أصدرت وزارة الخارجية الروسية، يوم 31 مارس 2023، وثيقة تأسيسية لتصورها المستقبلي للعلاقات الدولية، وحددت فيها الرؤية السياسية والقانونية والفلسفية التي تتأسس عليها الفيدرالية الروسية في علاقاتها المتعددة مع إبراز وتحديد مصلحتها الوطنية، وأكدت على ما أسمتها "مهمتها" في أداء الأدوار العالمية والإقليمية في "تحقيق السلم والسلام في العالم" كقطب محوري مهم في عالم تنشد فيه روسيا التعددية القطبية.
الوثيقة الاستراتيجية قالت فيها روسيا إنها تركز على مكانتها الحضارية والثقافية، وعلى أنها مورد أساسي في تحقيق التوازن والاستقرار من خلال الأبعاد الثقافية والحضارية التي تتمتع بها روسيا من خلال مسيرة امتدت في التاريخ لأكثر من ألف سنة على حد قولها، حيث ترى الوثيقة أن الدولة الروسية ليست وليدة ظروف معينة من الأزمات العالمية، والإقليمية أو وليدة حقبة استعمارية في السابق أو نيو استعمارية.
ترى روسيا من خلال وثيقة سياساتها الخارجية أنها تمنح لمختلف الدول في العالم مخرجاً من الهيمنة الأمريكية وتوابعها وسياسات القهر الاقتصادي والمالي والسياسي بالتدخل في شؤون الدول، وبتغيير سياساتها ومساراتها في بناء مصالحها الاقتصادية والتجارية والسياسية تارة بالانقلاب أو التوترات الاقتصادية، والاجتماعية، واللااستقرار من خلال المساومات والمزايدات.
ترى روسيا في وثيقتها الخارجية أن ما يمارس على الهيئات الأممية، خاصة الضغط على هيئة الأمم المتحدة، ويمنعها من أداء أدوارها السلمية وفرض الأعراف الدولية، وتنفيذ القرارات الأممية في مختلف الأزمات والنزاعات، واعتبرت الوثيقة بعد تشخيص الواقع الدولي التي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية بفرض سياستها ورؤيتها المختلفة.
الولايات المتحدة في رؤية روسيا الخارجية
ترى روسيا في وثيقتها الخارجية أن أمريكا تشكل في إطار السياسة الخارجية الروسية عدواً يهدد مصالحها ويهدد أيضاً الدول الصديقة والحليفة لها، فأمريكا من وجهة النظر الروسية تحولت من منافس يحمل خصومة لروسيا إلى عدو يتربص ويعمل على القضاء عليها بشتى الأشكال والأساليب.
قد أظهرت الوثيقة أن روسيا في شراكة استراتيجية مع بعض الدول الكبرى تقاسمها المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية والتقاليد مثل الصين والهند، ما جعلها جميعاً في شراكة من أجل إيجاد وتأسيس عالم متعدد الأقطاب، كما تؤكد الوثيقة الروسية على مشروعية القانون الدولي العام وعلوه في العلاقات بين الدول.
ذكرت وثيقة خارجية روسيا أن العلاقات الدولية تبنى على الاستقلالية والسيادة بحيث لا يوجد مكان للهيمنة، والتدخل في الشأن الداخلي للدول، وترك الحرية للدول لحرية اتخاذ قراراتها وسياساتها في اختيار أنماط اقتصادية وسياسية تدير بها مصالحها الوطنية دون ضغوط خارجية، وأن تكون العلاقات الدولية مؤسسة على تبادل المنافع والمصالح.
شراكة استراتيجية لـ روسيا مع الصين والهند
من الشراكة الاستراتيجية مع الصين والهند تتجه روسيا إلى تطوير وتوسيع علاقاتها مع الدول الإسلامية والإفريقية والآسيوية، وما جاء في الوثيقة أن روسيا تعتبر كل من يعتدي على حلفائها والدول الصديقة لها هو اعتداء مباشر على روسيا، ما يجعل روسيا تسارع للتدخل لحماية حلفائها.
خلاصة الوثيقة حيث يوجد فيها الكثير من التفصيلات والتفريعات والمخرجات والمبادئ والمنطلقات والأسس بأن روسيا وضعت رؤية عملية جديدة، وصيغة تنفيذية لنظام عالمي متعدد الأقطاب تعتبر فيه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها تهديداً وخطراً على أمن روسيا وحلفائها.
منذ أيام الحرب الباردة ونهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 كان في رؤية الولايات المتحدة استمرار حقبة الاستعمار بالهيمنة، والكيل بمكيالين والانتقائية في العلاقات الدولية وتقسيم العالم على أساس السيطرة والاستغلال.
لذلك فإن جوهر وثيقة الخارجية الروسية هو إنهاء العهد الماضي في العلاقات الدولية، وتوجيه أمريكا له وقيادته والإعلان عن ميلاد عالم جديد في العلاقات الدولية بإنهاء القطبية الواحدة.
لكن يبقى السؤال: هل تكفي الوثيقة الخارجية الروسية لصناعة نظام دولي متعدد الاقطاب؟ أم أنها محاولة روسية لمواجهة أمريكا في ظل صراع روسيا مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.