رغم أن نظام الدفاع الجوي الروسي المتقدم إس-400 قد صُمِّمَ لإسقاط الطائرات والصواريخ والمسافات الطويلة والارتفاعات العالية، فإنه في أوكرانيا ضغطت موسكو على صواريخها من طراز إس-400 لاعتراض صواريخ هيمارس أمريكية الصنع، أو بشكل أكثر غرابة، لقصف المدن الأوكرانية، وذلك حسبما نشر موقع Business Insider الأمريكي في تقرير له الجمعة 26 مايو/أيار 2023.
حيث تصور موسكو هذا التكتيك على أنه دليل على أن سلاح الجو الأوكراني ضعيف لدرجة أن القوات الروسية تستطيع تحمّل إهدار صواريخ باهظة الثمن مضادة للطائرات في مهام ثانوية. السبب الأكثر ترجيحاً لذلك، هو أن اليأس والإحباط يدفعان الكرملين إلى استخدام كل سلاح بحوزته، بغض النظر عن مدى ملاءمته للمهمة.
إس-400 في مهمة جديدة داخل أوكرانيا
يُعَد إس-400 تريامف نظام أرض-جو متنقلاً بعيد المدى يعتبر مكافئاً روسيّاً لصاروخ باتريوت الأمريكي. يبلغ مدى اعتراض إس-400 نحو 250 ميلاً وسرعة تبلغ 15 ماخ، وتزعم روسيا أن السلاح فعال ضد الطائرات والصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة.
كانت هناك تقارير عن نشر صواريخ إس-400 في منطقة دونباس لاعتراض صواريخ هيمارس التي استخدمتها أوكرانيا مع تأثير مدمر منذ الصيف الماضي. إلى حد ما، هذا ليس بالأمر غير المعتاد. صُمِّمَت صواريخ سام الحديثة لاعتراض مجموعة متنوعة من الصواريخ والطائرات. استخدمت أوكرانيا نظام إس-300، سلف نظام إس-400، وصواريخ باتريوت الأمريكية الصنع لاعتراض صواريخ كاليبر كروز وحتى صواريخ كينزال التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
تكمن المشكلة في أن ذخائر نظام الصواريخ الموجهة المتعدد التي يطلقها هيمارس ليست صواريخ ولكنها صواريخ مدفعية موجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي بمدى يصل إلى نحو 50 ميلاً، وهو أقصر بكثير من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية.
روسيا تستخدم منظومة إس-400 لضرب مدن أوكرانية
أطلق نظام الصواريخ الموجهة المتعدد على أهداف قريبة نسبياً من خط المواجهة، وله مسار مختلف ووقت طيران أقصر بكثير، حيث يمكن لنظام الدفاع الجوي اعتراضه.
قال إيان ويليامز، نائب مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لن تكتشف هذه الصواريخ في الأفق. إنها لا تذهب إلى الفضاء كما يفعل الصاروخ الباليستي. أعتقد أن التحدي الأكبر سيكون قصر وقت الاشتباك".
حيث يعتقد ويليامز أن نظام إس-400 يمكنه اعتراض صواريخ هيمارس، ولكن ليس بهذه السهولة. النظام الأنسب لتدمير صواريخ هيمارس هو نظام القبة الحديدية لإسرائيل، والذي كثيراً ما اعترض الصواريخ الصغيرة وحتى قذائف الهاون (طلبت أوكرانيا من إسرائيل القبة الحديدية، لكن إسرائيل رفضت، ويرجح أن يكون ذلك جزئياً بسبب القلق بشأن العلاقات الإسرائيلية مع روسيا).
يكلف صاروخ تامير أيضاً أقل من 150 ألف دولار، بينما يكلف صاروخ سام كبير ما يقرب من مليون دولار لكل صاروخ.
بينما يشير استخدام صواريخ إس-400 ضد هيمارس إلى أن روسيا تكافح من أجل الدفاع الجوي، فإن ما يشير حقاً إلى يأس الكرملين هو استخدامه صواريخ إس-400 وإس-300 الاعتراضية لقصف المدن الأوكرانية أرضاً. قد يكون الرأس الحربي الذي يبلغ وزنه 400 رطل مدمراً ضد طائرة أو صاروخ آخر، لكنه في الواقع صغير مقارنة بالرأس الحربي الذي يبلغ وزنه ألفي رطل على صاروخ كروز مثل كيه إتش-22 الروسي.
روسيا تقصف البنية التحتية الأوكرانية
لجأت موسكو إلى قصف البنية التحتية الأوكرانية؛ على أمل الضغط على كييف. لقد خصمت تلك الحملة الجوية كثيراً من المخزونات الروسية، مما دفع موسكو إلى استخدام صواريخ كروز وصواريخ باليستية قديمة، إضافة إلى الطائرات المسيَّرة. وفي هذا السياق قد ترى موسكو أن الصاروخ الخطأ أفضل من عدم وجود صاروخ على الإطلاق.
في حين خلصت المخابرات الأوكرانية والبريطانية في عام 2022، إلى أن القصف الروسي المكثف للمدن والبنية التحتية الأوكرانية كان يستنفد إمداداتها الصاروخية. يختلف بعض المحللين مع هذا التقييم، لكن نقص الذخائر يمثل مصدر قلق للجانبين.
في سياق متصل أشارت تقييمات استخباراتية أمريكية مسربة جُمِعَت في فبراير/شباط، إلى أن أوكرانيا قد تستنفد ذخائرها للدفاع الجوي بحلول مايو/أيار، رغم أن الدول الغربية سارعت لتجديد تلك المخزونات. قد تكون المشكلة أكثر حدة بالنسبة لروسيا، التي تواجه عقوبات غربية واسعة النطاق على المعدات العسكرية الهامة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها صواريخ أرض-جو لأغراض أخرى. أطلقتها القوات المصرية على الدبابات الإسرائيلية خلال حرب 1973. لكن الصواريخ المضادة للطائرات لا تهدف إلى إطلاقها على الدبابات أو المدن. بالنسبة للجيش الروسي، الذي لطالما روج لتكتيكاته وتقنياته، فإن الاضطرار إلى استخدام إس-400 على نحوٍ ليس مخصصاً له علامة على أن الأمور لا تسير على ما يرام.