الشماتة التي أبداها ترمب في الليرة التركية قد لا تدوم طويلاً، إذ يبدو أن سلاح الجمارك الذي استخدمه الرئيس الأميركي مع دول عدة كان آخرها تركيا ، بشكل يخالف تقاليد أسلافه قد يكون له تأثير على الشركات الأميركية والأسوأ أنه ينذر باضطرابات مالية في مناطق مختلفة من العالم.
وقالت إحدى الشركات الراقية في مجال تصنيع صناديق الحاسوب إنَّها "أُرغِمَت على الإفلاس وتصفية أعمالها" بسبب التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مؤخراً، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
إذ أعلنت شركة CaseLabs، التي تُصنِّع صناديق حسب الطلب للحواسيب وتحظى منتجاتها بتغطيةٍ إعلامية واهتمامٍ كبيرين من أطراف مختلفة، من بينها قناة LinusTechTips الشهيرة على يوتيوب، أنَّها ستُغلِق أبوابها وتُنهي أعمالها يوم السبت.
وعلى الأرجح تقصد الشركة التعريفات التي فرضها ترمب على البضائع الصينية، وفقاً للصحيفة البريطانية.
لماذا تعرضت للإفلاس بهذا السرعة؟
إنَّ التعريفات الجمركيةزادت التكاليف بنحو 80%، كما أنَّ "تخلُّف أحد كبار عملائنا عن التسديد" فاقم المشكلة، حسبما قالت الشركة الموجودة في ولاية كاليفورنيا الأميركية.
وأضافت الشركة في بيانها: "نعلن بكل أسف أنَّ شركة CaseLabs وشركتها الأم ستُغلقان نهائياً. أُرغِمنا على الإفلاس وتصفية أعمالنا".
وتابعت: "كان للتعريفات دورٌ كبير في رفع الأسعار بنحو 80% (جزئياً بسبب نقص المكونات الناتج عن ذلك)، ما خفَّض كثيراً من هامش ربحنا. وأيضاً فاقم تخلُّف أحد أكبر عملائنا عن التسديد من المشكلة. لقد باغتنا الأمر في أسوأ وقتٍ ممكن".
وأفادت شركة CaseLabs، التي خرجت من رحم الشركة الأم California Fabrication المؤسسة عام 1971، أنَّها تفعل ما بوسعها لشحن ما يمكنها من طلبيات، لكنَّها اعترفت أنَّها لن تتمكن من تسليمها كلها.
وأضافت في بيانها: "كان يجب شحن كل الطلبيات، لكنَّنا لن نستطيع الوفاء بكل هذه الطلبيات المتراكمة. نأسف بشدة لحدوث ذلك. كان مستخدمونا مخلصين لنا للغاية، ونشعر بالسوء لكوننا خذلنا أياً منهم.
إنها الحرب إذن وعلى الجميع
وتصاعد النزاع بين الولايات المتحدة والصين منذ فرضت الأولى رسوماً تصل إلى 25% على بضائع صينية بقيمة 34 مليار دولار أميركي في أوائل شهر يوليو/تموز، رداً على مزاعم بأنَّ الصين تسرق التكنولوجيا من الشركات الأجنبية أو ترغمها على تسليمها.
وأعلنت إدارة ترمب الأسبوع الماضي أنَّها ستضيف رسوماً مشابهة على واردات صينية أخرى بقيمة 16 مليار دولار بدايةً من 23 أغسطس/آب.
وردت الصين بقول إنَّها ستفرض تعرفة جمركية مشابهة على ما قيمته 16 مليار دولار من البضائع الأميركية، تتضمن سياراتٍ ونفطاً وخردة معدنية.
وأعلن ترمب كذلك يوم الجمعة أنَّه ضاعف التعرفة الأميركية على الواردات التركية من الصلب والألومنيوم لتعويض انخفاض قيمة الليرة التركية.
وقال أنَّ التعريفات على الألومنيوم التركي ستزداد لتصل إلى 20%، وكذلك ستزداد التعريفات على الصلب لتصل إلى 50%.
وقبل ذلك بأيام وتحديداً في 25 يوليو/تموز 2018 أعلن دونالد ترمب أنه أبرم اتفاقاً مبدئياً مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي لتجنب حرب تجارية شاملة.
