لبنان مسرحاً جديداً للمواجهة.. استقالة الحريري المفاجئة تفتح فصلاً من الحرب الباردة بين الرياض وطهران

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/05 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/05 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش

يثبت إعلان استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري المفاجئ من السعودية حدة الصراع المتنامي بين طهران والرياض، ويثير الخشية من تصاعد التوتر في الداخل اللبناني ومن مواجهة إقليمية على أراضي هذا البلد الصغير والهش.

وفي خطوة مفاجئة، أعلن الحريري في خطاب متلفز بثته قناة "العربية" السعودية السبت استقالته من منصبه الذي عين فيه بحكم تسوية سياسية بين الفرقاء اللبنانيين، حاملاً على كل من إيران وحزب الله.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان لوكالة الصحافة الفرنسية "هذا قرار خطير، وله تبعات أكبر من أن يتحملها لبنان".

بدأت الحرب الباردة..

وشهد لبنان منذ العام 2005 أزمات سياسية حادة ومتلاحقة خصوصاً بسبب الانقسام بين فريقي الحريري وحزب الله. وغالباً ما تفجر الاحتقان توترات أمنية تارة عبر اغتيالات وطوراً عبر مواجهات مسلحة.

وأوضح خشان أن "الحريري بدأ الحرب الباردة اللبنانية، التي ممكن أن تتحول إلى حرب داخلية برغم أنه ليس هناك منافس لحزب الله على الصعيد العسكري في لبنان".

وفي تشرين الأول/نوفمبر 2016، كُلف الحريري، المولود في السعودية، رئاسة الحكومة بموجب تسوية سياسية أتت بحليف حزب الله الأبرز ميشال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية بعد عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي.

ومنذ التسوية التي أوصلته إلى سدة رئاسة الوزراء وتشكيله الحكومة في أواخر 2016، شهد لبنان هدوءاً سياسياً نسبياً، وتراجعت حدة الخطاب السياسي اللاذع.

ومنذ أيام قليلة، زار الحريري السعودية مرتين والتقى مسؤولين بينهم ولي العهد محمد بن سلمان.

وبعد عودته من الزيارة الأولى، التقى الحريري في بيروت الجمعة مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي. وما هي إلا ساعات حتى توجه مجدداً إلى السعودية ليفاجأ الشارع اللبناني في اليوم التالي بإعلان استقالته.

وقال الحريري في خطاب الاستقالة أن إيران "تطاولت على سلطة الدولة وأنشأت دولة داخل الدولة (…) وأصبح لها الكلمة العليا". واتهم حزب الله، المشارك في الحكومة، بـ"فرض أمر واقع بقوة سلاحه".

وردت وزارة الخارجية الإيرانية باعتبار الاستقالة بمثابة "سيناريو جديد لإثارة التوتر في لبنان والمنطقة".

"معركة كسر عظم"

وأتى خطاب الحريري وسط حالة من التوتر الشديد بين السعودية وإيران.

وتقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف فاديا كيوان "الاستقالة توقيتها مفاجئ والمكان الذي أعلنت منه مفاجئ"، إلا أن القرار ليس مفاجئاً "لأن هناك جو مواجهة منذ فترة (…) وأحداثاً متلاحقة في المنطقة تظهر أن هناك منعطفاً مقبلاً".

وتضيف "هناك مواجهة كسر عظم بين السعودية وإيران" ستنعكس بالضرورة "مواجهة" بين الأطراف السياسية اللبنانية.

والحريري هو الوريث السياسي لوالده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري الذي قتل في تفجير استهدفه في العام 2005. واتهمت المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتياله خمسة عناصر من حزب الله بالتورط في العملية.

وخاض الحريري منذ دخوله معترك السياسة قبل 12 عاماً مواجهات سياسية عدة مع حزب الله، لكنه اضطر مراراً إلى التنازل لهذا الخصم القوي، وربما الأقوى على الساحة اللبنانية سياسياً وعسكرياً.

وترى كيوان أن "وجود قوى سياسية لديها أفكار متناقضة داخل الحكومة كان من شأنه أن يشل عملها، أو يفجر الوضع سياسياً"، محذرة أيضاً من فراغ سياسي "قاتل (…) كون حكومة تصريف أعمال تجعل البلد يهترئ على نار خفيفة".

