ماذا لو كانت الأرض مسطحةً بالفعل؟

عرف البشر منذ آلاف السنين أنَّ هذا الكوكب الذي نعيش عليه هو كوكبٌ كروي الشكل، لكن فكرة الأرض المسطحة لاتزال ترفض الموت

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/15 الساعة 14:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/15 الساعة 14:31 بتوقيت غرينتش
الأرض مسطحة

ما الذي يعنيه الاحتفال ببداية عام ميلادي جديد؟ هذا يعني أنَّ الأرض أتمَّت دورةً كاملة حول الشمس من جديد. لكن مهلاً، إذا كنت من مُعتنقي فكرة الأرض المسطحة، فأنت تؤمن أنَّ ذلك لم يحدث؛ لأنَّ الشمس تدور في دائرةٍ حول السماء.

لقد عرف البشر منذ آلاف السنين أنَّ هذا الكوكب الذي نعيش عليه هو كوكبٌ كروي الشكل، لكن فكرة الأرض المسطحة لاتزال ترفض الموت. ويدَّعي أعضاء "مجتمع الأرض المسطحة" والعديد من المشاهير، مثل "بي أو بي" مغني الراب من أتالانتا، وكايري إيرفينغ لاعب دوري السلة الأمريكية للمحترفين، أنَّهم يُؤمنون بمثل هذه الفكرة. 

موقع Phys الأمريكى حاول فحص الكيفية التي كانت ستعمل (أو لا تعمل) بها المبادئ المعروفة للفيزياء والعلوم في حال كانت الأرض مسطحة.

فشل الجاذبية

أولاً وقبل كل شيء، قد لا يمتلك الكوكب المسطح أيّ جاذبية. إذ يقول جيمس ديفيس، عالم الجيوفيزياء في مرصد لامونت-دورتي الأرضي بجامعة كولومبيا، إنَّه من غير الواضح كيف ستعمل الجاذبية أو ستنشأ في مثل هذا العالم المسطح. 

وهذه مشكلة كبيرة، لأنَّ الجاذبية تُفسِّر مجموعة واسعة من الملاحظات الأرضية والكونية. وتُسبِّب هذه القوة القابلة للقياس سقوط التفاح من الشجر، وتُسبِّب أيضاً دوران القمر حول الأرض، ودوران جميع الكواكب حول الشمس.

وبالنسبة للأشخاص المؤمنين بنظرية الأرض المسطحة، فهم يفترضون أنَّ الجاذبية ستسحب الأشياء إلى الأسفل بشكل مستقيم، لكن لا يوجد دليل يشير إلى أنَّ الأمر سيعمل بهذه الطريقة. 

ما نعرفه عن الجاذبية يفترض أنَّها ستعمل باتجاه مركز القرص المسطح الذي يُمثِّل الأرض. وهذا يعني أنَّ عملية سحب الأشياء بشكل مستقيم لأسفل ستحدث فقط عند نقطةٍ واحدة في مركز القرص. وكلما ابتعدت عن المركز أكثر، تُصبح الجاذبية أفقيةً أكثر فأكثر. 

وربما يُؤدِّي ذلك إلى بعض التأثيرات الغريبة، مثل امتصاص كل الماء نحو مركز العالم، وجعل الأشجار والنباتات تنمو بشكل قطري؛ لأنَّها تنمو في الاتجاه المعاكس لقوى الجاذبية.

مشكلات النظام الشمسي

ثم هناك الشمس، ففي نموذج النظام الشمسي المدعوم علمياً، تدور الأرض حول الشمس، لأنَّ الأخيرة ضخمةٌ للغاية ولها جاذبيةٌ أكبر. ومع ذلك، فإنَّ الأرض لا تسقط في الشمس؛ لأنَّها تسير في مدار. 

وبعبارة أخرى، لا تعمل جاذبية الشمس بمفردها. فالكوكب يتحرك أيضاً في اتجاهٍ عمودي على اتجاه قوة الجاذبية الساحبة للشمس، وإذا أمكن إيقاف هذه الجاذبية، فإنَّ الأرض سوف تنطلق مثل الطلقة في خط مستقيم إلى خارج النظام الشمسي. لكن بدلاً من ذلك، يتَّحد الزخم الخطي مع جاذبية الشمس، وهو ما ينتج عنه مدار دائري حول الشمس.

وبالنسبة لنموذج الأرض المسطحة، فإنَّه يضع كوكبنا في مركز الكون، لكنه لا يقترح أنَّ الشمس تدور حول الأرض. بل تدور الشمس بدلاً من ذلك فوق الجانب العلوي من العالم بشكلٍ دائري، وتبُثُّ الضوء والدفء إلى الأسفل مثلما يفعل المصباح المكتبي. 

نظرية الأرض مسطحة لم تمت بعد
نظرية الأرض مسطحة لم تمت بعد

لكن ديفيس يوضح أنَّه بدون الزخم الخطي والعمودي الذي يساعد على توليد مدار ثابت، فمن غير الواضح ما هي القوة التي ستُبقي الشمس والقمر يحومان فوق الأرض، بدلاً من سقوطهما فيها.

وبالمثل، من المحتمل ألا يكون إطلاق الأقمار الصناعية ممكناً في عالمٍ مسطح؛ إذ كيف ستدور تلك الأقمار الصناعية حول السطح المستوي؟ يقول ديفيس: "هناك عددٌ من مهمات الأقمار الصناعية التي يعتمد عليها المجتمع، والتي لن تنجح في حال كانت الأرض مسطحة" . 

ولهذا السبب، يقول: "لا يمكنني التفكير في الكيفية التي سيعمل بها نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على الأرض المسطحة" .

