الرد الإيراني.. خلفياته وتأثيره على المقاومة الفلسطينية

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/15 الساعة 08:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/15 الساعة 08:24 بتوقيت غرينتش
يعتبر الرد الإيراني على إسرائيل، ليلة الأحد 14 أبريل/نيسان، على اغتيال زاهدي ورفاقه، الأول من نوعه الذي تنفذه طهران من أراضيها وليس عبر الحلفاء/ رويترز، جيتي

منذ استهداف الطائرات الإسرائيلية القنصلية الإيرانية بدمشق، مطلع أبريل/نيسان الجاري، والذي أدّى إلى مقتل 7 ضباط في الحرس الثوري؛ بينهم قائد العمليات العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان العميد محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي، دخل العالم في حالة ترقب كبير لطبيعة وحجم الرد الإيراني المتوقع، خاصة مع ما رافق ذلك من سيولة غير مسبوقة في التغطية الإعلامية     والتحليلات السياسية والاستراتيجية، لتداعيات هذا الأمر على التوازنات الإقليمية والدولية وإمكانية أن يدفع الرد إلى توسع رقعة الحرب الدائرة منذ 7 أشهر في قطاع غزة.

أتت عملية "الوعد الصادق" -كما وصفها الحرس الثوري الإيراني- كرد على الاستهدافات الإسرائيلية المتعاقبة للمستشارين الإيرانيين في سوريا، والعملية الأخيرة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق خاصة. وحظي الرد الإيراني بتفاعل كبير على مختلف وسائل التواصل الاجتماعية وبين النخب العربية والإسلامية بين من اعتبره حدثاً غير مسبوق وبين من وصفه بـ"المسرحية"، وهو ما يؤكّد حجم التناقض الذي يشق العالم العربي والإسلامي في تقييم الدور الإيراني في الحرب الدائرة خصوصاً وفي المنطقة عموماً، ويعكس الجدل الكبير الذي يرتبط بتقدير موقع إيران في الأمة الإسلامية وطبيعة مشروعها.

وبعيداً عن كل المواقف المتشنجة من جهة أو المغالية من جهة أخرى في تناول الموقف من إيران، كان الوصف الرسمي للرد الإيراني، سواء مع ما جاء على لسان وزير الخارجية اللهيان أو قيادة الحرس الثوري، هو الأدق والأوضح في فهم طبيعة الرد وحدوده وخلفياته.   

فقد أبلغت ايران الولايات المتحدة أن العملية ستكون محدودة، وأنّها تأتي في إطار الدفاع عن النفس، ولن تشمل أهدافاً اقتصادية أو مدنية، وهو ما يؤكّد أنّ إيران كانت -ومازالت- حريصة على عدم توسع الحرب الدائرة في قطاع غزة، وأنّها تحركت في ضوء كسر دولة الاحتلال لقواعد الاشتباك، ولضمان عدم عودة الاحتلال الإسرائيلي لخرق المعادلة، وهي التي اختارت منذ الأيام الأولى -أي إيران- تحديد قواعد للاشتباك بينها وبين الاحتلال من خلال حليفيها في المنطقة (حزب الله في لبنان وجماعة أنصار الله في اليمن) دون التدخل المباشر في الحرب.

الرد جاء كذلك في سياق الدفاع عن سيادة إيران كدولة إقليمية مؤثرة في المنطقة وليس في ارتباط مباشر بطوفان الأقصى، حيث فهمت طهران استهداف القنصلية وما سبقه من اغتيالات على أنّه توجه من إسرائيل لاستصغارها وإهانتها أمام حلفائها أولاً ومنافسيها ثانياً وخصومها ثالثاً، وهو ما جعل إيران في تقديرنا، تحرص من خلال عمليتها على  كسر هذا التوجه برسم قواعد جديدة للاشتباك غير التي كانت قائمة، ومزيد من إرهاق قوة الردع لدى دولة الاحتلال.

