تسلط صحيفة The New York Times الأميركية الضوء على خطوة واشنطن التي كافأت من خلالها السيسي بإعادة المساعدات بالرغم من حالة التضخم التي تعانيها السجون في مصر
وتشير إلى أن عدد السجناء بات كبيراً جداً، وذكرت من بين السجناء سائحة لبنانية أعلنت تذمُّرها من مصر على موقع فيسبوك، وناشطة أخرى منادية بالديمقراطية تحدثت عن التحرش الجنسي، وطالب دراسات عليا زائراً من إحدى الجامعات الأميركية أُلقي القبض عليه في حين كان يُجري بحثاً عن القضاء.
ويأمل والدا المصور الصحافي المصري محمود أبو زيد، الذي سلطت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) الضوء على قضيته، أن ينال ابنهما البراءة عندما يصدر الحكم في قضية يحاكم فيها، السبت 28 يوليو/تموز 2018، لكنهما يخافان إدانته بتهم، من بينها ارتكاب أعمال إرهابية.
وكان محمود أبو زيد، الشهير بلقب "شوكان"، احتُجز في 14 أغسطس/آب عام 2013، في أثناء التقاطه صوراً لفض قوات الأمن اعتصاماً مناهضاً للحكومة، قُتل خلاله المئات من مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وعدد من رجال الشرطة.
ويحاكم شوكان ضمن 739 شخصاً، بتهم تشمل الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وحيازة أسلحة، بالإضافة إلى القتل.
وأعلنت "اليونسكو" في أبريل/نيسان 2018، منح شوكان جائزتها لحرية الصحافة لعام 2018، وقالت إن احتجازه انتهاك لحقوق الإنسان. وانتقدت مصر منح الجائزة لشخص متهم بارتكاب جرائم جنائية.
وفي سيناء، يقول نشطاء حقوق الإنسان إنَّ الجيش هدم منازل 3 آلاف عائلة كجزءٍ من عملياته ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
إلا أن الصحيفة الأميركية ترصد التناقض الغريب في موقف الإدارة الأميركية بخصوص ملف حقوق الإنسان في مصر، وتسخر بقولها: أمَّا تقدير وزارة الخارجية الأميركية لتقدُّم حقوق الإنسان في مصر، فـ"ممتاز".
الإدارة الأميركية ترفع قيوداً عن جزء من المعونة الممنوحة مصر
إذ قال مسؤولٌ بوزارة الخارجية الأميركية إنَّ وزير الخارجية مايك بومبيو رفع هذا الأسبوع، القيود المفروضة على 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية الممنوحة لمصر، كانت قد جُمِّدَت العام الماضي (2017) احتجاجاً على سجل حقوق الإنسان المريع في مصر وعلاقتها مع كوريا الشمالية.
وأضاف المسؤول أنَّ المساعدات أُعيدت استجابةً للخطوات التي اتخذتها مصر بشأن مخاوف أميركية محددة، دون تحديد ماهية تلك المخاوف.
لكن بعض الجماعات الحقوقية انتقدت موقف الإدارة الأميركية
وانتقدت مجموعات حقوقية قرار بومبيو، قائلةً إنَّه أهدر ورقة ضغط قوية على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في وقتٍ يبدو فيه أنَّ سجله الحقوقي لا يزداد إلا سوءاً.
قال بريان دُولي، من جمعية "Human Rights First-حقوق الإنسان أولاً"، وهي مجموعة حقوقية أميركية: "القمع يُولّد السخط، وفي بعض الحالات التطرف. سيؤدي هذا في نهاية المطاف، إلى مزيد من عدم الاستقرار في مصر وتقويض المصالح الأميركية".
ويقول المسؤولون الأميركيون إنَّهم حجبوا 195 مليون دولار من المساعدات؛ للضغط على مصر بشأن مجموعة محدودة من القضايا. وتريد إدارة ترمب من السيسي إسقاط إدانة 43 موظفاً بمجموعات دولية تُروِّج للديمقراطية في 2012، من بينهم 17 مواطناً أميركياً.
