قالت إيران الاثنين 3 سبتمبر/أيلول 2019، إنها قد تخفض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بدرجة أكبر إذا لم تتحرك الأطراف الأوروبية لحماية اقتصادها من العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها عليها منذ انسحبت من الاتفاق العام الماضي.
وهددت باتخاذ خطوات أخرى بحلول السادس من سبتمبر أيلول مثل تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20 بالمئة أو استئناف تشغيل أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم لاستخدامه وقودا لمحطات الكهرباء أو لاستخدامه سلاحا إذا جرى تخصيبه بدرجة عالية.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي في موسكو "لا معنى للاستمرار في الالتزام من جانب واحد بالاتفاق إذا لم نكن نستفيد من مزاياه كما وعدت الأطراف الأوروبية الموقعة عليه".
وقالت إيران إنها ستخالف القيود التي يفرضها الاتفاق على أنشطتها النووية واحدا بعد الآخر لتصعد الضغط على الدول التي ما زالت تأمل في إنقاذه.
مفاوضات مباشرة
وعن عروض لقاءات مع أمريكا قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، الثلاثاء 3 سبتمبر/أيلول 2019، إن رد بلاده على أي عرض بإجراء محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة سيكون دائماً الرفض.
وقال روحاني، في جلسة برلمانية بثتها الإذاعة الرسمية على الهواء مباشرة: "لم يُتخذ قط أي قرار بإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة، وكانت هناك عروض كثيرة بإجراء محادثات، لكن ردنا سيكون دائماً الرفض".
وأضاف: "إذا رفعت أمريكا كل العقوبات، يمكننا كما حدث من قبل أن ننضم إلى محادثات متعددة الأطراف بين طهران وأطراف اتفاق 2015″، مشيراً إلى الاتفاق النووي.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد عرض الاجتماع مع زعماء إيران وإجراء محادثات ثنائية دون شروط مسبقة لإنهاء المواجهة بين البلدين، على الرغم من ممارسته "أقصى ضغط" عليها.
والشهر الماضي قال روحاني إن إيران لن تجري محادثات مع واشنطن قبل أن ترفع كل العقوبات التي أعادت فرضها بعد انسحابها من الاتفاق النووي العام الماضي.
أين ذهبت مبادرة ماكرون لجمع ترامب وروحاني؟
كادت مبادرة ماكرون تؤتي ثمارها وأن تفتح باب التفاوض بين الأمريكيين والإيرانيين.
فعندما حضر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قمة مجموعة السبع في شهر أغسطس/آب 2019، وتحدث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ حرّك ذلك الآمال بأن تؤتي جهود ماكرون للتوسط بين إيران والولايات المتحدة ثمارها أخيراً، حسبما ورد في تقرير هذا الموضوع مترجم عن موقع Lobelog الأمريكي.
وقال ظريف إنَّ إيران وفرنسا متفقتان على بعض النقاط، على الرغم من أنَّه أضاف قائلاً: "الطريق أمامنا صعب".
من جانبه، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، أنَّه سيفعل أيّ شيءٍ يمكن أن يكون في مصلحة بلاده، بما في ذلك التحدّث إلى ترامب.
شروط جديدة بسبب المتشددين
ومع ذلك، فقد تراجع هو وظريف عن مواقفهما لاحقاً، إذ قال روحاني، يوم الثلاثاء 27 أغسطس/آب، إنَّه من غير الممكن إجراء محادثات بين الولايات المتحدة وإيران إلى أن تُرفَع كافّة العقوبات الأمريكية المفروضة على بلاده.
بدوره، قال نائب وزير الخارجية عباس عراقجي إنَّ إيران تُجري محادثاتها مع أوروبا فحسب، ورفضت أيّ فرصةٍ لإجراء محادثات مع واشنطن.
وهذا ليس بالأمر المفاجئ، فحين كان ظريف في مدينة بياريتز الفرنسية، قال غلام حسين غبيببارفار، الذي كان حتى وقت قريب قائداً لقوات الباسيج شبه العسكرية، إنَّه يأمل أن لا يهرع المسؤولون الحكوميون إلى فرنسا بدافع اليأس، وبسبب ضعف موقفهم. وجاءت آراء مُعلّقين إيرانيين آخرين على نفس المنوال.
والمتشددون الأمريكيون كذلك أفسدوا المبادرة بهذه الشروط
وفي الولايات المتحدة، كانت لهجة المسؤولين الأمريكيين على النقيض من لهجة رئيسهم التي اتّسمت بالهدوء النسبي في مجموعة السبع.
إذ قال ترامب على سبيل المثال إنَّ الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران.