ووفقاً للاتفاق سيقوم الاتحاد الأوروبي باستيراد المزيد من فول الصويا الأميركي والغاز الطبيعي، وتعديل اللوائح الخاصة بمساعدة الأجهزة الطبية على التداول بسهولة أكبر، وسيعمل الجانبان على خفض التعريفات الصناعية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد هدد بفرض رسوم جمركية على 20 مليار دولار من السلع الأميركية إذا فشلت المحادثات بعد قرارات للرئيس الأميركي لتلك التي اتخذها مع الصين وتركيا .
والكل غاضب مما يفعله هذا الرجل
وأثار استخدام ترمب المُوسَّع لذلك النفوذ غضباً من جانب الشركاء التجاريين حول العالم، الذين قالوا إنَّه انتهك حدود منظمة التجارة العالمية بمثل هذه القيود التجارية، وأضر بالحلفاء الذين لم يشكلوا تهديداً على أمن الولايات المتحدة. وتعتبر تركيا حليفاً وعضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وردت عديدٌ من البلاد بفرض رسومها الجمركية على الصادرات الأميركية.
وكانت تركيا من بين هذه البلاد، إذ فرضت في يونيو/حزيران 2018 ضرائب استيراد بقيمة 1.8 مليار دولار على الواردات الأميركية من الفحم والورق وجوز البندق والتبغ ومنتجاتٍ أخرى.
لكن تداعيات الأزمة أكبر من الليرة التركية.. إنه انحراف عن نهج أميركي منذ عقود
ويشكل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب الوارد من تركيا ، التي تكافح حكومتها أمام انهيار عملتها، انحرافاً عن الطريقة التي اعتادتها الولايات المتحدة للتعامل مع الاضطرابات المالية التي تضرب الأسواق الناشئة، حسب وصف صحيفة The Wall Street Journal الأميركية.
فدوماً كانت واشنطن في العموم تحاول تهدئة الأسواق العالمية في مثل هذه اللحظات، ولا سيما عندما يستحوذ على المستثمرين الخوف من عدوى هذه الاضطرابات. بدلاً من ذلك، مارس ترمب مزيداً من الضغط على أنقرة، ورفع الرسوم الجمركية على ورادات الصلب التركية لتصل إلى 50%، وعلى الألومنيوم لتصل إلى 20%، وهو ما عمَّق من أزمة تراجع قيمة الليرة التركية، وساءت معه مخاوف السوق من أنَّ مصارفها قد تتزعزع.
هل هدف العقوبات إطلاق سراح القس الأميركي أم مآرب أخرى؟
لم يوضح مسؤولون من الإدارة الأميركية دوافع ترمب. وتعقب هذه الخطوة سلسلة من التحركات التي اتخذتها إدارة ترمب في الأسابيع الأخيرة لزيادة الضغط الاقتصادي على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كي يطلق سراح القس الأميركي الإنجيلي أندرو برانسون.
في المقابل، قال مسؤولون في الإدارة الأميركية يوم الجمعة 10 أغسطس/آب 2018 إنَّ مضاعفة الرسوم الجمركية ليست ذات صلة بالقس برانسون. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ليندسي والترز إنَّ الرسوم الجمركية ترمي إلى حماية الولايات المتحدة استناداً إلى أسباب تتعلق بالأمن القومي، وأنَّها ليست لها علاقة "بالمفاوضات حول التجارة أو أي قضية أخرى".
ولكن لماذا اقتصر الأمر على تركيا؟
وفي إعلانٍ رسمي عن الخطوة صدر مساء الجمعة، بعد حوالي 12 ساعة من إعلان الرئيس على موقع تويتر، قال البيت الأبيض إنَّ الخطوة اتُخذت لأنَّ الرسوم الجمركية الأصلية العالمية لم تقدم نفس القدر الذي رغبت فيه الإدارة لزيادة الإنتاج المحلي من الصلب والألومنيوم. ولم يفسر البيان السبب وراء تأثر تركيا وحدها برفع الإضافي للرسوم الجمركية.
