بعد انضمام فنلندا لحلف الناتو.. ما أهميتها الاستراتيجية لكل من روسيا والغرب؟

تم النشر: 2023/04/06 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/06 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو (يسار) يصافح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين ويقف بجانبه الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ خلال حفل انضمام فنلنندا في بروكسل في 4 أبريل/نيسان 2023-رويترز

لقد رفع علم فنلندا في مقر حلف شمال الأطلسي "الناتو" في بروكسل، إذ أصبحت الجارة الغربية لروسيا العضو الحادي والثلاثين في حلف الناتو، حيث سلم رئيس فنلندن "سولي نينيستو" وثيقة الانضمام إلى وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، لكن انضمام فنلندا لحلف الناتو يمثل "نكبة" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي حذّر مراراً من توسع الناتو قبل غزوه لأوكرانيا.

فنلندا والاستقلال

لقد كانت فنلندا تابعة للإمبراطورية القيصرية الروسية بنظام حكم ذاتي بعد ما كانت الجزء الشرقي لمملكة السويد، وقد كانت الحروب بين فنلندا والسويد، بعضها بتحريض من روسيا، وقد ضمتها روسيا إليها ومنحتها حكماً ذاتياً باسم الدوقية الفنلندية مع مطلع 1809م، وعجزت روسيا مع الوقت على ضمها إلى مركزية الحكم بموسكو نظراً للصراع الداخلي في الإمبراطورية الروسية.

بعد مجيء الثورة الشيوعية، وانشغالها بروسيا الكبرى، والصراعات والحروب الأهلية لتثبيت أركان النظام الشيوعي، وفي إطار إعطاء الأقليات العرقية مساحة من الاستقلالية منح لينين زعيم الشيوعية السوفييتي الاستقلال لفنلندا، وتم إعلان عن الاستقلال في نوفمبر عام  1917.

بموجب قرار استقلال فنلندا حاول الاتحاد السوفييتي تأمين حدوده مع فنلندا، التي تحولت إلى تهديد للسوفييت خاصة فيما يعرف بقضية تأمين مدينة سانت بطرسبرغ القيصرية لينينغراد في الاتحاد السوفييتي، والتي كانت تبعد على الحدود الفنلندية بـ 32 كم.

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية وغزو ألمانيا لبولندا عام 1939 تخوف السوفييت من اتجاه الألمان نحو فنلندا، والجهة الشمالية  فطالب السوفييت وقتها من الفنلنديين منحهم أراضي وجزراً لتأمين حدودهم خاصة مدينتهم سانت بطرسبرغ، وبحر البلطيق لإقامة قواعد عسكرية لمواجهة الألمان تحسباً لهجومهم.

فنلندا وسياسة عدم الانحياز

لكن دولة فنلندا بسياسة الحياد التي بدأت تنتهجها، ورفضها الأحلاف العسكرية والوقوف مع أي جهة وقعت حادثة عسكرية بين الجيش الأحمر والجيش الفنلندي، ويقال إنها مفتعلة من طرف السوفيت أيام الزعيم ستالين  بعد أن فشلت كل محاولاته في تحقيق ما كان يريده من فنلندا.

حتى نشبت حرب بين روسيا السوفييتية وفنلندا، وتم غزو الأراضي الفنلندية من طرف قوات الاتحاد السوفييتي، وسميت هذه الحرب حرب "الشتاء"، ودامت أربعة أشهر من 30 نوفمبر 1939 إلى 13 مارس 1940، وتوجت باتفاق السلام تم عقده بموسكو.

تم بموجب اتفاقية السلام الموقعة بين فنلندا وروسيا تنازل الأولى عن 9% من أراضيها، حيث ضم الاتحاد السوفييتي مناطق واسعة على طول بحيرة لادوغا، وفي أقصى الشمال بقصد تأمين حدودهم وتأجير ميناء "كاينو" لمدة ثلاثين سنة، وتكبد الجيش السوفييتي خلال حربه  خسائر فادحة من طرف القوات الفنلندية، وتجلى لألمانيا أن الجيش الروسي ليس بتلك القوة والشراسة والفاعلية في الأرض، ما جعل الجيش النازي يتوجه لمواجهة وغزو روسيا.

وقعت مواجهة كبرى بين الروس والألمان في معركة شهيرة تسمى "بارباروسا"، وهزم الألمان الروس ما جعل فنلندا تتحالف وتتعاون مع الألمان ضد الروس انتقاماً منهم على سلبهم أراضيهم وغزوهم لها، وبعد انهزام دول المحور في الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء ومنهم روسيا.

خريطة تظهر كيف ستتغير حدود الناتو وروسيا بعد انضمام فنلندا للحلف/ wikimedia

مخاوف فنلندا من روسيا

أيقنت فنلندا أنها ستكون محوراً سياسياً لتهديد الاتحاد السوفييتي، فقامت بعقد اتفاقيات تأمين الحدود الروسية، والتزام الحياد والابتعاد عن الانضمام للأحلاف العسكرية، خاصة حلف شمال الأطلسي بعد الحرب العالمية مع دول أخرى مثل سويسرا والسويد والنرويج. 

