الموت الرحيم وفقاً للمؤسسات الطبية حول العالم، هو فعل الإنهاء المتعمد لحياة الإنسان لتخفيف معاناته.
على سبيل المثال، يمكن اعتبار القتل رحيماً إذا قام الطبيب عمداً بإعطاء مريض مصاب بمرض عضال دواءً مثل جرعة زائدة من المهدئات أو مرخيات العضلات، بهدف إنهاء حياته لإيقاف معاناته.
ويُعد الانتحار بمساعدة شخص، وفقاً لمنظمة الصحة الوطنية البريطانية NHS، هو فعل مساعدة شخص آخر عمداً على قتل نفسه.
هذا القرار المثير للجدل تم تشريعه في بعض الحالات المعينة، وعادة ما يستلزم الكثير من الإجراءات في الدول التي تسمح به لكي يصبح قابلاً للتنفيذ. في هذا التقرير نستعرض ما هي الدول التي أقرت الموت الرحيم، وما هي شروطه أو المخولين بتنفيذه.
ما هو الموت الرحيم؟
توسعت ممارسات المساعدة على الموت، والتي تشمل القتل الرحيم والانتحار بمساعدة الطبيب، بشكل كبير في بعض دول العالم على مدار العشرين عاماً الماضية. وهو ما يختلف كلياً عن بدايات القرن مثلاً، عندما كان يتم حظر تلك الممارسات، وحتى تجريم المطالبة بها.
وبشكل عام، يشير القتل الرحيم إلى فعل الإنهاء المتعمد لحياة مريض من قبل ممارس رعاية صحية، مثل طبيب أو ممرض، من خلال الوسائل الطبية بناءً على طلب صريح من المريض بذلك. ويتضمن نظام القتل الرحيم توفير أو وصف الأدوية من قبل ممارس الرعاية الصحية للمريض لإنهاء حياته.
وبحسب تقرير بعنوان "الموت بمساعدة الآخر حول العالم: الأسئلة والإجابات"، نشرته المجلة السنوية للطب التلطيفي APM، أدى تزايد معدلات الشيخوخة في العالم المصحوب بمستويات أعلى من الأمراض المزمنة والأمراض المستعصية إلى زيادة التركيز على قضايا إنهاء الحياة.
وقد أصبحت ممارسات المساعدة على الموت، أو الموت الرحيم، قانونية الآن في عدد من الدول، مما يزيد عدد الأشخاص الذين يمكنهم القيام بالأمر.
وحالياً، تجري صياغة تشريعات جديدة أو إعادة النظر فيها في البرتغال وإسبانيا و16 ولاية أمريكية أخرى، بعد تزايد المطالب بسن قوانين تسمح به في ظروف محددة.
في المقابل، ألغت ألمانيا خلال السنوات الأخيرة حظراً كان مفروضاً على خدمات المساعدة على الموت، بينما وضعت نيوزيلندا تقنيناً لقوانين القتل الرحيم منذ عام 2020 لمنع استغلال القانون في الجرائم والتجاوزات المهنية الطبية.
تاريخ حافل باللبس والارتباك
بدأ المعنى الحديث لمصطلح القتل الرحيم أو الموت الرحيم في القرن العشرين، تزامناً مع انتشار منظمات الحق في الموت ومنظمات القتل الرحيم الطوعية التي دعمت تقنين هذه الممارسة للتخفيف من معاناة كبار السن أو المرضى بحالات صحية خطيرة ومؤلمة أو ميؤوس منها.
وقد بدأ الجدل حول القتل الرحيم تحديداً عام 1973 من خلال قضية قانونية اشتهرت في هولندا، شملت طبيبة استخدمت حقنة قاتلة لإنهاء حياة والدتها المحتضرة بناءً على طلب من والدتها، وهناك أثيرت الكثير من المناظرات حول العالم، حول مشروعية هذا الحق في إنهاء الحياة.
وفي نهاية المطاف، تم تقنين القتل الرحيم بهولندا منذ عام 2002، بحسب موقع PubMed للأبحاث الطبية.
غالباً ما يتم استخدام مصطلح "القتل الرحيم السلبي" للإشارة إلى القرارات السلبية التي تمكِّن المريض من الموت، بما في ذلك منع أو سحب العلاج الذي يحافظ على استقرار الحالة أو يطيل عمرها.
