ما هو الوضع الحقيقي لمؤشرات البورصة المصرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/17 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/17 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
البورصة المصرية

في يوم الخميس 13 أبريل 2023 جرى التعامل على 196 سهماً من إجمالي 218 مقيدة أسهمها بالبورصة المصرية، حيث زادت أسعار 62 سهماً مقابل انخفاض أسعار 64 سهماً، وبقاء أسعار 70 سهماً بلا تغير، ولكون عدد الأسهم التي انخفضت أسعارها أكبر قليلاً من عدد الأسهم التي ارتفعت، فقد انخفض مؤشر البورصة المصرية لأسعار 70 شركة الأكثر نشاطاً بنسبة 0.14% أي بدرجة طفيفة. 

لكن ما حدث أن البورصة المصرية قد أعلنت بنهاية تعاملات ذلك اليوم، أن مؤشر أسعار البورصة قد ارتفع بنسبة 5.55%، وليس هناك خطأ بالرقم، فهو رقم يقترب من نسبة 6%، ويظل السؤال كيف حدث ذلك، وعدد الأسهم المنخفضة أكبر من عدد الأسهم المرتفعة؟ 

كما أن بيانات التعامل خلال يوم 13 أبريل 2023 بين الأفراد تشير إلى صافي بيع، شمل تعاملات كل من المتعاملين الأفراد: المصريين والعرب والأجانب، ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الخروج الجماعي من الأفراد على اختلاف جنسياتهم، إلى أن يتجه مؤشر أسعار السوق للانخفاض. 

عزز ذلك أن تعاملات المؤسسات خلال نفس اليوم لم تسفر عن توجه موحد، حيث اتجهت إلى صافي شراء للمؤسسات المصرية والعربية، بينما اتجهت إلى صافي بيع بقيمة 62 مليون جنيه، أي خروج من السوق للمؤسسات الأجنبية. 

مؤشر البورصة المصرية الثلاثيني غير معبر عن السوق 

يكمن السر في أن البورصة المصرية لديها عدد من المؤشرات، التي تقيس بها تغيرات أسعار الأسهم المقيدة بها، فهناك مؤشر أول يقيس أداء أكثر 30 سهماً من حيث السيولة والنشاط غير متساوي الأوزان، ومؤشر ثانٍ يقيس أداء أكثر خمسين سهماً من حيث السيولة والنشاط، متساوي الأوزان، أي أنه يعطي كل سهم مدرج به نسبة 2%.

هناك مؤشر البورصة المصرية الثالث الذي يقيس أداء أكثر 70 سهماً، من حيث النشاط متساوي الأوزان؛ حيث يعطى لكل شركة حوالي 1.43%، وهناك مؤشر البورصة المصرية الرابع لقياس الـ100 سهم الأكثر نشاطاً، ويجمع بين أسهم المؤشر الأول الثلاثيني، وأسهم المؤشر الثالث السبعيني معاً. 

هكذا اختلفت نتيجة أداء البورصة المصرية خلال ذلك اليوم 13 أبريل 2023 حسب كل مؤشر، فهي موجبة بنسبة 5.5% حسب الثلاثيني، وموجبة 1.2 % حسب الخمسيني، وسالبة 0.14% حسب السبعيني وموجبة بنسبة 0.4 % حسب المئوي. 

يتكرر الاختلاف بينهم حسب حساب أداء البورصة المصرية منذ العام الحالي وحتى 13 من شهر أبريل 2023، فهي صاعدة بنسبة 21% حسب المؤشر الثلاثيني، وبنسبة 14% حسب الخمسيني، وبنسبة 6% فقط حسب السبعيني، وبنسبة 8% حسب المئوي. 

هكذا يتسبب المؤشر الأول الثلاثيني في اختلاف النتائج اليومية والشهرية والفصلية والسنوية، عن باقي المؤشرات؛ نظراً لأنه يعطي أوزاناً نسبية مختلفة للأسهم المدرجة به، فهو يمنح البنك التجاري الدولي نسبة 32.3 % من الوزن الكلي للمؤشر، حتى إن العاملين بمجال الأوراق يتندرون عليه بتسميته مؤشر البنك التجاري الدولي، وليس مؤشر البورصة المصرية.

