النهاية المتوقعة والمؤجلة.. انهيار “طاولة الستة” المعارضة لأردوغان

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/04 الساعة 13:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/06 الساعة 04:55 بتوقيت غرينتش
زعماء أحزاب المعارضة التركية المتمثلة بـ"الطاولة السداسية"/ رويترز

اجتمع "تحالف الأمة"، المنافس الأخطر لـ"تحالف الشعب"، في الثاني من مارس/آذار 2023 لنقاش مسألة اختيار المرشح الذي طال انتظاره بدرجةٍ أثارت انتقادات الناخبين، ونقلت التقارير آنذاك أن الاختيار قد وقع على مرشحٍ للتحالف بالفعل، لكن المرشح سيجري الإعلان عنه في يوم الإثنين السادس من مارس/آذار 2023.

بعد يومٍ من الاجتماع، أعلنت زعيمة الحزب الجيد "ميرال أكشينار" انسحابها من التحالف في خطابٍ قوي، بعد أن ظلت صامتة خلال اليوم الأول ووقعت على نص اتفاق الترشيح بشكلٍ مبدئي.

لم تكن تصريحات ميرال صادمةً للعديد من الناس، حيث وضعت تحالف الأمة في مواجهة مع الواقع القائم منذ وقتٍ طويل. ويُمكن القول إن غياب اليقين هذا هو الذي أتاح لتحالف الأمة الاستمرار، إذ لم يُصدِر أي تصريحات بشأن مرشحه قبل اليوم، ولا شك في وجود خلاف علني وقائم منذ زمن، بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، حول هوية المرشح الرئاسي.

لقد أكدت "أكشينار" مراراً ضرورة اختيار "المرشح الذي سيفوز"، وقدمت "أكرم إمام أوغلو" لهذه المهمة، بينما ألمح "كمال قلجدار أوغلو" إلى ترشيح نفسه شخصياً باعتباره زعيم أكبر حزبٍ في التحالف، ولم يتراجع أي من "كمال قلجدار أوغلو أو ميرال أكشينار" عن الخطابات التي يدليان بها. وحدث ما هو متوقع في النهاية، ليخسر تحالف الأمة ثاني أكبر أحزابه من حيث مشاركة عدد الناخبين المحتملة بعد حزب الشعب الجمهوري.

في تصريحاتها بتاريخ الثاني من مارس/آذار 2023، قالت ميرال إن ترشيح "قلجدار أوغلو" قد فُرِضَ على الأحزاب الخمسة الأخرى، وأردفت أنهم اقترحوا مرشحين يمثلون إرادة الأمة، ومنهم رئيس بلدية إسطنبول "أكرم إمام أوغلو" ورئيس بلدية أنقرة "منصور يافاش"، لكن التحالف رفض مقترحاتهم. وأضافت أن تحالف الأمة لم يعد منصةً للمنطق، لكنه تحول إلى مكتب لإصدار الموافقات وتأكيد هوية "المرشح".

رئيس بلدية إسطنبول إكرم إمام أوغلو ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش – رويترز

كما دعت "ميرال" الفريق الرئيسي في حزب الشعب الجمهوري إلى الاستقالة من حزبهم علناً. حيث قالت: "أدعو إمام أوغلو ويافاش لتأدية واجبهما"، وذلك بغرض كسر تحالف الأمة للمرة الثانية، لكن إمام أوغلو ويافاش أعلنا على تويتر، في ليلة الثاني من مارس/آذار 2023، أنهما يقفان بجانب قائد حزبهما "كمال قلجدار أوغلو"، ورفض الثنائي "نداء الواجب" الذي أطلقته ميرال.

يتمثل السيناريو الأقرب بالنسبة للحزب الجيد في أن تُعلن ميرال ترشحها شخصياً، ومن ناحية أخرى، سنجد أن تصريحات "ميرال" القاسية عن تحالف الأمة تُثير معضلةً أخرى، إذ إن هناك احتماليةً كبيرة أن تصل انتخابات 14 مايو/أيار 2023 إلى جولةٍ ثانية، وتبدو هوية المرشحين للجولة الثانية واضحة: "أردوغان وقلجدار أوغلو".

