حرب شوارع في العاصمة الخرطوم.. ما أسباب الصراع وموازين القوى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؟

عدد القراءات
750
تم النشر: 2023/04/15 الساعة 15:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/15 الساعة 16:34 بتوقيت غرينتش
القتال في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش يوقع قتلى بصفوف المدنيين - رويترز

كل يوم يستيقظ السودانيون ليشاهدوا فيلماً جديداً من أفلام الصراع السياسي بين قادتهم. حالة متكررة ومستمرة من الملاسنات والانشقاقات والتكتلات والتكتلات المضادة. وفي كل حالة تستقوي كتلة ضد الكتلة الأخرى سواء بالحشود الجماهيرية أو المظاهرات أو إغلاق الشوارع أو بالاستقواء بالسفارات.

لكن ما حدث اليوم كان مختلفاً، فقد تفاجأ السودانيون والعالم أجمع، صباح اليوم 15 أبريل 2023، باندلاع حرب في العاصمة الخرطوم بين قوات الشعب المسلحة "الجيش السوداني"، وقوات الدعم السريع.

تحوّلت على أثرها العاصمة السودانية من مدينة آمنة مطمئنة، الى مدينة تنتشر فيها حرب الشوارع والعصابات، كما يحدث في طرابلس ودمشق وصنعاء وبغداد. مما تسبب في هلع كبير بين المواطنين. في هذا المقال نرصد أسباب هذه الفتنة وأطرافها وموازين القوى فيها وما يدور على الأرض من تطورات.

 أسباب الصراع

السبب الرئيسي للصراع العسكري الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) هو الاختلاف حول الاتفاق الإطاري للعملية السياسية.

من أهم نقاط الاختلاف تبعية قوات الدعم السريع، لأن الاتفاق الإطاري ينص على تبعيتها لرئيس الوزراء المدني، وأن يتم دمجها في الجيش خلال 10 سنوات. 

يعترض الجيش على هذه الفقرة؛ لأنها تعني وجود جيشين بقيادتين مختلفتين. أحدهما وهو الجيش القومي، يتبع القائد العام وهو عسكري، بينما الجيش الآخر هو قوات الدعم السريع، ويتبع رئيس الوزراء المدني.

كما يطالب الجيش بأن يكون الدمج خلال سنتين وبتبعية قوات الدعم السريع إلى القائد العام منذ اليوم الأول من توقيع الاتفاق الإطاري.

أطراف الفتنة وموقف الشعب السوداني 

لقد ذكر قائد الدعم السريع، في احتفال جماهيري مفتوح، أنه وقع على الاتفاق الإطاري "كراعو فوق رقبته" وأن السفارات الأجنبية هي التي تملي عليه مواقفه وأن هناك بنوداً سرية متفق عليها، مغلقة في الأدراج.

كما اعترف الناطق الرسمي لجماعة الحرية والتغيير بأنهم يذهبون إلى السفارات واحدة تلو الأخرى، وأنهم سيشكلون حكومتهم لمنع خصومهم السياسيين من مجرد التجول في الطرقات أو التعبير عن آرائهم، وأنه لا بديل لهم عن الاتفاق الإطاري إلا الحرب، كما عبر عن نشوب الحرب حال لم يطبق الاتفاق الإطاري كل من محمد الفكي عضو حزب الاتحادي وأشرف عبد الغني رئيس اتحاد صحفيي قوى الحرية التغيير "قحت". 

لذلك ترفض قوى سياسية ومجتمعية كبيرة من الشعب السوداني الاتفاق الإطاري، باعتباره مفروضاً من بعض سفارات الدول، وأن هذه السفارات تتحكم في المشهد السياسي السوداني، لذلك أرى أن الاتفاق الإطاري ينحاز لقوى وأحزاب صغيرة "لا وزن" لها في الشارع السوداني، أنه يتجاهل تماما رأي الأغلبية، وأنه يدعو صراحة الى تفكيك الجيش والشرطة والأمن والقضاء والنيابة العامة والخدمة المدنية بواسطة أحزاب أقلية.

بداية التوتر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

على أثر هذا الاختلاف، تصاعدت وتيرة التصريحات والتصريحات المضادة. فحرك الدعم السريع جنوده وآلياته الثقيلة من دارفور الى العاصمة الخرطوم وإلى مطار مدينة مروي في شمال السودان. أصدر الجيش بياناً اعتبر ذلك التحرك بمثابة تمرد. وأنه تم من طرف واحد دون التنسيق مع قيادة الجيش.