اتجهت فنلندا إلى وضعها الداخلي تعمل على تطوير نفسها وتقوية دفاعها العسكري وتطوير جيشها وعسكرة المجتمع الفنلندي في إطار الاحتياط  ومن خلال سياسات التجنيد والتدريب، وتم عسكرة الحكومة في فنلندا للمجتمع للدفاع عن حدوده وأراضيه.

سكان فنلندا يزيدون على خمسة ملايين وجيشها الاحترافي يصل إلى حدود 280 ألفاً، والاحتياطيين ما يقارب 900 ألف جندي احتياطي وتملك قوة عسكرية مهمة ومعتبرة من المدرعات والدبابات والمنظومات الدفاعية والطيران المتطور منها طائرات الشبح إف 35 الأمريكية. 

ظلت فنلندا مهادنة لروسيا ومؤمنة لحدودها مع روسيا، ولكنها تسكنها مخاوف تاريخية، وواقعية من الجهة الروسية، ولكن مع غزو روسيا لأوكرانيا وكما تدعى لتأمين روسيا لحدودها، رغم أن تاريخياً أوكرانيا  مكونها البشري من الاتحاد الروسي، فما بالك بفنلندا وهي مكون بشري مغاير للمكون البشري الروسي.

بسبب الخوف من تهديدات الناتو، ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية للحدود الروسية، رفضت روسيا انضمام أوكرانيا للناتو فتعرضت للغزو الروسي، وهنا زادت حدة وحجم المخاوف لدى فنلندا من الروس، حيث يشتركون في ما يقارب عن 1300 كم من الحدود المشتركة مروراً ببحر البلطيق مع روسيا.

ظلت روسيا تهدد فنلندا طيلة حرب أوكرانيا وتحذرها من الانضمام إلى حلف الناتو وتوجه الرأي العام الفنلندي، مع مرور الحرب الروسية أصبحت الطبقة السياسية أكثر توجها  نحو ابتعاد فنلندا عن سياسة الحياد وتأمين نفسها بالانضمام إلى حلف الناتو، وإحداث قطيعة مع سياسة الابتعاد عن الأحلاف العسكرية والحياد، وتجاوزت نسبة المؤيدين لترك سياسة الحياد 80%، وصوّت البرلمان الفنلندي على الانضمام للناتو، كما رفعت تركيا الحظر عن انضمامها.

خريطة توضح موقع مدينة سان بطرس برغ الروسية ثاني أكبر مدن البلاد بجوار فنلندا/ wikimedia

دوافع فنلندا للانضمام للناتو

الذي دفع فنلندا مؤخراً للمسارعة في الانضمام السريع للناتو هو تعثر الجيش الروسي في حسم الحرب لصالحه في أوكرانيا، ودخول الجيشين الروسي والأوكراني مرحلة الاستنزاف المتبادل، حيث شكّل ذلك فرصة سانحة لتعجيل الانضمام. 

بانضمام فنلندا لحلف الناتو فقد ضمنت دعم الحلف لها تحت طائلة المادة الخامسة من معاهدة الناتو التأسيسية التي تنص أن أي اعتداء على عضو من حلف الأطلسي هو اعتداء على جميع الأعضاء في الحلف.

فنلندا ذات موقع استراتيجي يعزز دفاعات الناتو في منطقة حدودية مع روسيا في بحر البلطيق المعرضة للخطر من جهة القطب الشمالي.  

لقد صرح دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، بأن الكرملين يعتقد أن انضمام فنلندا لحلف شمال الأطلسي أحدث تفاقماً للوضع، وقال أيضاً إن توسيع نفوذ الناتو يعتبر اعتداءً على أمن ومصالح روسيا  القومية.

ما تخشاه روسيا من انضمام فنلندا للناتو هو أن ما قامت به من تأمين حدودها مع الناتو في أوكرانيا إلى شرق أوكرانيا حتى العاصمة كييف، قد واجهه من جهة أخرى توسع لحدود حلف الناتو بشكل قريب جداً مع حدودها المشتركة مع فنلندا التي تبلغ 1300 كم.

بذلك فإن العاصمة الروسية موسكو لا تبعد عن تحليق الصواريخ من الأراضي الفنلندية سوى 10 دقائق أو أقل من ذلك، وزادت الحدود الأمنية بين الناتو والروسية من 600 كم إلى 1900 كم، فقد صارت ست دول عضو في الناتو في منطقة البلطيق بانضمام فنلندا مؤخراً للناتو، وبذلك ستتضرر روسيا من هذا الانضمام.

فهل ستعيد روسيا استراتيجية الحدود الآمنة بغير التضحيات العسكرية؟ وهل ستدخل مرحلة السلاح النووي التكتيكي لتخفيض منسوب التهديد والاتجاه نحو التفاوض الحدودي بين الدول المجاورة لها؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سعيدي عبدالرحمن
كاتب وسياسي جزائري
سياسي وبرلماني جزائري سابق
تحميل المزيد