وبناءً عليه، كيف سيتمكن حزب "الجيد" من إعلان دعمه لـ"كمال قلجدار أوغلو"، بعد أن قطعوا علاقاتهم به تماماً ويصرون على أنهم يرفضون ترشحه؟ أم هل سيتجنب الحزب الإدلاء ببيان حول المرشح الذي سيدعمه من بينهما في حال الوصول إلى جولةٍ ثانية؟ أم هل ستدعم "ميرال" الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في الجولة الثانية كاحتماليةٍ أخيرة؟

لا يزال الوقت مبكراً على التعليق على هذه المعضلة، لكن رأيي الشخصي يقول إن حزب "الجيد" سيخسر شريحةً كبيرةً من أنصاره على المدى البعيد، وأن "ميرال" ستنضم إلى تحالف الشعب. ويرجع السبب إلى أن ناخبي حزب "الجيد" لا يمثلون قاعدةً انتخابية متجانسة، بل يضم الحزب مجموعات ناخبين يمينيين، وقوميين، وعلمانيين معارضين.

وسوف تنتقل قاعدة الناخبين العلمانيين في حزب الجيد إلى تحالف الأمة، بالتزامن مع خطوة الانسحاب من تحالف الأمة التي جاءت بطريقةٍ قاسية، ما سيؤدي إلى فقدان حزب الجيد هذه المجموعة بينما سيتقرب حزب "الجيد" بقاعدته القومية المتبقية من تحالف الشعب، الذي سيُصبح الخيار الوحيد المتبقي أمامه.

لقد خرج مصطفى دستجي، رئيس حزب الاتحاد الكبير التابع لتحالف الشعب، بعد انسحاب ميرال من تحالف الشعب ليُدلي بالتصريح التالي عنها: "إما أن تواصل المضيّ في طريقها الخاص، أو سيسعدنا تحركها مع تحالف الشعب"، ما يُظهر أن تحالف الشعب يرحب بإعادة التقارب المحتملة مع ميرال.

من المستفيد الأكبر من هذه الخطوة… حزب الجيد أم تحالف الأمة؟

من المؤكد أن "ميرال أكشينار" ستخسر بعض الأصوات بانسحابها من تحالف الأمة، وخاصةً أصوات الناخبين العلمانيين. ناهيك عن خسارة "ميرال" لهيبتها بعد رفض إمام أوغلو ويافاش لدعواتها، لكن هذه الخطوة ستفتح مجالاً جديداً أمام تحالف الأمة. إذ كان حزب "الجيد" يمثل عقبةً في وجه بقية الأحزاب الخمسة، التي كانت قريبةً من إقامة علاقات مع حزب الشعوب الديمقراطي.

لا شك أن انسحاب حزب "الجيد" من الطاولة سيُمهد الطريق أم تحالف الأمة، حتى يتقرّب من حزب الشعوب الديمقراطي أكثر. وعلى الناحية الأخرى، لا يرغب حزب الشعوب الديمقراطي في الجلوس على الطاولة نفسها مع حزب الجيد، الذي يُعرف بتوجهه القومي. وبهذا سيتقرب حزب الشعوب الديمقراطي من تحالف الأمة.

ورغم أن الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي "صلاح الدين دميرطاش" يقبع في السجن حالياً، لكنه يظل أكثر شخصيات الحزب تأثيراً، وقد نشر "دميرطاش" تغريدةً سابقة يقول فيها: "تقدم يا كمال"، ليكشف فعلياً عن نية حزب الشعوب الديمقراطي أن يدعم تحالف الأمة، وبهذه الخطوة، أصبح طريق الدعم المتبادل ممهداً أكثر، ومن المحتمل ألا ينضم حزب الشعوب الديمقراطي إلى تحالف الأمة، لكن من الواضح أنه سيدعم كمال قلجدار أوغلو.

ما الذي يحدث على جانب الحكومة إذاً؟

لا تزال آثار الزلزال تلقي بظلالها على جانب الحكومة التركية بقيادة "أردوغان"، بينما تتكشف تطورات الاضطراب هذا في صفوف تحالف الأمة، فقد قامت الحكومة التركية بتعبئة كافة أجهزة الدولة لتلبية الاحتياجات الإنسانية أولاً، ثم إتمام الاحتياجات الأخرى كالتعليم والبنية التحتية وإعادة الإعمار. 

