بعدما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، في لاهاي، مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد يتساءل كثيرون حول دور واختصاص هذه المحكمة، وما إن كان قرارها سيؤثر على مجريات الأمور في الحرب الروسية الأوكرانية.
ما هي المحكمة الجنائية الدولية؟
كانت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي جزءاً من نظام العدالة العالمي منذ عام 2002، لكن تركيزها على القضايا الإفريقية أدى إلى اتهامات عديدة للمؤسسة بالتحيُّز العرقي.
وقد صادقت 123 دولة من حول العالم على قانون روما الأساسي، الذي أنشأ المحكمة، لكن الولايات المتحدة ليست من بين تلك الدول.
وتهدف هذه المؤسسة إلى محاكمة ومقاضاة المسؤولين عن أسوأ الجرائم التي يرتكبها البشر، مثل جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، حيث تتمتع المحكمة بولاية قضائية عالمية.
وهي تُعد الملاذ الأخير عندما تفشل كل السبل المحلية والدولية الأخرى في توقيف مجرمي الحرب عن ارتكاب ممارساتهم بحق الشعوب، لكنها لا تتدخل إلا عندما لا تستطيع السلطات الوطنية المقاضاة أو لا ترغب في ذلك.
وتختلف هذه المحكمة بشكل محدد عن غيرها من المحاكم الدولية ومؤسسات العدالة العالمية من ناحية أنه بمقدورها الحكم في النزاعات بين الحكومات وبعضها البعض، ولكنها لا تستطيع مقاضاة الأفراد بعينهم.
وعلى عكس المحاكم الدولية المختلفة، فإن المحكمة الجنائية الدولية هي هيئة دائمة ومنعقدة بشكل مستمر، للبحث في قضايا الجرائم الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك، للمحكمة اختصاص تلقائي فقط في الجرائم المرتكبة على أراضي دولة من الدول التي صدقت على المعاهدة، أو من قبل مواطن من هذه الدول الأعضاء، أو عندما يحيل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (United Nations) قضية إليها.
أبرز القضايا التي رفعتها المحكمة وأشهر المتهمين حول العالم
كان أول حكم للمحكمة، وصدر في مارس/آذار 2012، ضد توماس لوبانغا، زعيم إحدى الميليشيات العسكرية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقد أدين لوبانغا بارتكاب جرائم حرب تتعلق باستخدام الأطفال في صراع مسلح ببلده، وحُكم عليه في يوليو/تموز بالسجن 14 عاماً.
أما الشخص الأكثر شهرة الذي يتم إحضاره إلى المحكمة الجنائية الدولية فهو رئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو، الذي اتُّهم عام 2011 بالقتل والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي والاضطهاد و"أعمال غير إنسانية أخرى".
كما شملت القضايا البارزة الأخرى اتهام عمر البشير، في 4 مارس/آذار 2009، بـ5 تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتهمتين بارتكاب جرائم حرب فيما يتعلق بالوضع في دارفور.
ثم في 12 يوليو/تموز عام 2010، وُجهت إليه أيضاً ثلاث تُهم بالإبادة الجماعية بحق مجموعات عرقية، مثل الفور والمساليت والزغاوة، الذين كان يُنظر إليهم على أنهم متعاطفون مع الجماعات المتمردة ضده.
كما اتهم البشير بإصدار أوامر باغتصاب وقتل وإبادة ونقل قسري وتعذيب للمدنيين، فضلاً عن نهب العديد من القرى والمخيمات. هذا قبل أن يتم اعتقاله بعد اندلاع الثورة السودانية في 2018، بتهم الفساد وغسيل الأموال.
وبحلول 11 فبراير/شباط 2020، وافق المجلس العسكري الحاكم في السودان على تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمواجهة اتهامات الجرائم ضد الإنسانية في دارفور بعد قضاء محكوميته، حيث يقبع اليوم في سجن كوبر المركزي بالعاصمة السودانية الخرطوم.
وأخيراً وليس آخراً، اندرج اسم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، ونجله سيف الإسلام القذافي، ضمن لوائح المتهمين بجرائم ضد الإنسانية للمحكمة الدولية في لاهاي.
حيث تم توجيه لائحة اتهام ضد معمر القذافي، قبل وفاته في 27 يونيو/حزيران 2011، بتهمتي ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فيما يتعلق بالوضع في ليبيا قبل الثورة.
فبصفته رئيس الدولة وقائد القوات المسلحة الليبية، فقد خطط بالتشارك مع مستشاريه، لتنفيذ سياسة قمع عنيفة للانتفاضات الشعبية في الأسابيع الأولى من الثورة الليبية، أسفرت عنها حرب أهلية.
كما اتُّهم بوضع خطة رداً على الثورتين التونسية والمصرية في 2011، حيث أمر قوات أمن الدولة الليبية، الخاضعة لسلطته، باستخدام جميع الوسائل بالضرورة لقمع الاحتجاجات العامة ضد حكومته، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين.
ولكن قُتل القذافي في مدينة سرت الليبية، في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وأنهت المحكمة الإجراءات ضده في الشهر التالي.
أما بالنسبة لنجله، فقد تم توجيه الاتهام إلى سيف الإسلام القذافي، في 27 يونيو/حزيران 2011، بتهمتين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فيما يتعلق بالوضع في ليبيا. وذلك رغم أنه لم يكن عضواً رسمياً في الحكومة الليبية، لكن يُعتقد أنه كان واقعياً هو رئيس الوزراء و"الخليفة غير المعلن والأكثر نفوذاً" لمعمر القذافي.
وبالفعل، اعتُقل سيف الإسلام القذافي من قبل أعضاء إحدى الفرق العسكرية الثورية، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011. ثم في 2012، أعلنت السلطات الليبية نيتها محاكمته. ومع ذلك، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2014، وجدت الدائرة التمهيدية أن ليبيا في حالة عدم امتثال للعديد من أوامرها، بما في ذلك أوامر نقل القذافي إلى حجزها، وبالتالي أحالت ليبيا إلى مجلس الأمن.
ثم في 9 يونيو/حزيران 2017، أطلقت الميليشيا التي كانت تحتجز القذافي سراحه من الحجز، ولا يزال مكانه غير معروف حتى اليوم.
تفاصيل صدور قرار المحكمة الدولية الأخير بحق بوتين
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مذكرات توقيف بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومفوضة حقوق الأطفال الروسية ماريا ألكسييفنا لفوفا بيلوفا، فيما يتعلق بالترحيل القسري للأطفال من أوكرانيا إلى روسيا، حيث تم تبني العديد منهم من قبل العائلات الروسية.
أتى هذا القرار باعتباره جزءاً من الترحيل القسري للسكان، وهو ما يُعد جريمة بموجب قانون روما الأساسي الذي تتبعه المحكمة. حيث كانت روسيا من الدول الموقعة على قانون روما الأساسي، لكنها انسحبت عام 2016، قائلة إنها لا تعترف باختصاص المحكمة.
ورغم أن أوكرانيا نفسها ليست من الدول الموقعة على المحكمة في لاهاي، فإنها منحت المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة على أراضيها.
وقد أدت أربع زيارات قام بها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، خلال العام 2022، إلى إصدار حكم مفاده أن "هناك أسباباً للاعتقاد بأن بوتين يتحمل المسؤولية الجنائية الفردية" عن اختطاف الأطفال.