ربط ترمب في تغريدته على ما يبدو بين الرسوم الجمركية والعلاقات المتوترة بين البلدين، مشيراً إلى استعداده فرض عقوباتٍ تجارية لتكون أداةً لتحقيق الأهداف الدبلوماسية الأميركية غير التجارية. وقال متحدثٌ باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض يوم الجمعة إن تركيا "ستخسر الكثير" إذا استمرت في اعتقال القس برانسون.
إذ يبدو أن ترمب يريد أيضاً تقليل مكاسب أنقرة من تراجع عملتها
لعل ترمب أيضاً يسعى لتحصين الولايات المتحدة من إمكانية وجود أي ميزة تجارية يمكن أن تستغلها تركيا من انخفاض سعر العملة، حسب الصحيفة الأميركية.
وكان ترمب قال قرب التاسعة صباح الجمعة بعد أن انخفضت الليرة التركية في الليلة السابقة بنسبة 14% أمام الدولار: "لقد أذنت للتو بمضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم فيما يخص تركيا، نظراً إلى أن عملتها، الليرة التركية، تنخفض بسرعة أمام (عملتنا) القوية جداً، الدولار!"، وأضاف في تغريدته: "علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة في الوقت الراهن!".
I have just authorized a doubling of Tariffs on Steel and Aluminum with respect to Turkey as their currency, the Turkish Lira, slides rapidly downward against our very strong Dollar! Aluminum will now be 20% and Steel 50%. Our relations with Turkey are not good at this time!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) August 10, 2018
ولكن هذه الأزمة تذكرنا بأن هناك انهيارات مالية عالمية بدأت بسبب دولة واحدة
وفيما يبدو أن ترمب يسعى لمعاقبة تركيا أساساً، فإن التاريخ القريب للاقتصاد يعلمنا أن انهيارات وأزمات مالية عالمية سابقة بدأت عندما عانت عملة دولة من الأسواق الناشئة من مشكلة سرعان ما تنتشر كالنار في الهشيم وتتحول لأزمة عالمية.
وقال شهاب جالينوس، رئيس الاستراتيجية العالمية للعملة في مجموعة كريدي سويس، إنَّه على مدى ثلاثة عقود من العواصف الدورية التي تضرب العملات، مثلما حدث من انهيارٍ للبيزو المكسيكي في أوائل التسعينيات، والأزمة الآسيوية بعد سنواتٍ قليلة "كان الافتراض الأساسي للسوق أنَّ الولايات المتحدة قد تحاول أن تقدم المساعدة" خلال أوقات التقلبات الشديدة في أسعار الصرف. والآن، لا يمكن للسوق افتراض ذلك".
ويمكن أن يحمل انهيار العملات الأجنبية مخاطر للأسواق الناشئة، خاصةً عندما تكون قد اقترضت مبالغ كبيرة بالدولار، ولذا يصعب رد هذه الديون في ظل انهيار عملاتها المحلية.
لم يستجب البيت الأبيض أو وزارة الخزانة الأميركية على طلبات التعليق بشأن الاستراتيجية الأكبر للإدارة تجاه عدم الاستقرار العالمي في سوق العملات، أو حول الاعتبارات الاقتصادية على خلفية زيادات الرسوم الجمركية، حسبما قالت The Wall Street Journal.
وها هو ترمب بموقفه من تركيا يخالف سياسة يجمع عليها الحزبان الجمهوري والديمقراطي وكانت بلاده المستفيد الأول منها
وبموجب استراتيجيته "أميركا أولاً"، سعى ترمب لإعادة توجيه السياسات الاقتصادية الأميركية، ليكسر بذلك إجماعاً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي استمر لفترة طويلة يفيد بأنَّ مهمة واشنطن كانت الأخذ بزمام المبادرة في توسيع وتعزيز واستقرار الروابط التجارية والمالية بين البلاد، وأنَّ مثل تلك العولمة كانت في صالح أميركا على نطاقٍ واسع، حتى إذا كانت غير مواتية لبعض الصناعات أو المجتمعات في الولايات المتحدة.
تحدى ترمب ذلك المعتقد التقليدي، وجادل بأنَّ مثل هذه السياسات قوَّضت من القوة الاقتصادية الأميركية. وأحيا سياساتٍ راكدة منذ فترةٍ طويلة لإعاقة الواردات التي يعتبرها تهديداً للولايات المتحدة، ونحَّى جانباً تحذيراتٍ بأنَّ مثل هذه التحركات يمكن أن تضر بنظام التجارة العالمي.