إلا أن هذا الاستخدام يؤدي إلى الارتباك، وهو غير دقيق نظراً لأن "القتل الرحيم" معرّف قانونياً بأنه فعال وطوعي في البلدان التي لديها مثل هذه التشريعات.
لكن في الولايات المتحدة وفي أي مكان آخر تقريباً، يعتبر إنهاء العلاج الذي يحافظ على حياة المصاب أمراً أخلاقياً وقانونياً إذا ما تم تنفيذه باتفاق المريض أو الوكيل عن الشخص المصاب.
كيف يتم تقنين القتل الرحيم وما هي الأعداد؟
تختلف خصائص ممارسة المساعدة على الموت، أو تشريعات الموت الرحيم دولياً، وهناك أيضاً تباين كبير في المصطلحات والتسميات المستخدمة للمساعدة في الموت حول العالم، ما يعزز حالة الارتباك والجدل حول تلك الممارسات.
يختلف تكرار الاستخدام أيضاً اختلافاً كبيراً حسب النظام القضائي للدولة، على الرغم من وجود زيادة ثابتة في البلدان الأوروبية بما في ذلك بلجيكا وهولندا وسويسرا.
وتتضمن جميع تشريعات المساعدة على الموت الرحيم متطلبات جوهرية وإجرائية، مثل حد أدنى للسن، وفترة الانتظار التي أمضاها الشخص مع المرض، والحالة الصحية العامة، واستشارة الطبيب، وغير ذلك.
في البلدان التي يكون فيها القتل الرحيم أو الانتحار بمساعدة قانونية مشروعاً، ينتج عن القرار وفاة ما بين 0.3 و4.6% من أعداد الوفيات السنوية، بأكثر من 70% منها مرتبط بالسرطان.
في ولايتي أوريغون وواشنطن، يكتب ما يقل عن 1% من الأطباء وصفات طبية تساعد على الانتحار كل عام، بحسب موقع Medical News Today للصحة والمعلومات الطبية.
الدول التي تعطي الحق في الموت الرحيم
القتل الرحيم قانوني حالياً في بعض الدول، علاوة على عدد من الولايات والمدن التي أقرت محاكمها تشريعات تجيز الخطوة بعد عدد من الشروط والمعايير. وهي كالآتي وفقاً لبحث نُشر في مجلة The Week الأمريكية:
- هولندا (منذ 2002).
- بلجيكا (منذ 2002).
- لوكسمبورغ (منذ 2009).
- كولومبيا (منذ 2015).
- كندا (منذ 2016).
- فيكتوريا (منذ 2017).
- في مارس/آذار عام 2021، شرعت إسبانيا قانوناً لإنهاء الحياة في بعض الظروف.
- العديد من الولايات في أمريكا.
- مقاطعة ماركيه بإيطاليا (منذ عام 2021).
- كما أقرت أستراليا الغربية قانون القتل الرحيم اعتباراً من ديسمبر/كانون الأول 2019 مع مرحلة تنفيذ مدتها 18 شهراً إلى أن دخل القانون حيز التنفيذ في منتصف عام 2021.
- بدوره صوت البرلمان النيوزيلندي لصالح إضفاء الشرعية على القتل الرحيم في أواخر عام 2019.
- وفي فرنسا، من القانوني طلب خيار التهدئة الملطفة، حيث يمكن لأي شخص أن يطلب أن يتم تخديره بعمق حتى الموت، لكن المساعدة على الموت غير مسموح بها.
معايير تنفيذ الموت الرحيم
نتيجة لجدلية ومخاطر تشريع مثل تلك القوانين، كان لا بد من تحديد عدد من المعايير والشروط التي تستلزم النظر في كل حالة على حدة، وتجيز هذا الحق في الموت بمساعدة الآخرين بعد استيفائها.
لذلك تفرض معظم التشريعات القضائية قيوداً على الحد الأدنى لسن القتل الرحيم والانتحار بمساعدة الطبيب ليكون مسموحاً به.
على سبيل المثال، في كندا ولوكسمبورغ والولايات المتحدة، يجب ألا يقل عمر الشخص عن 18 عاماً لطلب الانتحار بمساعدة الطبيب.
أما في هولندا، فيمكن للمريض أن يطلب مساعدة الموت من سن 12 عاماً إذا كان يعاني من حالة مستعصية تنظر فيها المحكمة.