لا شك أن وعد "أردوغان" ببناء بيوتٍ جديدة في مناطق الزلزال خلال عامٍ واحد، والتشييد السريع للبنايات الجديدة، يحمل قيمةً لدى ضحايا الكارثة أكبر بكثير من هوية مرشح تحالف الأمة أو انفراط عقد طاولة الستة. بعد غضبهم من "ميرال أكشينار" التي لم تظهر خلال الأيام الأولى من الزلزال.

حيث زادت خيبة أمل مواطني منطقة الكارثة في تحالف الأمة الذي انتهج أجندةً مختلفةً تماماً، بينما يحاولون هم تلبية احتياجاتهم من الماء والطعام، ففي ظل هذه الظروف، جددت الحكومة علاقاتها بمنطقة الكارثة لتبعث برسالةٍ مفادها: "نحن نلبي نداء الواجب، بينما تستعر المواجهات السياسية على الجانب الآخر".

يتمثل التطور الآخر في توقيع اتفاق شراكة اقتصادية شاملة مع الإمارات، حيث يمثل هذا الاتفاق مؤشراً واضحاً على بدء تحسن العلاقات مع الإمارات، كما يستهدف وصول حجم التجارة بين البلدين إلى 25 مليار دولار في غضون خمس سنوات.

حيث قال أردوغان: "بهذا الاتفاق، سيجري بناء جسر اقتصادي ثابت من أوروبا إلى شمال إفريقيا، ومن روسيا إلى الخليج"، ليؤكد بذلك على الدبلوماسية التركية متعددة الأطراف ويُثبت قدرة تركيا على بناء مركزٍ اقتصادي لها.

كما برهن "أردوغان" لعامة الشعب على مواصلته لحوكمة الدولة بهذه الطريقة، عن طريق الابتعاد عن الحسابات الثانوية للسياسات المحلية، والتأكيد على أقوى نقاط قوة حزب العدالة والتنمية: وهي رؤيته للسياسة الخارجية.

كمال كليجدار أوغلو ورجب طيب أردوغان

كيف ستؤثر هذه الأزمة على الانتخابات؟

كما ذكرت أعلاه، لا أتوقع نجاح أي مرشح لانتخابات 14 مايو/أيار 2023 في الحصول على أكثر من 50% من الأصوات، أو أن يفوز أحدهم بالانتخابات من الجولة الأولى، وربما انسحب حزب الجيد من التحالف، لكن "قلجدار أوغلو" سينجح في منافسة أردوغان بالجولة الثانية.

ستتغير المعادلة كثيراً خلال الجولة الثانية من الانتخابات، إذ ستضطر الأحزاب التي شاركت بمرشحيها في الجولة الأولى للاختيار بين زعيمي التحالفين في الجولة الثانية، وأعتقد أن "أردوغان" يسبق الطرف الآخر بخطوة في هذه الحالة؛ لأن تحالف الأمة خسر نسبةً جيدة من الأصوات بانسحاب حزب "الجيد".

كما أنه ليس من الصعب على حزب "الجيد" القومي أن يحول دعمه إلى تحالف الشعب في الجولة الثانية، وعلى الجانب الآخر، ربما يدعم حزب الشعوب الديمقراطي "قلجدار أوغلو".

لكن هناك عدة انقسامات في أوساط الناخبين الأكراد، إذ من المرجح أن يدعم الناخبون المحافظون من الأكراد "أردوغان" بدلاً من مرشح حزب الشعب الجمهوري الذي ترك حزبه انطباعاً سيئاً لديهم طيلة عقود.

وأخيراً، لم تُشفَ بعد جراح الزلزال الذي أثر على منطقةٍ كبيرة للغاية وعلى عدد مهول من السكان، لهذا يمكننا القول إن التوقيت الحالي يُعَدُّ سيئاً للغاية بالنسبة لتحالف الأمة، الذي انشغل بالمواجهات السياسية. بينما ينتظر الشعب في أماكن الزلزال اليوم مجموعةً من الأشياء الواضحة، وقد تمكنت الحكومة من إدارة هذا الملف بشكلٍ جيد للغاية. 

ووسط هذه الأوضاع الراهنة، لا ضير من التساؤل حول هوية المستفيد الحقيقي من الأزمة السياسية التي ضربت تحالف الأمة؟ لكننا سنعرف إجابة هذا السؤال معاً في انتخابات الـ14 من مايو/أيار 2023.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد إشجان
كاتب وباحث تركي
نائب رئيس مركز العلاقات الدبلوماسية والدراسات السياسية التركي
تحميل المزيد