وجادل ترمب بأنَّ الولايات المتحدة ينبغي عليها أن تفعل المزيد من أجل استخدام نفوذها الاقتصادي والمالي لإجبار البلاد الأخرى على تغيير السياسات التي يعتبرها غير عادلة للولايات المتحدة.
وإذا ترك الليرة تنهار فإن التداعيات لن تشمل تركيا.. فهذه الدول قد تعاني من اضطرابات
ويُلمِّح ذِكر ترمب لتراجع الليرة التركية إلى اعتزامه إغماض عينه عن انهيار هذه العملة.
وانخفضت الليرة التركية بنسبة 9% أخرى من قيمتها في أعقاب تغريدة الرئيس ترمب، ثم استعادت بعضاً من هذه الخسائر.
وتسببت أزمة العملة التركية في حالة عدم استقرار بأسواقٍ ناشئة أخرى مثل جنوب إفريقيا وروسيا، في ظل قلق المستثمرين من حدوث حالة ضعفٍ مماثلة هناك. وتسببت كذلك في هزةٍ في البورصات الأوروبية وفي عملة اليورو؛ لأنَّ المستثمرين يركزون على التكاليف المحتملة على المصارف الأوروبية التي لديها ديون تركية.
وقال تشاد براون، وهو خبير تجاري في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي وناقد دائم للاستراتيجية التجارية للإدارة: "إذا طرأت أزمة في مكان ما من العالم مع إمكانية انتقال عدواها، فماذا سيكون رد فعل الرئيس ترمب؟ التعاون مع العالم وإظهار القيادة؟ أم (فرض) مزيدٍ من الرسوم الجمركية؟ لم تكن هذه إشارةً جيدة".
والغريب أنه عندما تعرضت دولة ليست عضواً في الناتو لموقف مشابه وافق ترمب على دعمها، إذ اتفقت إدارة ترمب في يونيو/حزيران 2018 على دعم قرضٍ إنقاذ للأرجنتين من صندوق النقد الدولي بقيمة 50 مليار دولار، عندما انتاب القلق كثيراً من المستثمرين من أنَّ الأزمات التي تمر بها البلاد يمكن أن تثير حالةً إقليمية أو عالمية أكبر من عدم الاستقرار.
الأسوأ أن البعض يتوقع أنه سيستخدم ذات السلاح في مواجهة دول أخرى
وتشير تغريدة الرئيس ترمب أيضاً إلى إمكانية استخدام السياسة التجارية للإدارة بصورةٍ جديدة؛ وهي استخدام الرسوم الجمركية استجابةً لضعف عملة أي شريكٍ تجاري.
قرأ بعض التجار والاقتصاديين بيان ترمب على أنَّه مؤشرٌ بأنَّ زيادة الرسوم الجمركية صُمِّمت لتعويض تأثير تراجع الليرة؛ لأنَّ الليرة التركية ذات القيمة الأقل يمكن أن تجعل الصلب والألومنيوم التركي أرخص عند بيعها في الولايات المتحدة، معوضاً بذلك كثيراً من الأثر المنشود من هذه الرسوم الجمركية.
وحثَّ بعض نقاد التجارة الحرة لأعوام الرؤساء بأنَّ يستخدموا الرسوم الجمركية سلاحاً عندما يجني المصدرون في البلاد الأخرى كسباً غير متوقع من انخفاض العملة.
ولم تستجب الإدارات الأميركية السابقة لهذه المطالب، وجادلت بأنَّ مثل هذه الإجراءات يمكن أن تكون غير ناجعة، وربما تتسبب في مزيدٍ من زعزعة أسواق العملات.
وعندما قالت الإدارة في وقتٍ سابق من هذا الشهر إنَّها سترفع الرسوم الجمركية المفروضة على 200 مليار من الواردات الصينية من 10% إلى 25%، كان التراجع الأخير لليوان الصيني أحد الأسباب التي طُرِحَت لتفسير هذا التحرك.
اقرأ أيضاً