اعتقلت الشرطة الإيطالية، اليوم السبت 29 يونيو/حزيران، القبطانة الألمانية لسفينة إنقاذ مهاجرين بعد أن رست في ميناء لامبيدوسا.
وظلت السفينة سي ووتش 3 التي ترفع العلم الهولندي وتديرها مؤسسة سي ووتش الخيرية الألمانية تبحر في المياه لأكثر من أسبوعين وعلى ظهرها 40 إفريقياً تم إنقاذهم.
وبعد الانتظار في المياه الدولية لتلقّي دعوة من إيطاليا أو دولة بالاتحاد الأوروبي لقبول السفينة، قررت القبطانة الألمانية كارولا راكيتا الأسبوع الماضي الإبحار إلى جزيرة لامبيدوسا بجنوب إيطاليا، ولكن سفناً حكومية إيطالية منعتها من ذلك.
لكن في الساعات الأولى من صباح السبت دخلت راكيتا الميناء، حيث رست السفينة وسط انتشار مكثف من الشرطة.
وأنزلت الشرطة راكيتا من على ظهر السفينة واقتادتها بعيداً في سيارة.
وقالت محطة "راي" التلفزيونية الحكومية إن راكيتا اعتُقلت "لمقاومتها سفينة حربية"، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات.
وما زال المهاجرون على ظهر السفينة.
كان ماتيو سالفيني، وزير الداخلية الإيطالي زعيم حزب الرابطة اليميني، قد قال سابقاً إنه لن يسمح لراكيتا بالرسو إلا عندما توافق دول أخرى بالاتحاد الأوروبي على أخذ المهاجرين فوراً.
وقال إنه حتى حينئذ ستصادر السلطات الإيطالية السفينة وتقاضي قبطانتها لمساعدتها مهربي البشر.
وحسب تقرير سابق لصحيفة The Guardian البريطانية ربما تواجه قبطانة إحدى سفن البحث والإنقاذ عقوبة سجنٍ لمدة تصل إلى 20 عاماً، على خلفية دورها في إنقاذ 6 آلاف شخص من الغرق في البحر المتوسط. لذا تتهم الآن الاتحاد الأوروبي بالتسبب في موت المهاجرين، والسلطات الإيطالية "بتجريم التضامن".
واجه بيا كليب (35 عاماً) التي تقود السفينة "يوفينتا" -هي سفينة تابعة لمنظمة غير حكومية- مع 9 آخرين اتهاماتٍ بالمساعدة في الهجرة غير الشرعية والتحريض عليها، بسبب دورهم في السعي لإنقاذ الأشخاص المعرضين للخطر بعد فرارهم من الساحل الليبي في طريقهم إلى أوروبا.
ووجد أكاديميون في جامعة غولدسميث البريطانية العام الماضي أن الأدلة التي قدمتها السلطات الإيطالية علناً حول ادعاءاتها بأن رجال الإنقاذ تعاونوا مع مهربي البشر هي أدلة قاصرة. وجديرٌ بالذكر أنَّ سفينة يوفينتا ضُبطت قبل عامين، ولم تُوجَّه الاتهامات بعد.
قالت بيا، من مدينة بون الألمانية، إنها وزملاءها كانوا يستعدون لخوض معركة قانونية طويلة بعد أن أُعلموا مؤخراً بأن الادعاء لن يُغلق ملف القضية، وأنه من المحتمل أن يلجأ للمحكمة.
وقال محامو ما يُسمى قضية "يوفينتا 10" إنَّ التهم التي يُنظر فيها قد تصل عقوبتها إلى السجن لمدة تصل إلى 20 عاماً، أو غرامة قدرها حوالي 16 ألف دولار لكل شخص أُحضر إلى إيطاليا بطريقةٍ غير قانونية.
وزير الداخلية الإيطالي اليميني المتطرف دعا لاعتقالها
وفي العام الماضي، دعا ماتيو سالفيني، وزير الداخلية الإيطالي اليميني المتطرف، إلى إلقاء القبض على بيا لدورها في إنقاذ المهاجرين واللاجئين ونقلهم إلى جزيرة لامبيدوزا، متجاهلةً إغلاق الحكومة الإيطالية للموانئ.
وقالت بيا في حديثٍ لصحيفة The Guardian، قبل إقامة فعالية لجمع التبرعات لتغطية التكاليف القانونية التي من المحتمل أن تصل إلى 561,873 دولاراً، إنَّ رجال الإنقاذ كانوا مستهدفين كجزءٍ من محاولة أكبر "لوصم اللاجئين".
وأضافت: "لا يُعقل أن أذهب إلى السجن لأنني أنقذتُ أناسٍ يمرون بمحنة. إنَّه الشيء الأكثر سخافة من عدة نواحٍ. ولن أقبل بأي شيء سوى التبرئة".
