شهدت محافظات جنوب العراق تظاهرات واحتجاجات غاضبة تندد بسياسة الحكومة العراقية، لتطالبها بتوفير الخدمات التي كفلها الدستور العراقي، الكهرباء والماء العذب.
ومن أجل ذلك اتجهت الحكومة العراقية إلى السعودية والكويت لتوليد الكهرباء للسيطرة على هذه التظاهرات بعد توقف خط الغاز الإيراني، الذي تسبب في وقف عمل 4 محطات كهربائية في وسط وجنوب العراق بسعة 1300 ميغاواط، حسب مسؤول في وزارة الكهرباء العراقية.
العراق يفقد 1300 ميغاواط بعد توقف الخط الإيراني
وقال مسؤول في وزارة الكهرباء لـ"عربي بوست"، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن وفداً فنياً من الوزارة توجه في الأيام الماضية إلى العاصمة الإيرانية طهران، والتقى خلال زيارته بوزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان وكادر الوزارة لمناقشة أسباب توقف الخط الإيراني عن العمل وإعادة تصدير الغاز الإيراني للمحطات الكهربائية في العراق.
إلا أن الوزير الإيراني رفض طلب الوفد بتزويد العراق بالغاز الطبيعي لتشغيل المحطات "لأسباب غير معروفة"، على حد تعبيره.
وأضاف أن العراق يعتمد على الخط الإيراني في توليد المحطات الكهربائية، خاصة في فصل الصيف، "بعد توقف الخط الإيراني عن العمل فقدنا 1300 ميغاواط في مجال الطاقة الكهربائية"، ومن سنة 2016 – 2018 قامت وزارة الكهرباء بتسديد نصف مليار دولار للجانب الإيراني عن قيمة الديون المتراكمة على العراق.
وفد فني عراقي سيزور السعودية
بشأن إيعاز رئيس الوزراء حيدر العبادي لوزير الكهرباء قاسم الفهداوي بالتوجه للسعودية لتوقيع اتفاقية في مجال الطاقة، أوضح المسؤول في وزارة الكهرباء، أن الوفد برئاسة الفهداوي ووزير التخطيط سلمان الجميلي أجلت زيارته إلى نهاية الشهر الحالي، إلا أن "هناك وفد فني من وزارات التخطيط والكهرباء والنفط والنقل سيتوجه إلى العاصمة السعودية الرياض يومي الأحد والإثنين 22 و23 يوليو/ تموز".
وأضاف أن الوفد الفني سيلتقي بالمسؤولين في وزارة الطاقة والصناعة السعودية لإعداد ورقة مشتركة بين الجانب العراقي والسعودية وتهيئة الأجواء للوفد الوزاري لزيارة السعودية في نهاية الشهر الحالي.
وأوضح "إلا أن هناك وفداً آخر سيتوجه في الأيام المقبلة إلى الكويت للاتفاق مع المسؤولين في دولة الكويت على تزويد المحطات الكهربائية بالوقود بعد توقف الخط الإيراني عن العمل".
الكويت تزود العراق بـ 50 سيارة وقود توليد المحطات الكهربائية
وأشار المسؤول العراقي إلى أن السعودية والكويت كل منهما بدأت دعمها للعراق عبر تزويد المحطات الكهربائية المتوقفة بالوقود لإعادة تشغيلها، الكويت أرسلت صباح الخميس 19 يوليو/تموز، بواسطة 50 سيارة إلى محافظة البصرة جنوب العراق.
لا كهرباء ولا ماء في البصرة
"التظاهرات والاحتجاجات مستمرة لحين توفير الخدمات للمواطن العراقي"، هذا ما يؤكده الشيخ منصور التميمي أحد شيوخ العشائر وقادة التظاهرات في محافظة البصرة جنوب العراق.
يقول التميمي لـ"عربي بوست"، إن قرارات مجلس الوزراء غير حاسمة، "اللجنة الوزارية لم تأت بحلول واقعية ولا تطبق على أرض الواقع، المواطن يريد شيئاً ملموساً من الحكومة بتوفير الكهرباء والماء العذب بدلاً عن المالح، التظاهرات والاحتجاجات مستمرة لحين تحقيق مطالب المواطن العراقي".