ولكن مستشار الأمن القومي جون بولتون حذّر من أنَّ الاستعداد للتحدث إلى طهران لا يعني تغير موقف واشنطن ولا مطالبها المتعلقة بإيران. أي أنه، باختصار، زال الأمل البسيط في تخفيف التوترات بين إيران والولايات المتحدة بعد أن بدأ المتشددون في طهران وواشنطن في سحقه. وفي جميع الاحتمالات سوف ينجح هؤلاء ولن تؤتِ جهود ماكرون أي ثمار.
الكبرياء وعدم الثقة أبرز العراقيل أمام التفاوض بين الأمريكيين والإيرانيين
هناك عاملان يُحددان على نحوٍ بالغ مسألة إجراء أي محادثات من عدمها، وأيضاً ما إذا كان من الممكن التوصُّل إلى أي اتفاقات حقيقية؛ أوّلهما الكبرياء.
إذ أنَّ الكبرياء القومي الإيراني والأمريكي على المحك في هذا الشأن، لأنَّ المتشددين الإيرانيين يعتقدون، رغم أنهم ليسوا غالبية السكان، أن التحدث إلى الولايات المتحدة سيعني الاستسلام وبداية النهاية للثورة الإسلامية، ومن ثمّ فإنهم يريدون انتزاع التنازلات من واشنطن، ولا سيما رفع جميع العقوبات. ومع ذلك، ليس من الممكن أن توافق الولايات المتحدة على ذلك بشكلٍ مسبق، لأنه سيعني أن تكون لطهران اليد العليا في النزاع.
والعامل الثاني هو عدم الثقة، إذ لا يمكن لإيران الثقة في أن واشنطن سترفع العقوبات حال موافقتها على المحادثات. وبالنظر إلى تجارب طهران السابقة مع الحكومة الأمريكية في التراجع عن وعودها -لعل أبرزها جاء في سياق خطة العمل الشاملة المشتركة، التي كان من المفترض أن تسوّي مشكلة برنامجها النووي-، يُعَدُّ تردد إيران أمراً مفهوماً.
ومن جانبها، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتأكد من أن إيران لن تتخلّى عن وعدها بالتحدّث إذا ما رفعت العقوبات المفروضة عليها، والأهم من ذلك هو أن الولايات المتحدة ليست متأكدةً من أن إيران ستغيّر سلوكها.
ويجب أن نتذكر أن إيران لم توافق على خطّة العمل الشاملة المشتركة التي دخلت حيز النفاذ في عام 2016، قبل أن تختبر صاروخاً باليستياً جديداً، ثم اعتقلت البحارة الأمريكيين الذين ضلوا طريقهم إلى المياه الإقليمية الإيرانية.
الخطة البديلة لمبادرة ماكرون
وللتغلب على هذه العقبة، يمكن للولايات المتحدة رفع بعض العقوبات -على الأقل لفترةٍ محدودة-، ويمكن لإيران أن توافق على إجراء محادثات موضوعية وواسعة النطاق، حسب تقرير الموقع الأمريكي.
فإن هذا أفضل من اقتراح ماكرون الذي ينطوي على سماح الولايات المتحدة لبعض عملاء النفط الإيراني بالتداول، على أن تعود طهران إلى الامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
عاجلاً أم آجلاً.. سيتحتم على طهران التحدث إلى واشنطن بعد الثمن الباهظ الذي دفعته
بصرف النظر عن الكبرياء وانعدام الثقة، يجب على إيران في مرحلةٍ ما التعامل مع علاقة الولايات المتحدة وإيران منذ الثورة الإسلامية، وخاصة بعد أن أثبت انهيار الاتحاد السوفياتي أنه لا يمكن التحايل على الولايات المتحدة في علاقاتها الدولية بغض النظر عن مدى محاولة فعل ذلك.
فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، أقصت المعارضة الأمريكية إيران عن خطوط الأنابيب وشبكات النقل المطورة في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، ومنعت تصدير احتياطياتها من الطاقة إلى أوروبا. الثمن الباهظ الذي دفعته إيران جراء العقوبات الأمريكية
وثمة وضع مشابه شهدته آسيا، إذ كانت المعارضة الأمريكية السبب الرئيسي لعدم رغبة باكستان في إكمال جزءٍ من خط أنابيب كان من شأنه جلب الغاز الطبيعي الإيراني إلى البلاد.
ومكَّنت هذه المعارضة الأمريكية روسيا وأذربيجان وتركمانستان من الاستحواذ على الأسواق المحتملة للطاقة الإيرانية.