ويتلقى حزب الله دعماً سياسياً وعسكرياً كبيراً من إيران، وهما يساندان النظام السوري في النزاع الجاري في هذا البلد. ورفض الحريري على الدوام مشاركة حزب الله عسكرياً في النزاع في سوريا.

ولطالما كان الحريري حليفاً للرياض التي كانت تضخ أموالاً ومساعدات على نطاق واسع للبنان لدعم موقف حلفائها. وحصل فتور خلال الفترة الأخيرة بينها والحريري الذي أخذت عليه خضوعه لإرادة حزب الله.

ولكن خطاب الحريري من السعودية مؤشر على فتح فصل جديد من الحرب الباردة بين الرياض وطهران على الساحة اللبنانية.

ويقول الكاتب السياسي سركيس أبو زيد لوكالة الصحافة الفرنسية أن استقالة الحريري بمثابة "رسالة كبيرة من السعودية إلى لبنان وإيران، وهذا يؤكد أن هناك مواجهة مفتوحة" بين طهران والرياض لها انعاكساتها على لبنان.

حرب على حزب الله؟

وتؤكد كيوان أن "السعودية لا تريد أن يبقى (الحريري) رئيساً لحكومة فيها حزب الله".

وصعدت السعودية مؤخراً من خطابها ضد إيران وحزب الله على لسان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، الذي التقى بالحريري قبل أيام في الرياض.

وكان السبهان دعا الشهر الماضي إلى تشكيل "تحالف دولي" ضد حزب الله الذي تصنفه الرياض "إرهابياً" وعدم الاكتفاء بالعقوبات التي تفرضها واشنطن عليه.

ويرى خشان في استقالة الحريري أبعد من توتر داخلي لبناني، بل يحذر من تصعيد إقليمي ضد حزب الله قد يتحول إلى حرب عسكرية.

ويقول "الحكومة حُلت وبالتالي حزب الله لم يعد ممثلاً فيها، ما يعني أن أي تدخل ضد حزب الله لن يكون ضربة ضد الدولة".

ومنذ العام 2013، استهدفت إسرائيل مراراً مواقع وقوافل أسلحة لحزب الله في سوريا. وحذرت مراراً من أنها لن تسمح بأن يستخدم حزب الله في سوريا سلاحاً يمكن أن يشكل تهديداً لها.

ويقول مُحلِّلون ومسؤولون من مختلف ألوان الطيف السياسي بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إنَّ الاستقالة أذنت بمخاطر جديدة. فإذا جاءت الحكومة التالية أكثر موالاةً لحزب الله، فقد يقود ذلك إلى عقوباتٍ مُدمِّرة حسبما قالوا. وقد يزيد حتى من فرص نشوب حربٍ جديدة مع إسرائيل، التي سترى مبرراً إضافياً لحجتها القائلة بأنَّه لا يوجد فارق كبير بين حزب الله والدولة اللبنانية.

وقال علي رزق، وهو محلِّلٌ لبناني مؤيد لحزب الله: "إنَّه مؤشرٌ على مرحلةٍ جديدة من التصعيد"، مُضيفاً أنَّ هزيمة الولايات المتحدة الوشيكة لداعش ستضع ضغوطاً جديدة على مَن تراهم أميركا متطرِّفين شيعة. وقال: "لبنان مُقبِلٌ على فترةٍ صعبة".

وأدَّت الاستقالة إلى مواقف قوية من إسرائيل وإيران. فقال برهام قاسمي، المُتحدِّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إنَّ خطاب الحريري كان مدفوعاً بجهودٍ سعودية وأميركية وإسرائيلية تهدف لـ"خلق حالة توتَّر في لبنان والمنطقة".

وفي إسرائيل، وَصَفَ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاستقالة بأنَّها "صرخة استيقاظ للمجتمع الدولي كي يتخذ إجراءً ضد العدوانية الإيرانية".

وخاض حزب الله حروباً عدة مع إسرائيل في جنوب لبنان كان آخرها في 2006، وقد تسببت بمقتل نحو 1200 شخص في لبنان معظمهم من المدنيين و160 في الجانب الإسرائيلي معظمهم من العسكريين.

في الشارع أثارت الاستقالة قلقاً ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتب علي حمود على تويتر "بعد استقالة الحريري حرب ستشن على لبنان"، فيما رأى نبيل عبد الساتر أن "استقالة الحريري هي إعلان حرب قادمة".

تحميل المزيد