انخفض سعر صرفها إلى أدنى مستوياته أمام الدولار، منذ حذف الأصفار الستة مطلع 2005؛ ليتجاوز سعر الدولار الواحد 6.03 ليرة، وسط حالة جديدة من انهيار الليرة التركية التي خسرت أكثر من ثُلث قيمتها منذ بداية العام، وسط ضغوط متزايدة على الحكومة لرفع سعر الفائدة.
ومع غياب أي أفق لحل جوهري للخلافات التركية الأميركية، يتوقع مراقبون أن يستمر انخفاض الليرة التركية ليصل إلى 7 ليرات مقابل الدولار الواحد.
وتوقع بنك غولدمان ساكس الأميركي أن يستمر انخفاض البئر التركية، ليصل إلى 7.1 ليرة مقابل الدولار، مما يهدد بتآكل رؤوس الأموال الاحتياطية المخزنة لدى البنوك لأوقات الأزمات.
وفي حين يؤثر هذا الانخفاض سلباً على القوة الشرائية للمواطنين الأتراك وعلى المستثمرين الأجانب والأسواق العالمية، تتجه الأنظار إلى الخطوة المقبلة للحكومة التركية التي أعلنت عزمها إطلاق "نموذج اقتصادي جديد".
يهدف هذا النموذج حسب وزارة الخزانة والمالية التركية، لتحقيق نمو بنسبة 3-4% في عام 2019، وخفض التضخم إلى خانة الآحاد وهو هدف لم تتمكن الحكومات التركية من تحقيقه لست سنوات متتالية، وخفض العجز في الحساب الجاري إلى 4 % والعجز في الموازنة الحكومية إلى 1.5%.
ولكن أسباب تدهور الليرة الرئيسية في الفترة الأخيرة لا ترتبط كلها بخطط الحكومة، ويُعتقد أن القشة التي قصمت ظهر البعير أتت من خارج تركيا وليس من داخلها.
انهيار الليرة التركية .. لماذا؟
بسبب الخلاف مع الولايات المتحدة، الذي يهزّ ثقة المستثمرين الأجانب بتركيا، ويدفعهم لبيع سندات الليرة التركية التي يملكونها، مما يُفقد تركيا المزيد من الدولارات ويُخفّض قيمة الليرة مباشرةً.
فباعتبارها اقتصاداً ناشئاً، اعتمدت تركيا منذ عشر سنوات على الاستثمارات الأجنبية في سد العجز لديها من الدولار، الذي يعود إلى أن وارداتها بالدولار التي تشكل الطاقة جزءاً كبيراً منها هي أقل من صادراتها.
ولتحقيق ذلك، تُصدر المؤسسات المالية التركية سندات حكومية بفائدة تفوق فائدة السندات الأميركية، وبالنظر إلى قوة الاقتصاد التركي من حيث النمو وجاذبيته للمستثمرين، نجحت هذه الآلية في رفد أنقرة بكميات كبيرة من الدولار، حتى الآن.
رغم نجاعة هذه الآلية في سد العجز، لكنها تدل على هشاشة الاقتصاد التركي، فالدولار الذي تحتاجه تركيا يعتمد على أمر أساسي: ثقة الولايات المتحدة التي تقود ثقة الأسواق، فما إن اهتزّت ثقة الولايات المتحدة بتركيا حتى خاف المستثمرون وبدأوا يبيعون ما لديهم من سندات تركيا؛ لتبدأ الليرة سقوطها الذي لا تُعرف نهاية له.
3 أسباب سياسية
بل إن الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة أكثر من ثلاثة، ولكن سنتناول 3 أسباب أقرب زمنياً وأكثر إلحاحاً للتصعيد الأخير بين البلدين.
الأول، هي مسألة القس برونسون، ومما يثير العجب أنّها – رغم تسبّبها بالأزمة الراهنة – تمثل الخلاف الأصغر نسبياً بين البلدين، وقد اتفق الطرفان تقريباً في وقت سابق على إحالتها إلى القضاء.
الثاني، هي العقوبات على إيران، والتي يتوقع أن يكون ضررها على تركيا أطول أمداً من سابقتها، خاصة بعد أن أدركت الإدارة الأميركية قوة الورقة التي تمسكها ضد تركيا، ورقة الاقتصاد.
الثالث، السياسات المحلية الأميركية. ذكر مصدر مطّلع من واشنطن لـ "عربي بوست" أن إدارة الرئيس ترمب لم تكن تنوي اتخاذ قرار فرض العقوبات ضد تركيا، خاصة مع وجود تقدم في المفاوضات بشأن القس برونسون تمثل في نقله من السجن إلى الإقامة الجبرية لظروفه الصحية.