ويُعتقد أنَّ سفينة الصيد السابقة يوفينتا أنقذت ما مجموعه 14 ألف شخص خلال فترة وجودها في البحار. وقد تعاون طاقمها مع مركز التنسيق البحري الإيطالي للبحث والإنقاذ تعاوناً قوياً. وكانت مهمتهم البحث عن سفن التهريب التي تواجه أزمة، وإرسال أولئك الذين يتمكنون من إنقاذهم إلى سفن عسكرية أوروبية أو إلى خفر السواحل الإيطالي.
تولت بيا قيادة القارب في مهمتين في صيف عام 2017، عندما أُنقذت أرواح ما يصل إلى 3800 شخص على متن قوارب المهربين في يومٍ واحد فقط.
وانتقدت الحكومة الإيطالية الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يجري إنقاذهم وإعادتهم إلى موانئها، ونقص الدعم من الدول الأعضاء السبعة والعشرين الأخرى في الاتحاد الأوروبي. وعُقدت صفقة مع خفر السواحل الليبي، وهي مجموعة من الميليشيات، يمول الاتحاد الأوروبي بموجبها عملياتها للعثور على أولئك المبحرين في البحر المتوسط وإعادتهم إلى ليبيا.
جواسيس وأجهزة تنصّت مزروعة في القوارب
وفي خضم التغيير السياسي، في أغسطس/آب عام 2017، ضُبطت سفينة يوفينتا في ميناء لامبيدوزا، وجُردت من الهواتف وأجهزة الكمبيوتر التي كانت على متنها. وتبين فيما بعد أن أجهزة تصنّت قد زُرعت في القارب للتجسس على الطاقم، وأنَّ مجموعة من المخبرين زُرعوا في سفن إنقاذ أخرى.
وزعمت الوثائق الرسمية المتعلقة بالضبط أنَّ هناك أدلةً على أنَّ رجال الإنقاذ تعاونوا مع المهربين لإعادة قواربهم إلى ليبيا بعد عمليات الإنقاذ، وقوبلت هذه المزاعم بالنفي القاطع.
وواصلت بيا، التي عملت في مجال حفظ الموارد البحرية قبل انضمامها إلى طاقم السفينة يوفينتا، مشاركتها في عمليات الإنقاذ في قاربٍ آخر حتى يونيو/حزيران من العام الماضي، عندما أبلغها المحامون بأنَّها معرضة لخطر الاحتجاز رهن المحاكمة إذا عُثر عليها في المياه الإيطالية.
وقالت إنَّ تجربتها في منطقة البحر المتوسط جعلتها مصممة على تسليط الضوء على معاناة الفارين من ليبيا ومساءلة الاتحاد الأوروبي والحكومة الإيطالية.
وأضافت: "ذهبنا في عملية إنقاذ لنحاول فقط إعادة صبي في الثانية من عمره إلى الحياة، ولم نتمكن من ذلك. واعترض خفر السواحل الليبي اللاجئين، وفعل كل ما بوسعه لإعادتهم قسراً إلى ليبيا. وقد دمر قوارب اللاجئين وترك الكثيرين منهم في الماء".
لا تعاون من سفن إيطاليا وفرنسا
وتابعت: "لم تقدم السفن الحربية الإيطالية والفرنسية يد العون في عملية الإنقاذ. وأُعيد حوالي 40 شخصاً إلى ليبيا، وغرق 40 شخصاً، وكان لدينا 60 شخصاً على متن سفينتنا، بمن فيهم هذا الصبي الصغير الذي كان يتعين علينا الاحتفاظ به في ثلاجتنا لعدة أيام".
وأكملت قائلةً: "لم توفر لنا أوروبا ميناءً آمناً، لذلك اضطررنا للإبحار ذهاباً وإياباً في المياه الدولية لعدة أيام وذلك الصبي في الثلاجة، ووالدته على متن السفينة، وتتساءل في نفسك عما ستقوله لتلك المرأة التي يقبع طفلها في ثلاجتك عن الاتحاد الأوروبي الحائز على جائزة نوبل للسلام".
ويوم الأربعاء الماضي، خصصت السلطات الليبية طرابلس كميناءٍ آمن لإنزال 52 شخصاً أنقذتهم منظمة See-Watch، وهي منظمة غير حكومية. ورفضت منظمة Sea-Watch العرض وتوجهت إلى لامبيدوزا ومعها الأشخاص الذين أنقذتهم على متن سفينتها.
وقال سالفيني، الذي أعلن مراراً وتكراراً عن إغلاق المياه الإيطالية أمام سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية: "إذا لم تلتزم السفينة غير الشرعية التابعة للمنظمة غير الحكومية بالتعليمات، معرضةً بذلك حياة المهاجرين للخطر، فستتحمل المسؤولية كاملةً".