إن حدوث تغير بسعر سهم ذلك البنك يؤثر بشكل كبير على المؤشر الثلاثيني، وهو ما حدث بالفعل في 13 أبريل من العام الحالي، حيث ارتفع سعر سهم البنك بنسبة 14.5 % مرتفعاً من 51.1 جنيه إلى 58.5 جنيه، فكانت النسبة الضخمة غير المبررة التي شهدها المؤشر بصعوده بنسبة 5.5 %. 

مؤشر البورصة المصرية الثلاثيني الوحيد المعلن بوسائل الإعلام 

لقد استمر إعطاء أوزان نسبية كبيرة لعدد آخر من الأسهم الداخلة بتكوين المؤشر الثلاثيني، ليصل نصيب الأسهم الخمسة الأولى 43 % من الإجمالي، ونصيب الـ10 الأوائل 72 % ونصيب الأسهم الـ 15 الأوائل 85 %، مما يسهل التأثير على ذلك المؤشر.

ما سبق ما تقوم به الحكومة منذ الربع الأخير من العام الماضي وحتى الآن، لتحسين صورة مؤشر البورصة المصرية لاستقبال الطروحات القادمة، لأسهم الشركات الحكومية للحصول على عملات أجنبية تساهم في علاج نقص الدولار. 

حيث تقوم الحكومة ذلك بدفع المؤسسات الحكومية لشراء الأسهم ذات الوزن النسبي الأكبر وغيرها، مما يدفع المؤشر الثلاثيني للارتفاع، خاصة أنه المؤشر الرسمي للبورصة، الوحيد الذي يتم نشره بوسائل الإعلام، ولا تقوم وسائل الإعلام بالإشارة إلى نتائج باقي المؤشرات، وربما لا تعرف عنها شيئاً، ولهذا فإن الانطباع العام بالأسواق المحلية والعربية والخارجية المتابعة لأداء مؤشر البورصة المصرية، سيكون بأن هناك انتعاشاً بالبورصة. 

هذا التدخل الحكومي ليس سراً فقد أعلن عنه محافظ البنك المركزي السابق، كما أشار إليه رئيس بنك مصر ثاني أكبر البنوك العاملة بمصر، ويعرفه الخبراء بالسوق من خلال التوجيه الحكومي لمديري محافظ الأوراق المالية الضخمة بالجهات الحكومية، لشراء أسهم المؤشر الثلاثيني ذات الوزن الكبيرة المعلنة أسماؤهم من خلال البورصة، والتي يتم إعلان ما يتم استبداله منها خلال عمليات المراجعة مكوناته النصف سنوية. 

بنك مصر

التدخل بالمحافظ الحكومية لمساندة مؤشر البورصة المصرية للارتفاع

ها هي بيانات المركز المالي للبنك الأهلي المصري أكبر البنوك الحكومية، في سبتمبر من عام 2022 تشير لاستثماره بقيمة 36.2 مليار جنيه بالأسهم، كما بلغت استثمارات بنك مصر ثاني أكبر البنوك الحكومية بالأسهم بنفس التوقيت 13.4 مليار جنيه.

كانت بيانات جهاز الإحصاء الحكومي قد أشارت إلى بلوغ استثمارات هيئة التأمينات الاجتماعية، في الأوراق المالية والصكوك على الخزانة 80.7 مليار جنيه بنهاية يونيو 2021، وبلغت نفس تلك النوعية من الاستثمارات بنفس التوقيت 98.3 مليار جنيه بهيئة البريد، و3.6 مليار جنيه ببنك ناصر الاجتماعي. 

