تراجع مسؤولون أمريكيون عن مزاعمهم بأن الضربة الأخيرة في سوريا أسفرت عن مقتل شخصية مؤثرة في القاعدة، بعد تأكيدات من عائلة القتيل أنه ليست له أية صلات بالإرهابيين، ولكنه أب لعشرة أبناء، وكان يرعى أغنامه عندما قُتِلَ بواسطة صاروخ أمريكي، وفق ما نقلت صحيفة The Washington Post الأمريكية، الخميس 18 مايو/أيار 2023.
لطفي حسن مستو، 56 عاماً، الذي تعرفت أسرته عليه بعدما وقع ضحية هجوم صاروخ من طراز هيلفاير في 3 مايو/أيار الحالي، كان عامل بناء في السابق وعاش بهدوء في بلدةٍ واقعة في شمال غربيّ سوريا، وفقاً لمقابلات مع شقيقه وابنه و6 آخرين ممن عرفوه. وصفوه بأنه رجل طيب يعمل بجدٍ و"قضى حياته كلها فقيراً".
وأشرفت القيادة المركزية الأمريكية على العملية، التي زعمت بعد ساعات من الضربة، دون الاستشهاد بأدلة أو تسمية مشتبه به، أن غارة بطائرة مسيَّرة من طراز بريداتور استهدفت "زعيماً بارزاً للقاعدة".
شكوك داخل البنتاغون
في حين قال مسؤولان دفاعيان أمريكيان لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن هناك "شكوكاً" الآن داخل البنتاغون حول من قُتل.
وقال أحد المسؤولين: "لم نعد واثقين من أننا قتلنا زعيماً كبيراً في القاعدة"، فيما قال آخر، قدم وجهة نظر مختلفة قليلاً: "رغم أننا نعتقد أن الضربة لم تقتل الهدف الأصلي، فإننا نعتقد أن الشخص ينتمي لتنظيم القاعدة".
وقالت الصحيفة إن كلا المسؤولين تحدث، بشرط عدم الكشف عن هويته، لمناقشة القرارات الأولية للتحقيق الجاري في الحادث.
في الأسابيع التي تلت الهجوم، رفض المسؤولون العسكريون الأمريكيون تحديد هوية هدفهم علناً، وكيف حدث الخطأ الظاهر، وما إذا كان زعيم إرهابي قد هرب، ولماذا يعتقد البعض في البنتاغون أن "مستو" كان عضواً في القاعدة رغم نفي عائلته.
في بيانٍ له، قال مايكل لاورن، المتحدث باسم القيادة المركزية، إن المسؤولين على علم بالتقارير عن سقوط ضحايا مدنيين، ويواصلون تقييم النتائج.
"الانحياز التأكيدي"
عادةً ما يوسع البنتاغون مثل هذه التحقيقات إذا ظهرت أدلة كافية ذات مصداقية على إصابة مدنيين، ما يثير تساؤلات في هذه القضية حول ما إذا كانت المعلومات المستخدمة في التفويض بالهجوم تخضع للتدقيق.
في العام الماضي، في مواجهة اتهامات للجيش بالتستر على حالات سابقة من الضربات الجوية الخطأ التي قتلت أبرياء، تعهدت إدارة بايدن باتخاذ خطوات قالت إنها ستقلل من هذه المخاطر مع وعدها بمزيد من الشفافية عند حدوث عمليات قتل غير مقصودة.
وكشفت التحقيقات، التي أجرتها العديد من وسائل الإعلام، كيف أدت المعلومات الاستخبارية المغلوطة وما يسميه الجيش "الانحياز التأكيدي" إلى كارثة، بما في ذلك ضربة عام 2021 أثناء إخلاء القوات الأمريكية من أفغانستان، والتي أعلن المسؤولون في البداية أنها أسفرت عن مقتل انتحاري، ولكن ما حدث في الحقيقة هو قتْل 10 مدنيين أفغان، بينهم 7 أطفال.
لا إشارات على انتماء مستو للقاعدة
بدورها، أمدَّت صحيفة "واشنطن بوست" 4 خبراء في الإرهاب بتفاصيل عن مستو ومكان إقامته، وطلبت منهم إجراء مسح للمناقشات عبر الإنترنت بين الجهاديين بعد الضربة لأي حديث عن الهجوم، حيث لم يُعثَر على أية إشارات تدل على انتماء مستو إلى جماعة إرهابية.
وقال الخبراء إنه سيكون من غير المعتاد للغاية بالنسبة للقاعدة -ولا سيما زعيماً كبيراً فيها- العمل بالقرب من المنطقة التي تسيطر عليها مجموعة منافسة انفصلت عن التنظيم منذ سنوات، وتعتبر الآن القاعدة خصماً لها.
ووقعت غارة الطائرة المسيَّرة بالقرب من منزل مستو ومزرعة الدجاج الخاصة به، فيما شاركت الصحيفة إحداثيات موقع الهجوم مع أحد مسؤولي الدفاع الأمريكيين، الذي قال إن الموقع يقع بالقرب من "منطقة اهتمام معروفة" للقاعدة، لكنه رفض تحديد المبنى أو المباني التي تثير قلق الولايات المتحدة.
كما قال جيران مستو للصحيفة الأمريكية إن الإرهابيين لا يعيشون أو يعملون بالقرب من الموقع.
وحصلت الصحيفة أيضاً على صور تُظهِر وجه مستو قبل مقتله وبعده، وقدمت هذه الصور إلى القيادة المركزية. ولم يذكر المسؤولون هناك ما إذا كانوا يعتقدون أنه الرجل الذي قُتل في الغارة.
وقال اثنان من خبراء التعرف على الوجه، رَاجَعَا الصور، إنهما واثقان من أنها أظهرت الشخص نفسه، مع وصول تحليل أحد الخبراء إلى 90% من اليقين، فيما توصل ثالث إلى نتائج غير حاسمة، بحسب الصحيفة.
وجُمِعَت تفاصيل ما حدث قبل وبعد الهجوم الأمريكي من المقابلات مع عائلة مستو وجيرانه والصور التي قدمها الدفاع المدني السوري، وهي مجموعة استجابة إنسانية يشار إليها غالباً باسم "الخوذات البيضاء" التي توجهت لموقع الضربة في غضون دقائق.
ووصف جيران مستو روتينه اليومي، حيث يشرب الشاي مع العائلة والأصدقاء، ويرعى حيواناته، ويترك المنزل في الغالب للصلاة في المسجد، وقالوا إنه مسلم تقليدي ولا يملك هاتفاً.