وفي حال دوران الشمس والقمر حول أحد جانبي الأرض المسطحة، فمن المحتمل أن يحدث تعاقبٌ للنهار والليل. لكن هذا لن يُفسِّر اختلاف الفصول، والكسوف، والعديد من الظواهر الطبيعية الأخرى. ومن المحتمل أيضاً أن تكون الشمس أصغر من الأرض، وذلك حتى لا تتسبب في حرق أو الاصطدام بكوكبنا، أو بالقمر. ومع ذلك، فإنَّنا نعلم أنَّ الشمس يزيد قطرها 100 مرة عن قطر الأرض.

زوال السماء والأرض

في أعماق الأرض، يتولَّد المجال المغناطيسي للكوكب من اللب الصلب المتواجد في باطن الأرض. ولكن في الكوكب المسطح، يجب استبدال هذا اللب الصلب بشيءٍ آخر، مثل طبقةٍ مسطحة من المعدن السائل. 

ومع ذلك، فإنَّ هذه الطبقة لن تدور بطريقةٍ تخلق مجالاً مغناطيسياً. وبدون المجال المغناطيسي، فإن الجزيئات المشحونة القادمة من الشمس سوف تطهو الكوكب. وقد تتسبب هذه الجزيئات في تجريد الأرض من غلافها الجوي، كما حدث بعد أن فقد المريخ مجاله المغناطيسي، مما سيؤدي إلى هروب الهواء ومياه المحيطات إلى الفضاء.

وتعتمد حركة الصفائح التكتونية وحدوث الزلازل على استدارة الأرض، لأنه فقط في حالة كروية الأرض تتلاءم جميع الصفائح معاً بطريقة معقولة، وذلك بحسب ما يقوله ديفيس. 

وتُؤثِّر حركات الصفائح على جانبٍ واحد من الأرض في حركات الجانب الآخر. وتجري الموازنة بين المناطق التي تخلق القشرة الأرضية، مثل أعراف منتصف الأطلسي، وبين المناطق التي تستهلك القشرة، مثل مناطق الاندساس. 

لكن على الأرض المسطحة، لا يمكن تفسير تلك الأشياء تفسيراً كافياً. ويجب أن يكون هناك تفسيرٌ واضح لما يحدث للصفائح على حافة العالم. فالمرء يمكنه تخيُّل أنَّها قد تسقط عند الحافة، لكن هذا من شأنه أن يُعرِّض للخطر الحائط المقترح الذي يمنع الناس من السقوط عن حافة الأرض التي تأخذ شكل القرص المسطح.

أما أحد الأمور الأكثر الغرابة، فهو أنَّ الخريطة المقترحة للأرض المسطحة مختلفةٌ تماماً؛ حيث يتواجد القطب الشمالي في الوسط، بينما تُشكِّل القارة القطبية الجنوبية "جداراً جليدياً" حول الحواف. 

وفي عالمٍ كهذا، سيكون السفر أمراً مختلفاً تماماً، فالطيران من أستراليا إلى أجزاء معينة من القارة القطبية الجنوبية، على سبيل المثال، سيستغرق أبد الدهر؛ سيكون عليك السفر عبر القطب الشمالي والأمريكتين للوصول إلى هناك. 

بالإضافة إلى ذلك، سيكون من المستحيل تحقيق بعض الرحلات المغامرة البطولية في العالم الحقيقي، مثل السفر عبر القارة القطبية الجنوبية.

انهيار النظرية

بعكس الاعتقاد السائد، فإنَّ فكرة إيمان العديد من المجتمعات المرموقة والمتعلمة فعلياً بنظرية الأرض المسطحة، هي فكرةٌ خاطئة؛ إذ كتب المؤرخ جيفري بورتون راسل في عام 1997: "بغض النظر عن القليل من الاستثناءات الشاذة، لم يُؤمن أيّ شخص متعلم في تاريخ الحضارة الغربية بأنَّ الأرض مسطحة منذ القرن الثالث قبل الميلاد. 

إذ ظهرت فكرة استدارة الأرض في بداية القرن السادس قبل الميلاد على الأقل عن طريق فيثاغورس، وتبعه في ذلك كل من أرسطو وإقليدس أرسطرخس وغيرهم ممن لاحظوا أنَّ الأرض تتخذ شكلاً كروياً" .

كما أشار العالم والكاتب ستيفن جاي غولد، ذات مرة، إلى أن الفكرة التي تدعي أن الكثير من الناس -بمن فيهم الإسبان وكريستوفر كولومبوس- كانوا يعتقدون في تسطح الأرض، كانت مختلقة إلى حد كبير من قبل كتاب القرن التاسع عشر مثل واشنطن إيرفينغ وجان ليترون وآخرين. 

وذكر غولد أن ليترون كان "أكاديمياً متحيزاً بشكل قوي ضد الدين. وهو ما جعله يستغل الإسبان وكولومبوس بذكاء من أجل إلى تشويه صورة آباء الكنيسة وخلفائهم في القرون الوسطى وذلك باعتبارهم مؤمنين بالأرض المسطحة" .

على أي حال، في حين أنه من الممتع تخيل سيناريوهات مضادة للواقع، إلا أن العلم يواصل تقديم نظريات لشرح الملاحظات. وعندما يتعلق الأمر بهذه النظريات، فكلما كان الأمر أبسط، كان ذلك أفضل، بحسب ما يقول ديفيس. 

ومع ذلك، فإن فكرة الأرض المسطحة تبدأ بوضوح بفكرة أن الكوكب مستوٍ، ثم تحاول تحريف الملاحظات الأخرى لصالحها. يقول ديفيس إنه يمكنك العثور على تفسيرات غريبة لكل ظاهرة على حدة ضمن هذا الإطار، لكنها "تنهار بسرعة كبيرة" .

تحميل المزيد