كانت القيمة الاستثمارية طويلة الأجل للهيئات الاقتصادية المملوكة للحكومة والبالغ عددها 58 هيئة، حتى يونيو 2021، حسب بيانات وزارة المالية قد بلغت 381 مليار جنيه، لكنها لم تحدد نصيب الأسهم منها بمفردها. 

هكذا زادت قيمة صافي تعاملات المؤسسات بالبورصة -أي فارق بين عمليات الشراء والبيع- بالعام الماضي 2022، إلى 22.7 مليار جنيه مقابل 4.4 مليار جنيه بالعام الأسبق، وبلغ نصيبها النسبي من إجمالي التعامل 47 % بالعام 2022 مقابل 32 % بالعام الأسبق 2021، وخلال فصول العام الماضي وبعد أن كان صافي تعاملات المؤسسات، بالربع الثاني والثالث من العام متجهاً إلى البيع، تحول بالربع الأخير من العام إلى صافي شراء. 

فكانت النتيجة أن المؤشر الثلاثيني للبورصة الذي كان منخفضاً خلال الربع الأول من العام الماضي بنسبة 6 %، ومستمراً بالانخفاض بالربع الثاني بنسبة 18 %، تحول للصعود بالربع الثالث بنسبة 6.5، وقفز بالربع الرابع بنسبة 49 %، ليسفر الأداء العام للمؤشر الثلاثيني عن نمو بنسبة 22 %. 

البورصة المصرية منفصلة عن واقع الاقتصاد المصري 

لقد استمر التدخل القوي للمؤسسات الحكومية المصرية بالشراء خلال الربع الأول من العام الحالي، ليسفر عن صافي شراء بقيمة 4.5 مليار جنيه، مما أسفر عن صعود المؤشر الثلاثيني بنسبة 12.5 % خلال الربع الأول من العام الحالي.

إن هذا صعود لا يتسق مع واقع الاقتصاد المصري للبلاد سواء خلال العام الماضي، أو خلال العام الحالي، رغم أنه من المفترض أن تكون البورصة مرآة للاقتصاد. 

يعاني الاقتصاد المصري من نقص حاد بالعملات الأجنبية، وتراجع متكرر لسعر صرف الجنيه المصري وعجز البنوك عن تمويل السلع المستوردة المكدسة في الموانئ، مما ساهم في ارتفاع مؤشرات التضخم وزيادة الركود بالأسواق، إلى جانب الارتفاع المتكرر لسعر الفائدة الذي من المفترض أن يؤثر سلباً على أداء البورصة، وكذلك خفض للتصنيف لمصر من قبل إحدى وكالات التصنيف الدولية.

لقد استغل المتعاملون الأجانب بالبورصة التدخل الحكومي لمساندة البورصة، فاستمروا بالبيع خلال العام الماضي والحالي، لأنهم يضمنون وجود مشترٍ حكومي بأسعار جيدة لهم، والنتيجة بلوغ صافي مبيعات الأجانب بالعام الماضي 26.4 مليار جنيه؛ أي ما يعادل 1.322 مليار دولار، كما بلغ صافي مبيعاتهم بالربع الأول من العام الحالي 3.9 مليار جنيه، أي ما يعادل 125 مليون دولار. 

هكذا تحولت البورصة إلى معبر لخروج الدولارات مع هؤلاء الأجانب خلال العام الماضي والحالي، بينما استهدفت الحكومة من دعمها للبورصة بيع جانباً من الأسهم للصناديق السيادية الخليجية عبرها للحصول على دولارات.

هو ما حدث بشهر أبريل 2022 لصندوق إماراتي، وفي أغسطس 2022 لصندوق سعودي، ثم توقف الأمر بعد ذلك بشكل كبير، رغم تزايد حدة مشكلة نقص الدولار واستمرار ارتفاع سعره بالسوق السوداء وبالعقود الآجلة، وتكالب الجمهور على اقتناء الدولار، وتراجع قيمة تحويلات المصريين بالخارج عبر القنوات الرسمية وتسربها إلى مسارات بديلة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.
تحميل المزيد