المرء في ظهره بالقول والفعل، ويكذبون ويتحرون الكذب عليك لكنهم لا يعلمون أن من حولهم يعلمون كذبهم.

هذا يمكن أن يحدث لأي فرد منا، وأغلبنا يؤثر الصمت في بادئ الأمر، ويعول على أن الطاقة النفسية ستتحمل هذا الضغط، ونسكن نفوسنا بالقول إنها مرحلة مؤقتة وسيتم تجاوزها في القريب العاجل. لكن في لحظة معينة، تنفد طاقتنا ولا يكون هنالك حل سوى الانفجار والبوح والتعبير ومواجهة أولئك الأشخاص المنافقين والمنتفعين.

لقد عشنا طويلاً تحت رحمة انطباعات الناس والمجتمع الذي يجب أن نحافظ عليه، وكان الناس والمجتمع دوماً جزءاً أصيلاً من حساباتنا فيما نعمل أو نقول، حتى تم استنزافنا بالكامل ولم يعد هنالك داعٍ للاستمرار في تلك التمثيلية المملة والمؤذية. ولتذهب انطباعات الناس والمجتمع إلى السعير إن كانت تقف أمام سلامتنا النفسية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد ماهر عقل
مذيع في قناة الجزيرة
مذيع في قناة الجزيرة