تواجه الكنيسة الكاثوليكية في إسبانيا اتهامات بتعمَّد إخفاء الهوية الإسلامية لجامع قرطبة الكبير بعد الكشف عن خطط لإنشاء مركز للزوّار تتضمن أهدافه ترويج مزاعم بأن أصول المسجد مسيحية، بحسب ما أفادت صحيفة The Times البريطانية، الثلاثاء 28 فبراير/شباط 2023.
كان المسجد الإسلامي الشهير تحول إلى كاتدرائية منذ أن استولت القوات المسيحية عليه في عام 1236. وأسَّس بنو أمية جامع قرطبة على مراحل بين أواخر القرن الثامن وأوائل القرن العاشر الميلاديين، وهو من أشهر المعالم الإسلامية في العالم.
ويهدف المركز المخطط إنشاؤه إلى "تصحيح" ما تعدُّه الكنيسة رؤية إسلامية "مبالغاً فيها" لماضي المدينة؛ حيث قال تقرير أعدَّه ديميتريو فرنانديز، أسقف قرطبة، إن "الحاجة إلى إعادة تصميم مساحة المسجد بأكملها ناشئة عما انتهينا إليه من أن قرطبة تغلب عليها صبغة ثقافية قوية للغاية: وهي كونها مدينة إسلامية".
هجمات على التأثير الإسلامي "الواضح"
وزعم التقرير أن هذه الصبغة الإسلامية "تنطوي على اختزال شديد يتجاوز الماضي القوطي الغربي والروماني والمسيحي الرائع، والغني بالمظاهر الفنية، والذي ترك آثاراً لا تُمحى في تاريخ المدينة وثقافتها حتى الآن".
بدورها، وصفت صحيفة El País الإسبانية الخطةَ بأنها أحدث هجمات الأسقف "على التأثير الإسلامي الواضح والمستعصي على الشك في مجمع قرطبة بأكمله".
بينما انتقدت مجموعة ناشطة تُدعى Plataforma Mezquita-Catedral الخطةَ، واتهمتها بأنها تسعى إلى "إضعاف" مكانة المسجد لمصلحة الحضور المسيحي في قرطبة.
من جانب آخر، قال خوسيه ميغيل بويرتا، أستاذ تاريخ الفن في جامعة غرناطة، إنه "من الجيد تقدير الماضي اليهودي والمسيحي في قرطبة والمسجد وإبرازهما، ولكن ليس على حساب التقليل من الجانب الإسلامي أو إخفائه، لأن ذلك ليس مستحيلاً فحسب، وإنما لأن هذه الحقبة شهدت أعظم ازدهار للمدينة طوال تاريخها".
انتقادات لأسقف قرطبة
وواجه أسقف قرطبة عاصفة من الغضب بعد أن زعم خلال مقابلة في عام 2017 أن جامع قرطبة تجسيد للفن المسيحي، "فالحقيقة أن الخلفاء الأمويين لم يكن لديهم مهندسون معماريون ولم يبدعوا فناً جديداً، والمسجد ليس تجسيداً لفنون العمارة الإسلامية. لقد لجأوا إلى مواطنيهم المسيحيين في دمشق ونقلوهم إلى قرطبة [لإنشاء المسجد]. ولذلك فهو ليس تجسيداً لفن إسلامي، إنها عمارة بيزنطية… وكل ما فعله المورسكيون أنهم وفروا المال".
كما قال فرنانديز في ديسمبر/كانون الأول: "قبل أن يصير مسجداً، كان بازيليكا [قاعة ملكية] للقوط الغربيين، وبعد العصر الإسلامي الذي ترك لنا هذا المعبد الفخم، شهد المكان تاريخاً حياً متراكماً".
يختلف المؤرخون فيما إذا كان المسجد قد بُني في موقع كنيسة، وثار جدل آخر بشأنه في المدة الماضية بعد أن طالبت مجموعات من المسلمين بالسماح لهم بالصلاة في الداخل، وهو أمر رفضته الكنيسة.
في حين أقرت الحكومة الإسبانية رسمياً هذا الشهر بأن المبنى تابع للكنيسة الكاثوليكية، رغم الاعتراض القائم من ناشطين ومؤرخين إسبان على ملكيته، وجدالهم بأنه ينتمي إلى تاج قشتالة ثم الدولة الإسبانية.
من الجدير بالذكر أنه لما بنى أسقف قرطبة صحناً للكاتدرائية في قلب المسجد خلال القرن السادس عشر، قال له ملك إسبانيا الإمبراطور كارل الخامس (شارلكان): "لقد بنيتَ هنا ما كان يمكن لك أو لغيرك بناؤه في أي مكان؛ لكنك لكي تفعل ذلك، دمَّرت شيئاً فريداً في هذا العالم".