وتريد الإدارة الأميركية كذلك أن يلغي السيسي قانوناً قاسياً يُنظِّم وكالات المساعدات وقَّعه العام الماضي (2017)، والذي قد يجعل من المستحيل تقريباً على الكثير من وكالات المساعدات الدولية العمل في مصر.
لكنَّ تلك المطالب قُدِّمَت سراً، وقال خبراء إنَّه ليس واضحاً مدى التنازلات التي قدَّمها المصريون. ويبدو محتملاً أن يستغل السيسي استئناف المساعدات كإثبات لصحة أفعاله حتى الآن، وربما سيشعر بالجرأة لتصعيد قمعه.
قال أندرو ميلر، من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: "تلبية مصر أياً من تلك الشروط تُعَد أمراً جدلياً للغاية. لكن المصريين سيُصوِّرون هذا القرار باعتباره مباركةً أميركية لسياساتهم".
ولَم تعبأ الإدارة الأميركية بالنقد وسَعَتْ إلى تبني المستبدين مثل السيسي
ويعكس قرار المساعدات الفحوى الجديدة للسياسة الخارجية الأميركية في عهد بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، اللذين أظهرا استعداداً لمبادلة الزعامة الأميركية في مجال حقوق الإنسان بتبني المستبدين المواتين مثل السيسي، الذي يشاركهما كراهيتهما للإسلام السياسي.
ولطالما تمتع السيسي بعلاقةٍ دافئة مع الرئيس ترمب، الذي أشاد بالرئيس المصري باعتباره "رجلاً رائعاً"، وأثنى علانيةً حتى على ذوقه في الأحذية. لكنَّ الرئيس المصري قضى وقتاً أصعب مع وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، الذي حرم مصر في أغسطس/آب 2017، من 96 مليون دولار من المساعدات، وعلَّق 196 مليوناً أخرى.
وصُدِم المسؤولون المصريون من هذا التوبيخ من الولايات المتحدة، التي منحت مصر على مدار الأعوام الـ40 الماضية 47 مليار دولار من المساعدات العسكرية و24 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية.
وقِيل إنَّ تيلرسون كان غاضباً من حنث السيسي بتعهُّدٍ خاص، قطعه في واشنطن، بألا يُوقِّع القانون القاسي المُتعلِّق بتنظيم وكالات المساعدات. وفي مايو/أيار 2017، مضى السيسي قدماً ووقَّع القانون على أي حال.
سعى تيلرسون أيضاً للضغط على مصر بشأن علاقتها مع كوريا الشمالية، التي تدير سفارة كبيرة في القاهرة تستخدمها لتنفيذ صفقات أسلحة غير شرعية في أنحاء الشرق الأوسط، بحسب مفتشي الأمم المتحدة.
في المقابل قدَّم السيسي تنازلات لترمب من أجل استعادة جزء المعونة المقتطع
وعالجت حكومة السيسي جزئياً بعض المخاوف الأميركية. فمن المقرر أن تُعاد المحاكمة في القضية التي تضم 43 عامل إغاثة أجنبياً، أُدين الكثيرون منهم غيابياً، هذا العام (2018). ووصل إلى تفاهمات في ملف كوريا الشمالية.
لكنَّ ميلر، المحلل السياسي الذي عمل على الملف المصري في وزارة الخارجية الأميركية حتى العام الماضي (2017)، قال إنَّ تلك القيود يمكن التغلب عليها بسهولة عن طريق استخدام الإجراءات الحسابية، مثل حساب دبلوماسيين باعتبارهم أزواجاً (لدبلوماسيين آخرين في السفارة). وأضاف: "إن كان الماضي مؤشراً، فإنَّنا سنرى، بمجرد أن تشيح الولايات المتحدة بناظريها في الاتجاه الآخر، سيعزز المصريون علاقتهم مع كوريا الشمالية مجدداً".
وعلى معظم الجبهات الأخرى، أصبحت الأمور أسوأ على نحوٍ ملحوظ في مصر. فمنذ إعادة انتخاب السيسي في مايو/أيار 2018، بعد انتخاباتٍ مُتحكَّم فيها بحرص، أعاد الرئيس مضاعفة جهوده لاحتجاز حتى المنتقدين المعتدلين نسبياً.