كما حذّر الجيش السوداني، في الساعات الأولى من صباح الخميس، 13 أبريل 2023، ما وصفه " قيام قوات الدعم السريع بحشد قواته داخل العاصمة الخرطوم  وبعض المدن، وفي بيان للجيش السوداني، قال: " إن تحركات قوات الدعم السريع تشكل تجاوزاً واضحاً للقانون، وتمت دون موافقة قيادة القوات المسلحة السودانية".

من الذي أطلق الطلقة الأولى؟

لقد ذكر "البرهان"، رئيس المجلس السيادي السوداني، أنه فوجئ عند الساعة التاسعة صباح يوم 15 أبريل/نيسان 2023، بقوات الدعم السريع تقصف منزله ببيت الضيافة الواقع داخل مقر القيادة العامة، وهو مقر إقامة رئيس مجلس السيادة، وعبّر "البرهان" عن تفاجئه بمهاجمة الدعم السريع لمنزله.

كما أضاف رئيس مجلس السيادة أن قوات الدعم السريع تحرشت بالجيش في منطقة المدينة الرياضية جنوبي العاصمة الخرطوم، وأنها هي التي انطلقت منها شرارة اشتباكات اليوم.

بينما فوجئ الشعب السوداني بفيديو لقوات الدعم السريع من داخل مطار مروي يتحدث أنها استولت على المطار. وفوجئ المواطنون بعربات الدعم السريع تجوب وتتجول في شوارع الخرطوم، يتبعها إسناد إعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

معارك بالخرطوم بين جيش السودان وقوات الدعم السريع

لقد بثت قنوات فضائية، انطلاق حرب شوارع في العاصمة الخرطوم، تصاعدت على أثرها ألسنة اللهب والنيران في سماء الخرطوم، وعاش الشعب ساعات الصباح الأولى في حالة من الرعب والهلع. ثم حلقت أسراب من طائرات الجيش السوداني في سماء الخرطوم، وهي تطلق الحمم والنيران. 

لقد عرضت فيديوهات للمقر الرئيسي لقيادة الدعم السريع تلتهمه النيران، والصواريخ كما انطلقت الراجمات في شوارع الخرطوم، وتم بث فيديوهات توضح إخلاء مقرات قيادة قوات الدعم السريع في عدد من الولايات واستلامها بواسطة القوات المسلحة. 

موازين القوى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

تتميز قوات الدعم السريع بالخفة وسرعة الحركة وبعد المعركة عن ثقلها القبلي كما تتميز بخبرتها في حرب العصابات، ولكنه ينظر إليه باعتباره ميليشيا انتهت مشروعيتها بانتهاء أسباب تكوينها أيام الحرب.

أما قوات الشعب المسلحة "جيش السودان| فأكبر ما يقويها ويدعمها هو السند الشعبي الكامل، كما أنها تتميز أيضاً بطبيعتها كقوة راسخة في عقيدتها ومبادئها وأخلاقها ومشروعيتها، وفي نظمها الفنية من طرق الانتشار والإمداد.

كما أن جيش السودان يمتلك بنية تحتية فائقة ومصانع متكاملة وشاملة تنتج كل ما تحتاجه، كما تتميز بخبرتها الطويلة الممتدة وبامتلاكها لسلاح الجو كقوة ضاربة وسلاح المدرعات والقاصفات والراجمات.

من يحسم المعركة.. جيش السودان أم الدعم السريع

حتى لحظة كتابة هذا المقال، ما يزال الحشد الاعلامي ودق طبول الحرب النفسية وتطورات المعارك الحربية على الأرض، لا تزال حامية الوطيس يدور رحاها في عدد من الشوارع والمباني بالعاصمة والولايات.

لا تزال القنوات الفضائية وجميع وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تنقل الاخبار والتطورات على رأس كل دقيقة، وتبعاً لذلك لا تزال الآراء منقسمة ما بين مؤيد ومشكك ومحتار.

لكن لا تتوفر معلومات كافية عما ستؤول إليه الأحداث ولا عن كيفية إنهاء هذه المعارك العنيفة في شوارع الخرطوم، سواء بالحسم العسكري أو بالمفاوضات السلمية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عثمان عوض الله
كاتب صحفي متخصص في الشأن السوداني والعربي
كاتب صحفي متخصص في الشأن السوداني والعربي
تحميل المزيد