لكن نائب الرئيس الأميركي الإنجيلي مايك بينس تدخل دون سابق إنذار، وأقنع ترمب بفرض العقوبات. ويُعتقد أن ما دفع ترمب وبينس هو الحفاظ على أصوات الإنجيليين في وقت تنتظر فيه الولايات المتحدة الانتخابات النصفية لأعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ وحكام الولايات.
هل الحل في رفع الفائدة؟
تزايدت الضغوط منذ الأسبوع الماضي على البنك المركزي التركي لرفع سعر الفائدة، بهدف جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وإقناع بعض الاستثمارات الموجودة بالبقاء، ورغم أن رفع الفائدة هي أداة قياسية من أدوات الاقتصاد الكلي فإن نجاحها ليس مضموناً في هذه الحالة.
في اجتماعها خلال شهر يوليو/تموز الماضي، أعلنت لجنة السياسات النقدية التابعة للمركزي التركي، إبقاء سعر الفائدة دون تغيير، لكن الضغوط المتراكمة من اقتصاديين أتراك وأجانب قد تدفعها إلى تغيير قرارها.
وذكر الكاتب التركي إردال صاغلام، أن البنوك والمؤسسات المالية التركية لا تتوقع رفع الفائدة في تركيا التي تطالب بها المؤسسات المالية والمحللون الأجانب، وذلك لأن هبوط الليرة الأخير لا يرتبط بأسباب محلية وإنما بخلاف خارجي.
وأشار إردال إلى وجود أزمة ثقة عميقة، فحتّى إذا حُلّت مسألة القس برونسون، من غير المُرجّح أن تتعافى الليرة أو تعود ثقة الأسواق العالمية في تركيا، إلا بعد سماعها تصريحات أميركية رسمية واضحة ومُقنعة.
كيف يبدو الاقتصاد التركي من الداخل؟
شهدت الشهور الماضية منذ بداية العام، ارتفاعاً في عدد من السلع الأساسية والمواد الغذائية في المتاجر التركية، كما شهدت ارتفاعاً في رسوم فواتير الكهرباء والطاقة.
وعلى مستوى البنوك، أعرب البنك المركزي الأوروبي عن مخاوف من إعادة جدولة القروض التي قدمتها البنوك التركية بالعملات الأجنبية، التي تشكل 40% من أصول قطاع البنوك في تركيا.
وقد ظهرت مخاوف من عزوف البنوك التركية عن الإقراض، وذلك بعد أن أطلق تدهور الليرة سيلاً من مبيعات الليرة التركية وسندات الليرة التركية، في مسعى للمستثمرين للتخلص من خطر تدهور أصولهم المالية، لكن البنوك التركية أكّدت أن هذه المخاوف لا أصل لها.
إلا أن حسين آيدن، رئيس جمعية البنوك التركية، أكد أن هناك تطورات إيجابية من ناحية الإيداع في البنوك، الذي وصفه بأنه مؤشر يطمئن البنوك ويدفعها لتقديم المزيد من القروض، متوقعاً زيادة في القروض بحلول نهاية العام بنسبة 15-16%.
عطالة سياسية بسبب النظام الرئاسي
يتولى الوزراء مسؤوليات حسب اختصاص كل منهم في النظم الرئاسية والبرلمانية، ويقدمون تقاريرهم للرئيس أو لرئيس الوزراء، ولكن في ظل النظام الرئاسي التركي الجديد ظهرت فجوات بين الرئاسة والوزارات أو الإدارات التابعة للرئاسة.
أشار الكاتب التركي مراد يتكين إلى مظهرين "للعطالة السياسية" التي انكشفت في ظل النظام الجديد.
الأول هو التناقض بين تعهّد الرئيس أردوغان بصرف عام هائل في المشاريع المندرجة ضمن خطة المئة يوم للحكومة التركية، وبين تأكيد وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق أن أولوية الحكومة هي مكافحة التضخم بتخفيض الصرف العام.
والمظهر الثاني هو التلكّؤ في الحكومة والشؤون البيروقراطية في أنقرة، الذي قد يعود حسب يتكين، إلى الغموض في الآليات الثانوية لاتخاذ القرار و/أو في آليات تنفيذ القرارات.
أشار يتكين إلى تردد وزراء وبيروقراطيين أتراك في اتخاذ خطوات ملموسة، خوفاً من ارتكاب خطأ في ظل غياب التوجيهات والإرشادات السياسية الواضحة.
لاحظ هذه الظاهرة مؤخراً ممثلو السفارات والبنوك والشركات الأجنبية في تركيا، في الوقت الذي تدعو فيه تركيا إلى مزيد من الاستثمارات المباشرة لتعزيز النمو الاقتصادي.
اقرأ أيضاً:
هل هناك مؤامرة وراء انهيار الليرة التركية؟ وهل يوقفها قرار الحكومة الأخير؟