وأُصيب سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق الذي زُجَّ به في السجن حين تجرَّأ ووقف ضد السيسي بالانتخابات في أبريل/نيسان 2018، مؤخراً، بسكتة دماغية أدَّت إلى إصابته بالعجز، وذلك بحسب ما قاله أحد أقربائه المقربين في مقابلة.
وقال قريبه إنَّ مُعتقِليه العسكريين رفضوا طلبات إجراء عملية جراحية طارئة له في الخارج.
ويخضع شادي الغزالي حرب، وهو جرَّاح وناشط سُجِن في مايو/أيار 2018، بسبب تعليقاته المنتقدة للسيسي على الشبكات الاجتماعية، للحجز الانفرادي، بحسب ما قالته زوجته فاطمة مراد في مقابلة. وأضافت: "شادي يعتقد أنَّ السيسي يريد عقابه".
وحتى السياح ليسوا بمأمن؛ إذ أُلقي القبض هذا الشهر (يوليو/تموز 2018) على سائحة لبنانية بعد نشرها مقطع فيديو مدته 10 دقائق، شكت فيه، بعبارات قاسية، من التحرش بها في شوارع القاهرة. وأدانتها إحدى المحاكم؛ لنشرها الشائعات، وحكمت عليها بالسجن 8 سنوات. ومن المقرر أن يُنظَر في استئنافها يوم 29 يوليو/تموز 2018.
ويقول المنتقدون إنَّ مصر تهدر الكثير من المساعدات العسكرية التي تتلقاها؛ إذ تسرف في الإنفاق على الدبابات والطائرات الباهظة بدلاً من التدريب -الأقل جاذبية لكن أكثر نفعاً- لجيشها على مكافحة الإرهاب.
لكنَّ آخرين يجادلون بأنَّ الانخراط الأميركي الكامل ضروري لمساعدة السيسي على محاربة المتطرفين الإسلاميين الموجودين في سيناء، الذين قاموا بتفجيرات كثيرة للكنائس والمساجد في أنحاء مصر العام الماضي (2017).
وقال صامويل تادرس، من مركز الحرية الدينية بمعهد هدسون، أمام جلسة استماع في الكونغرس هذا الأسبوع: "الولايات المتحدة لا يمكنها ببساطةٍ تجاهل مصر. التخلي ليس استراتيجية، ولن تؤدي الحلول المُتخيَّلة المتعلقة بقطع المساعدات الأميركية إلى تحوُّل مصر إلى ديمقراطية ليبرالية".
وكانت المساعدة العسكرية الأميركية لمصر عُلِّقت جزئياً في 2013 من قِبل ادارة الرئيس باراك اوباما، رداً على قمع مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي، قبل أن تُستأنف في مارس/آذار 2015، بقيمة 1.3 مليار دولار سنوياً.
وفي أغسطس/آب 2017، وافقت إدارة الرئيس دونالد ترمب على تجميد 195 مليون دولار "بانتظار تحقيق تقدُّم في الديمقراطية"، وعبَّرت خصوصاً عن قلقها بعد صدور قانون للمنظمات غير الحكومية.
وردَّت القاهرة بحدَّة على القرار الأميركي، وأعلن الرئيس الأميركي أنه يدرس الإفراج عن المساعدات بأكملها.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنه "لا تزال هناك بعض النقاط المثيرة للقلق، وسنواصل التشديد بشكل واضح على ضرورة تحقيق تقدُّم".
وتندد المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، بشكل متواصل، بالانتهاكات الكثيرة لحقوق الإنسان التي تُرتكب في مصر.
وأورد أحدث تقرير للخارجية الأميركية بشأن حقوق الإنسان والذي صدر في أبريل/نيسان 2018، مجموعة واسعة من قضايا حقوق الإنسان في مصر، منها التعذيب، والقيود على حرية التعبير، وسيطرة الحكومة على المنظمات غير الحكومية، ومحاكمة المدنيين عسكرياً.