وهكذا استغلتهم روسيا والصين
وجربت إيران العديد من الاستراتيجيات، لا سيّما خطة "التطلع إلى الشرق"، والآن تجرِّب مدّ نطاق العلاقات مع الدول المجاورة، من أجل تغيير التبعات السلبية للمعارضة الأمريكية. لكنها لم تحقق أي نجاح.
فعلى سبيل المثال، على الرغم من إيمانهم بأهمية الصداقة مع إيران، لم تساعد روسيا والصين إيران على دخول منظمة شنغهاي للتعاون رغم أن باكستان تتمتّع الآن بعضويةٍ كاملة في المنظّمة. وتسعى روسيا، رغم تجاهلها لمظالم إيران بشأن قضايا مثل تقسيم المياه الإقليمية لبحر قزوين، إلى توطيد علاقتها بالمملكة العربية السعودية التي تُعد خِصم إيران في الشرق الأوسط.
ومن المقرر أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرياض في أكتوبر/تشرين الأوّل المقبل.
أما عن الصين، التي يُفترض أنها شريكةٌ استراتيجية لإيران، فإنها لم تدعم طهران مالياً، بل استخدمت إيران كوجهة تُغرقها ببضاعتها المتدنّية الأسعار.
وعلى النقيض من ذلك، أعلنت بكين مؤخراً أنها ستقدم لتركيا مليار دولار في صورة مساعدات. وبكين تتودَّد لأنقرة وليس لطهران، لأنَّ إيران ليست لديها بدائل قابلة للبقاء.
وفي الوقت نفسه، فإن جيران إيران ينقسمون إلى أعداء كامنين أو منافسين نشيطين، وقد انتزعوا -وسيواصلون انتزاع- المزايا من إيران دون أن يفعلوا شيئاً لمساعدتها. وهذا ليس مستغرباً، فحين تحدّ الدولة من خياراتها من خلال السياسات المضللة؛ يجعلها ذلك عرضةً للتلاعب الخارجي.
والمشكلة في الأسطورة التي تمنع المتشددين الإيرانيين من الحوار مع أمريكا
وما ورد أعلاه يعني أنه لا يمكن لإيران التطلّع إلى الخروج من مأزقها الحالي دون التوصل إلى حلٍ وسط مع الولايات المتحدة.
ولكن المتشددين الإيرانيين يصرون على المقاومة ويعتقدون أنَّهم بإمكانهم الجلوس على قارعة الطريق في انتظار نهاية أمريكا.
ويعاني البعض منهم من أوهام بأن الولايات المتحدة على وشك الانهيار، وأنها ستمضي قريباً إلى ما آل إليه الاتحاد السوفيتي.
وحتى لو كان هذا صحيحاً، فإنه لن يحدث في وقتٍ قريب ليكون في صالح إيران بأي شكل، حسب الموقع الأمريكي.
يجب أن تشمل المحادثات بلاد الشام.. هناك لب النزاع
لتنال إيران أيّ مكسب؛ يجب أن يدور أي حديث مع واشنطن حول الأسباب الحقيقية للتوتر بين الدولتين، وهو موقف إيران من النزاع الفلسطيني وإسرائيل. والاتهامات بدعم إيران للإرهاب أي علاقاتها بحزب الله وحماس.
فإذا أرادت إيران قصر محادثاتها على أمن الخليج الفارسي والعقوبات؛ فمن غير المرجح أن ينجح الأمر.
ومصر تسير على خطى عبدالناصر في هذه القضية
تريد إيران أن تفصل أمن الخليج الفارسي عن مشكلات بلاد الشام.
ولكن سياسات المنطقتين متّصلة بشكلٍ لا ينفصم منذ الخمسينيات، حين قام جمال عبدالناصر بتوجيه سياسته إلى الخليج، وتلته سوريا والعراق إبان حكم البعث، ثم ليبيا.
والآن بعد أن ربطتها علاقات وثيقة مع دول الخليج العربية؛ لن توافق إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف على تدابير تؤمّن إيران في الخليج في مقابل إطلاق يدها للتصرّف بحرية في بلاد الشام.
ولن تتخلى دولٌ مثل مصر عن مصالحها في الهياكل السياسية والأمنية المستقبلية في الخليج.
وسيقول المتشددون إنَّ التحدُّث إلى الولايات المتحدة حول هذه الأمور يُعدُّ خيانةً للثورة والإسلام. ولكن عليهم أن يتذكروا أن الاستمرار في طريق الثورة التي أدّت إلى المأزق الحالي، سيكون خيانةً لإيران وشعبها. ويجب أن يقرروا أيّ الأمرين أكثر أهمية: إيران، أم ثورةٌ فاشلة.