"في الماضي كانت الحرب تشن بالسلاح، أما اليوم فعبر وسائل التواصل الاجتماعي"، عبارة قالها مدرب في شركة مصرية أُنشئت للتأثير على الرأي العام في 9 دول بينها بلدان عربية، على رأسها السودان، إلى جانب شركة إماراتية لنفس الغرض، بحسب ما كشفته صحيفة The New York Times.
ونشرت الصحيفة الأمريكية، أمس الجمعة 6 سبتمبر/أيلول 2019، تقريراً كشفت فيه عن دور شركة في مصر تدعى New Waves (الأمواج الجديدة)، وأخرى إماراتية كان لها موقع على الإنترنت باسم Newave، ونظمت الشركتان حملات على مواقع التواصل لدعم المجلس العسكري الذي كان يحكم السودان، قبل تشكيل مجلس السيادة ودخول البلاد في مرحلة انتقالية يتقاسم فيها الجيش والمعارضة السلطة.
وأشارت الصحيفة إلى أن "الشركة المتخصصة في التسويق الرقمي نشطت بقوة بعد أيام من مذبحة فض الاعتصام التي نفذها الجيش السوداني ضد المتظاهرين السلميين في الخرطوم".
تشويه صورة المحتجين
وقالت إن الشركة المصرية "يديرها ضابط مصري سابق، قدّم نفسه كخبير في حروب الإنترنت"، مشيرةً إلى أنه دفع لكل موظف لديه مبلغ 180 دولاراً في الشهر، لنشر رسائل مؤيدة للمجلس العسكري، معتمدين بذلك على أسماء مزيفة على صفحات فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، وتليغرام.
وقيل للموظفين الجُدد في الشركة بعد الإطاحة بالرئيس السوداني السابق، عمر البشير، إن "المحتجين زرعوا الفوضى في السودان، وإن مطالبهم بالديمقراطية خطيرة وسابقة لأوانها"، وقيل لهم أيضاً إنه "لا بد من استعادة النظام".
وقال أحد المدربين للموظفين: "نحن في حالة حرب، والأمن ضعيف، وعلى الجيش أن يحكم".
وأُبلغ الموظفون الجُدد أيضاً بأن العملية التي تستهدف السودان "يقصد منها خلق توازن بين الجيش والمحتجين".
ووصف أحد المدربين ما تقوم به الشركة بأنه "عمل كبير ومهم جداً"، وأشار إلى أهمية مواقع التواصل في التأثير على الرأي العام، حيث قال إنه في السابق كانت الحروب تُشن باستخدام السلاح، لكنها اليوم عبر مواقع التواصل.
وأشار تقرير الصحيفة الأمريكية إلى أن الحملات السرية أصبحت أداة مفضلة للأنظمة القمعية مثل الصين وروسيا، وبيّنت أن هذه الحملات تقوم "بمدح الحكام عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما يقومون بعمله في الشارع".
وأضاف التقرير: "في الشرق الأوسط يتم تنسيق هذه الحملات عبر الحدود من أجل تقوية الحكم الديكتاتوري وإضعاف أي احتجاج شعبي يؤدي إلى ظهور ما يشبه الربيع العربي عام 2011".
استهداف لدول عدة
وليست الجهود المصرية لدعم حكم العسكري في السودان عبر شركة "الأمواج الجديدة"، إلا جزء من عملية أكبر في الشرق الأوسط، واستهدفت أشخاصاً في 9 دول شرق أوسطية، وفي شمال إفريقيا.
وقدمت الشركتان الإماراتية والمصرية دعماً للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، في حربه ضد حكومة الوفاق، كما دعمت الشركتان نشاطات الإمارات في المنطقة، وشنت هجوماً على قطر أيضاً، وفقاً للصحيفة الأمريكية.
ودعمت رسائل الشركتين أيضاً الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وأيدتا استقلال "صومالي لاند"، وهي منطقة مهمة للإمارات في عملية التنافس على العقود في منطقة القرن الإفريقي.
كيف تم اكتشاف نشاط الشركتين؟
كانت بداية الكشف عن نشاط الشركتين في بداية أغسطس/آب الماضي، عندما أعلنت شركة فيسبوك عن إغلاق مئات الحسابات التي تديرها شركة "الأمواج الجديدة" المصرية، وشركة إماراتية.
وعملت الشركتان معاً واستخدمتا المال والخداع والحسابات المزيفة من أجل التأثير على جمهور من 14 مليوناً على فيسبوك، وكذلك للتأثير على الآلاف على إنستغرام.
وفي ردّها قالت شركة فيسبوك إنها "لم تجد أدلةً كافية تربط الشركتين بالحكومتين الإماراتية والمصرية، لكن هناك إشارات إلى مثل هذه الرابط".
ويمتلك الشركة المصرية، وفقاً لـ New York Times، رجل يدعى عمرو حسين، وهو ضابط متقاعد من الجيش المصري عام 2001 ويصف نفسه على صفحته في فيسبوك بأنه باحث في حروب الإنترنت.
وقالت الصحيفة إن حسين من الداعمين الأشداء لحكم الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، وكان قد دعم بشكل علني إجراءات السيسي لوضع قيود على الحرية في الإنترنت.
وتعمل شركته من مشروع يملكه الجيش في شرق القاهرة، وتلقى موظفو الشركة تحذيراً من التحدث مع الناس الغرباء حول عملهم.