كما سمحت بلجيكا لأي مريض من أي عمر بطلب القتل الرحيم أو الانتحار بمساعدة الطبيب منذ عام 2014، بشرط أن يكون لديه حكم ناضج وصحة عقلية تستلزم الثقة في قراره.
في المقابل، لا تحدد سويسرا سناً يمكن فيه لأي شخص أن يطلب المساعدة على الانتحار، على الرغم من أن معظم منظمات الحق في الموت تطلب من الشخص أن يكون بالغاً ويتمتع بحكم سليم.
شروط الموافقة على طلب "الموت الرحيم"
تشمل الشروط والمتطلبات للمساعدة على الانتحار والقتل الرحيم ما يلي:
- أن يكون الطلب طوعياً ومدروساً ومستمراً، أي يصر عليه المريض لمدة طويلة.
- يجب أن يكون لدى الشخص حالة خطيرة وغير قابلة للشفاء بسبب مرض أو حادث.
- يجب أن يعاني الشخص من معاناة جسدية أو نفسية لا تطاق ولا يمكن تخفيفها.
- يجب على الطبيب إبلاغ الشخص عن حالته وخياراته الطبية، ويجب أن يكون الطرفان قد توصلا إلى تفاهم أنه لا يوجد احتمال معقول للتحسن.
في السياق ذاته، تشمل القواسم المشتركة بين المتطلبات الإجرائية للمساعدة على الانتحار والقتل الرحيم ما يلي:
- يجب استشارة طبيب مستقل آخر من قِبَل الطبيب المعالج قبل إجراء القتل الرحيم.
- تشترط الولايات المتحدة وكندا فترات انتظار إلزامية بين الطلب وتقديم المساعدة في الوفاة.
- يجب الإبلاغ عن حالة طلب القتل الرحيم من قِبَل الطبيب المُلزَم باتباع الإجراء، لكي تتم مراجعته من قبل لجنة مراقبة وتقييم متعددة التخصصات.
كيف يتم إجراء القتل الرحيم؟
على الرغم من أنه يمكن للأطباء استخدام أنواع متعددة من الأدوية لإجراء القتل الرحيم، بعض التشريعات الحالية تحدد استخدام عقاقير معينة.
في أغلب الأحيان، تحدد السلطات القانونية مزيجاً من البنزوديازيبين (اختيارياً) لتهدئة المريض، متبوعاً بجرعة عالية من دواء مثل: ثيوباربيتال أو بنتوباربيتال أو سيكوباربيتال، والتي عادة ما تسبب الوفاة، تليها مرخيات العضلات، إذا لزم الأمر.
وغالباً ما لا يكون الطبيب حاضراً عندما يتلقى المريض الأدوية التي تنهي الحياة في الولايات المتحدة، وتتم عادةً عن طريق ابتلاع كوكتيل مميت من العقاقير.
ومع ذلك، في بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ مثلاً، يكون حضور الطبيب إلزامياً.
وبشكل عام، تشمل الأدوية المستخدمة الأكثر شيوعاً في حق الانتحار والموت بمساعدة الطبيب الباربيتورات التي يتم تناولها ذاتياً للحث على فقدان الوعي، وبعد ذلك يحدث الموت ببطء نتيجة الاختناق من الانخفاض القلبي التنفسي.
جدل قائم وطلب مستمر
في حين أن الجدل الاجتماعي والسياسي وحتى الديني حول القتل الرحيم والانتحار بمساعدة الطبيب لا يزال شرساً ومستمراً، فقد توسعت التشريعات الخاصة بمساعدة الموت بشكل كبير في أوروبا وأمريكا وأستراليا على مدار العشرين عاماً الماضية، لكنه لا يزال غير مشروع في إفريقيا والشرق الأوسط.
واليوم، أصبح القتل الرحيم وممارسات الانتحار بمساعدة الطبيب قانونياً في 19 ولاية قضائية ودولة من حول العالم، مما يسمح لنحو 200 مليون شخص تقريباً بالوصول لهذا الخيار في إنهاء الحياة عند استيفاء الشروط.
وحتى الآن، تتصارع العديد من البلدان مع القضايا المتعلقة بالرعاية في نهاية العمر وتشريعات المساعدة، ما يجعل هناك حاجة ملحة لمزيد من البحث في الآثار على المرضى والأطباء وأنظمة الرعاية الصحية والمجتمعات، لضمان أنها تساعد أكثر مما تضر، وأنه لا يتم استخدامها في تنفيذ الجرائم بصورة أو بأخرى.