قبل أقل من شهرين، وتحديداً في يوليو الماضي، توجه اللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، للقاء مسؤولين بارزين في إدارة دونالد ترمب، قبل زيارة معلنة لوزير الخارجية المصري سامح شكري بنحو الأسبوع.
وبحسب المعلومات الحصرية التي حصل عليها "عربي بوست"، فقد كانت أجندة الزيارة السرية لعباس كامل تضم بنداً واحداً فقط: إقناع الأميركيين ببقاء السيسي لما بعد مدته الرئاسية.
وحاول عباس كامل أثناء الزيارة أن يشرح للجانب الأميركي أن بقاء السيسي لمدة أطول هو الضامن الوحيد للحفاظ على الاستقرار الذي تحقق في مصر منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي صيف عام 2013.
السيسي جاء وهو ينوي البقاء
في فبراير 2016 وأثناء تدشين مبادرة "رؤية مصر 2023" بمسرح الجلاء بالقاهرة، التفت الرئيس عبدالفتاح السيسي فجأة إلى الحضور وقال لهم: "إنتوا فاكرين إني هسيبها (سأتركها) يعني وللا حاجة؟ لا والله، لا والله ما هسيبها… لحد ما تنتهي حياتي أو مدتي". تجمدت القاعة للحظات، قبل أن يقرر أحدهم قطع الارتباك بتصفيق، سرعان ما تنتقل من شخص لآخر لتعمّ القاعة بالتصفيق والضحك في آن واحد.
ما قاله السيسي في ذلك اليوم اعتبره البعض مؤشراً لنوايا الرجل على عدم ترك منصبه في 2022 بعد انتهاء مدته الثانية (والأخيرة) بحسب الدستور المصري، وأنه يتوي تعديله بما يسمح ببقائه أكثر من 8 سنوات.
وبالفعل بعد جملته تلك مباشرة، بدأت أصوات تتصاعد من هنا وهناك من أشخاص محسوبين على النظام يتحدثون عن أن 8 سنوات للرئيس لا تكفي، وأن الدستور يجب تعديل فقرة المدة الرئاسية فيه، لكن سرعان ما خفتت تلك الأصوات وبدا أنه من الأفضل الانتظار لرؤية ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية، هل ستفوز هيلاري أم ربما يفعلها ترمب الذي بادر السيسي في حركة غير معتادة بإعلان تمنيه له بالفوز. وعلى الرغم من نفي بعض المقربين من النظام المصري تلك النية، تبدو المحاولات الحثيثة التي تتم الآن مؤكدة لرغبة الرئيس السيسي ومساعديه.
فريقان مختلفان داخل النظام، لكن المحصلة: 12 عاماً من الحكم
وبحسب مسؤول بارز بالخارجية المصرية تحدث لـ"عربي بوست" شريطة عدم ذكر اسمه، فإن فوز ترمب شجع الرئيس السيسي على التفكير في تغيير الدستور والبقاء في الحكم، وهو ما لم يكن ممكن الحدوث حال فوز هيلاري كلينتون، لكن حتى الآن لم يتم الاستقرار على الصيغة النهائية لاستمرار السيسي.
ويستطرد المصدر الدبلوماسي قائلاً إن هناك جناحين داخل السلطة يتبنيان رؤى مغايرة حول المسار الأنسب لتمديد فترة حكم الرئيس.
الفريق الأول يمثله اللواء عباس كامل ومعه وكلاء المخابرات العامة، الذين يرون أن أفضل الطرق هي عدم تعديل فترات الرئاسة بأن تظل مدتين كما هي، مع زيادة المدة لكل فترة رئاسية لتصبح 6 سنوات وليس 4، على أن يطبق ذلك بأثر رجعي على الفترة الأولى، وبذلك يحكم السيسي 12 عاماً مضى منها 4 يتبقى له 8.
الفريق الأخر ويمثله الأمن الوطني ويضم معه فيه سامح شكري وزير الخارجية، ومعهم علي عبدالعال رئيس البرلمان، ويرون أن فكرة تطبيق التعديل بأثر رجعي فكرة يعتليها العوار وأن الأنسب البقاء على مدة الفترة الرئاسية 4 سنوات كما هي، مع تعديل الفترات ليصبح من حق الرئيس 3 مدد وليس 2 فقط.
وحتى الآن لم يحسم السيسي موقفه، بحسب المصدر، ولم يبد انحيازاً لأي من الطرفين، وإن كان اكتفى بإرسال كامل ثم من بعده شكري لجسّ نبض الجانب الأميركي حول تلك النقطة. وأكد المصدر أن الأميركيين لم يبدوا اعتراضات على الطرح الذي قدمه ممثلو النظام المصري.
الأميركيون لم يحددوا موقفهم بعد
وعلم "عربي بوست" من مصادر مطلعة في العاصمة الأميركية أن عباس كان قد التقى فعلاً بمسؤولين بارزين في الكونغرس والخارجية ووزارة الدفاع الأميركية. لكن المصادر أكدت أن كامل لم يلتق بأي مسؤولين داخل البيت الأبيض. وأكدت المصادر أن كامل تناول حتمية بقاء السيسي لضمان الاستقرار في المنطقة، وأن الأميركيين اكتفوا بالاستماع وتقديم إجابات محايدة.
لكن يبدو أن ما وصفه الأميركان بأنه إجابات محايدة، اعتبرته القاهرة إشارة خضراء للتحرك صوب تعديل الدستور، وهو ما عبر عنه بوضوح النائب إسماعيل نصر الدين الذي صرح لصحيفة اليوم السابع قائلاً إن فكرة التعديل تنسجم مع الدول حديثة العهد بالتحولات الديمقراطية، فنحن نحتاج خطط طويلة المدى لبناء الدولة، وهو ما يستدعي أن تكون مدة السلطة التنفيذية طويلة نسبياً، حتى تستطيع إنجاز المهام والبرامج التي أعدتها.
وخلال الفترة الأولى لرئاسة السيسي، الذي يبلغ من العمر 63 عاماً، شنت الحكومة حملة على المعارضين السياسيين، على اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية، كما شن الجيش والشرطة حملة دامية على متشددين موالين لتنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء. وبدأ السيسي أيضاً تنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية قاسية.
ونافس السيسي خلال الانتخابات التي جرت في مارس/آذار الماضي مرشحاً مؤيداً له، بعد أن أوقف معارضون بارزون حملاتهم في يناير/كانون الثاني قائلين إنهم تعرضوا لضغوط وبعد اعتقال آخرين من بينهم رئيس الأركان الأسبق.