الرد الإيراني.. خلفياته وتأثيره على المقاومة الفلسطينية
صورة لإطلاق صاروخ إيراني من أصفهان ضمن الهجوم الذي استهدف الاحتلال الإسرائيلي – رويترز

 ورغم أنّ الرد الإيراني جاء في سياق ما ذكرناه من حفاظ على هيبة إيران كلاعب إقليمي أساسي، فإنّه بالمحصلة يخدم المقاومة الفلسطينية ويعزّز موقفها من ناحية إثباته هشاشة إسرائيل وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها بمفردها، وحاجتها الدائمة للرعاية الغربية الأمريكية التي تحول عملياً دون سقوطها. ومن جانب أنّه زاد في التضييق وفضح محور التطبيع والدول الراعية له.

لقد أثبتت العملية الإيرانية أمرين مهمين: الأول أنّ العقل الإيراني عقل بارد و"براغماتي" لا تأخذه سخونة الأحداث والمواقف، ويحافظ على خطة سيره الاستراتيجي، وبالعودة للماضي القريب فقد حافظت إيران على علاقتها مع حماس رغم موقف الأخيرة من الثورة السورية، لأهمية هذه العلاقة وما توفره من مكاسب متبادلة للطرفين، واليوم لا تريد إيران أن تقطع شعرة معاوية مع الغرب والولايات الأمريكية خاصة، وتريد أن تحافظ على موقف قوي لإدارة مفاوضاتها فيما يخص ملفها النووي، فضلاً عن ملفات إقليمية أخرى مهمة، ولن تنساق لحرب مدمرة غير قادرة على تحمل أعبائها، وتضرب بالنتيجة خط سيرها الاستراتيجي. والثاني أنّ الدول بشكل عام والدول العريقة في السياسة والتي تملك مشروعاً بشكل خاص -مهما اختلفنا معها أو اتفقنا- تقودها مصالحها أولاً ومصالحها دائماً، ولا تتجاوب مع رغبة الجماهير إلا بما يخدم أهدافها.

لكن في المقابل يجب فهم حالة "التهكم" التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالعملية الإيرانية أولاً في إطار الموقف من إيران بشكل عام، فالشعوب العربية مازالت حديثة عهد بالدور الإيراني في سوريا ودعمها لنظام الأسد وما ارتكبه من جرائم في حق شعبه، فضلاً عن دورها في كل من لبنان واليمن والعراق، ولا يجب هنا التجني على وعي الشعوب بنسبته لأجندات مناوئة لإيران أو انسياق خلف أجندات مشبوهة، فنفس هذه الشعوب دعمت واحتفت بنصر المقاومة اللبنانية سنة 2006، وتحتفي بما يقدمه الحوثيون اليوم نصرة لغزة. وثانياً في سياق أنّ الرد جاء غير متناسب مع حالة "البروباغاندا" التي رافقت التهديد برد قوي ومؤثر. ولا أظنّ أنّ عاقلاً في هذه الأمة يتمنى لإيران الدخول في حرب مدمرة ويرغب في رؤية الاحتلال الإسرائيلي يحتفي بنجاحه في رد الهجوم الإيراني. 

وبالنتيجة فإنّ إيران نجحت في كسر قواعد الاشتباك وتحافظ على معادلة ردع مهمة مع دولة الاحتلال، ولكن يبدو أنّ تداعيات العملية الإيرانية، مازالت غير قابلة للتقدير الدقيق من ناحية طبيعة الرد الإسرائيلي المتوقع ومدى التزام نتنياهو  بالسياسة الأمريكية بعدم توسيع الحرب، رغم أنّ الموقف الأمريكي في هذا السياق جاء ملتبساً بتعبيره عن ترك تحديد طبيعة الرد للحكومة الإسرائيلية. فقد يجد نتنياهو في العملية المبرر لتوسيع الحرب بما ينقذه من مستنقع غزة ويزيد من عمره السياسي، ويفرض على أمريكا والدول الغربية الدخول فيها، ولكنّه يمكن كذلك أن يستثمر ما حصله من دعم وترميم لعلاقاته مع بعض الدول الغربية بعد العملية، لمواصلة حربه في غزّة واجتياح رفح، بغية تحقيق مكاسب لم يحققها بعد ولن يحققها. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زياد بو مخلة
رئيس مركز علاقات تركيا والعالم الإسلامي
تحميل المزيد