وأضاف أن العراقيين خرجوا في تظاهرات غاضبة بعد ارتفاع درجات الحرارة وتجاوزها 50 درجة مئوية، وتوقف الخط الإيراني عن تزويد محافظات جنوب العراق بالكهرباء، "الحكومات المتعاقبة على العراق صرفت مليارات الدولارات على إنتاج وتوليد الكهرباء، محافظة البصرة جنوب العراق وقعت عقداً سابقاً مع شركة داو الخليجية على إنتاج وتوليد الكهرباء لمدن المحافظة بتكلفة 125 مليون دولار، لكن المشروع فشل ولم ينجز بسبب الفساد القائم بين المقاول حسن العراقي ومحافظ البصرة السابق ماجد النصراوي".
تظاهرات عفوية وأخذت تأييدها من المرجعية
ولفت أحد شيوخ عشائر جنوب العراق، إلى أن التظاهرات والاحتجاجات التي خرجت في البصرة ومحافظات جنوب وسط العراق عفوية وشعبية، وأخذت تأييدها من المرجعية الدينية وغير تابعة لأحزاب السلطة أو دول الخارج، مستغرباً من وصف المسؤولين العراقيين للمتظاهرين بـ"المندسين والدواعش والإرهابيين والبعثية".
وأشار التميمي إلى أن أحد أسباب التظاهرات والاحتجاجات الشعبية هو سياسة الشركات الأجنبية في توظيف العاملين في الحقول النفطية، "هي توظف الأجانب من جنسيات مختلفة على حساب العراقيين".
ويقدر عدد الأجانب في الحقول النفطية في جنوب العراق بأكثر من 5 آلاف أجنبي، "لابد من الحكومة العراقية من الضغط على تلك الشركات لفتح باب تدريب وتوظيف العمال العراقيين للعمل في حقول النفط بدلاً عن هؤلاء الأجانب"، على حد تعبيره.
إلى ذلك حذر هيثم هادي نعمان الكاتب والمحلل السياسي العراقي في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط من افتعال حرب أهلية في العراق، مشيراً إلى غضب الشارع العراقي من السياسيين وتمسك الأحزاب بالسلطة.
السعودية تستثمر بالعراق من أجل تقليص النفوذ الإيراني
يقول نعمان لـ"عربي بوست"، إن على العراق الاعتماد على نفسه في إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية والتخطيط للمستقبل، وعدم الاعتماد على دولة محددة في توليد الكهرباء لكي لا يكون أسيراً لدى تلك الدولة، على الحكومة العراقية فتح باب الاستثمار لدول المنطقة كالسعودية والكويت وتركيا لتوليد الكهرباء للعراق.
وأوضح، أن "السعودية بإمكانياتها المالية يمكن لها استغلال فرصة للاستثمار سياسياً واقتصادياً لتطوير علاقاتها والإثبات لأهل الجنوب عن عمق العلاقة العربية وبأنها أكثر قوة من الطائفية، السعودية قادرة على استثمار الأموال لإعادة بناء العلاقات مع العراق وتبديل نفوذها بالنفوذ الإيراني.
وبين نعمان، أن الأفضل للعملية السياسية في العراق الخروج من الأزمة وتغيير القوى السياسية واختيار شخصية أكاديمية ومستقلة لتشكيل حكومة إنقاذ وطني بعيدة عن التوجهات الطائفية لحماية العراق من الأحزاب والحرب والتقسيم الطائفي، إلا أن ما يحدث حالياً قد يتسبب في حروب داخلية خطيرة على مستقبل العراق، خاصة أن الوضع الجغرافي لمدن العراق منقسم بين الشيعة والسنة والأكراد وانسحاب القوات الأمنية والفصائل المسلحة من المناطق لحماية المتظاهرين ومؤسسات الدولة قد يؤدي إلى عودة داعش الإرهابي إلى المناطق التي يسيطر عليها في عام 2014، ليستغل الأكراد ذلك للانفصال عن العراق على اعتبار أن البلاد أصبحت دولة غير مستقرة أمنياً.