وبيّن تقرير الصحيفة أن رسائل الشركة تعكس أهداف السياسة الخارجية لمصر والإمارات والسعودية، أي المحور القوي الذي يمارس تأثيراً قوياً في الشرق الأوسط منذ عام 2011، حيث "يقدّم الدعم للحلفاء الديكتاتوريين ويتدخل في الحروب الإقليمية".
وفي ردّه على الاتهامات الموجهة له، قال الضابط حسين، مالك "نيو ويفز"، إنها "أكاذيب"، كما نفى أن تكون هنالك علاقة له بالإمارات، بحسب زعمه.
عمل في الخفاء
وفي حديثها عن الشركة الإماراتية "نيو إيف"، قالت الصحيفة الأمريكية إن الشركة سُجلت بـ 10 موظفين فيها، وأضافت أن مديرها العام هو محمد حمدان الزعبي، دون أن تكشف عنه مزيداً من التفاصيل.
وكانت فيسبوك قد بدأت بالتحقيق في نشاطات الشركة الإماراتية في أبريل/نيسان الماضي، ضمن جهود الشركة العملاقة للتحقيق في "سلوكيات غير حقيقية" على صفحات فيسبوك.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن فيسبوك، قولها إن "الشركتين المصرية والإماراتية أخفتا عملهما في حملة التأثير في الشرق الأوسط. وحصلتا على حسابات من أجل إدارة صفحات على فيسبوك قدمت على أنها مواقع إخبارية، وفي 9 دول، بما فيها السودان والصومال والكويت وليبيا. وعادة ما احتوت الصفحات على أخبار حقيقية أو أخبار خفيفة ورسوماً كرتونية مبهرة بموضوعات مزيفة تتبع فكرة واحدة".
وأشار المصدر نفس إلى أن النشطاء السودانيين الذين لاحظوا زيادة في المنشورات المؤيدة للنظام العسكري على مواقع التواصل، لم يستغربوا الحملة.
محمد سليمان وهو مهندس سوداني المقيم في مدينة بوسطن بولاية ماساشوستس والداعم المتظاهرين، قال إنه كانت هناك حسابات مزيفة وكثيرة، وأضاف: "تعتبر الأخبار المزيفة التهديد الحقيقي للسودان، ولو حدثت ثورة مضادة فستكون وسائل التواصل أداتها".
إدارة مئات الحسابات المزيفة
وبحسب فيسبوك، فإن الشركتين المصرية والإماراتية عملتا معاً من أجل إدارة 361 حساباً وصفحة، كانت تصل إلى 13.7 مليون شخص. وأنفقتا 167 ألف دولار كي تروّجا لهويات مزيفة، ومن أجل التغطية على عملهما الحقيقي.
ولاحظ الناشطون أيضاً شيئاً مقلقاً، وهو تدفق رسائل مؤيدة لحكم العسكر من خلال حسابات مزيفة، استخدمت صور موسيقيين ونجوم معروفين، واستطاعوا التعرف على التغريدات وكونها مزيفة عبر اللغة العربية والتي أشارت إلى أن كتابها غير سودانيين.
فعلى سبيل المثال – تقول الصحيفة الأمريكية – تمت كتابة السودان والتعامل كعلم مؤنث مع أن السودانيين يعاملون الاسم كمذكر.
وتم ربط موقع صحيفة "السودان اليوم" بموقع إخباري بالاسم نفسه، ونشر 17 مقالاً بين مايو/أيار، وأغسطس/آب الماضيين، واتهمت المقالات جماعة الإخوان المسلمين بالتآمر ضد البلاد، ونشر 60 مقالاً آخر دعماً لرئيس قوات الدعم السريع، عضو مجلس السيادة حالياً، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ "حميدتي".
وعلى الرغم من الجهود الضخمة للشركتين المصرية والإمارات، ومحاولتهما التلاعب بالفضاء الإلكتروني في السوداني، فإن تحقيق أهدافهم كان عصيّاً عليهم، بحسب الصحيفة الأمريكية.
التضييق على مستخدمي الانترنت
وأوضحت الصحيفة أن المتظاهرين في السودان ومنذ بداية احتجاجاتهم في ديسمبر/كانون الأول 2018 استخدموا وسائل التواصل للتنظيم والتجميع والتعبئة، وتحايلوا على الرقابة الحكومية من أجل اجتذاب دعم دولي لهم.
يُشار إلى أن أول خطوة للمجلس العسكري بعد ارتكاب "مذبحة الخرطوم"، كانت إغلاق الإنترنت، ثم تحول نحو وسائل التواصل لتلطيف صورته.
ونشرت حسابات تعود لحميدتي صوره وهو يطبخ الطعام، ويتحدث أمام الجماهير، ويلتقي مع المدرسين.
وبعد ذلك رفع الناشطون عريضة قدموها إلى فيسبوك، وقالوا فيها إن الشركة تعطي مساحة لمجرمي حرب، لكن الشركة رفضت التحرك لأن قوات الدعم السريع أصبحت لاعباً في الدولة، وبات حميدتي جزءاً في المرحلة الانتقالية.
وفي نهاية تقريرها، تحدثت الصحيفة عن تضييق السلطات المصرية على الصحافة، حيث أشارت إلى أنه في عهد السيسي حظرت السلطات أكثر من 500 موقع على الإنترنت، وأقرت قوانين تُجرّم انتقاد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي.