قالت صحيفة The Times البريطانية، الإثنين 15 أغسطس/آب 2022، إن الاستنفار في نقص البضائع الذي تشهده بعض المتاجر في فرنسا، يثير "جنون العظمة" في هذا البلد، كما يعزز ولعه الجاهز بنظريات المؤامرة.
وضربت لذلك مثالاً بلافتة علقتها جمعية تعاونية تبيع المواد الغذائية في إقليم "أور ولوار" الفرنسي، أمام زبائنها، تطلب منهم "الحدّ من مشترياتهم من الزيوت إلى أدنى حد ممكن".
وفي الجهة الأخرى، ترى إشعاراً آخر معلقاً على جزء فارغ من الرف بين صلصة البورغينيون والمخللات، يوضح أن المتجر ليس متاحاً فيه الخردل لنقصه في الأسواق بسبب "الظروف المناخية السيئة".
هذا النقص في منتج رمزي، مثل خردل الديجون، سيكون وحده كافياً لاستثارة جنون العظمة لدى هذا البلد المتأهب دائماً لاتِّباع أية مزاعم تعضِّد الفكرة الموهومة عن كونه ضحية للقوى المظلمة للرأسمالية العالمية، والتي عادة ما يُقصد بها رأسمالية العالم الأنغلوسكسوني (بريطانيا والولايات المتحدة)، حسب الصحيفة.
نقص في المواد أم مؤامرة سرية؟
ولأن الأسواق تشهد في الوقت الحالي نقصاً واضحاً في كثير من مستلزمات الطهي، فإن كثيراً من الفرنسيين المؤمنين بأن هناك مؤامرة سرية قيد التنفيذ لتقويض بلادهم، وجدوا في هذه الأزمة ما يزعمون أنه قرائن توافق حديثهم عن مؤامرة عالمية عليهم.
على سبيل المثال، يتوقع مزارعو الألبان حدوث نقص في الحليب هذا الشتاء، وارتفاع أسعار الجبن نتيجة لذلك. بينما يحذر منتجو البط والإوز من أن كبد الإوز قد يغيب عن احتفالات عيد الميلاد هذا العام.
في السياق، تحدثت الصحف المحلية عن نقص في المياه المعدنية والمايونيز وصلصة البيرنيز في الأسابيع الأخيرة، علاوة على ارتفاع سعر خبز الباغيت الفرنسي من 90 سنتاً في المتوسط العام الماضي إلى 93 سنتاً.
في الواقع، يُرجع محللو السوق هذا النقص إلى مجموعة متنوعة من العوامل غير المترابطة في الغالب، فقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الدقيق، وطالت تأثيراتها أيضاً إمدادات زيت الطهي ومجموعة من المنتجات التي يُستخدم فيها، مثل المايونيز والصلصات المختلفة.
أما خردل ديجون، فيرجع نقصه إلى موجة الحر التي أصابت كندا العام الماضي، لأن كندا تنتج أكثر من 70% من بذور الإنتاج.
وفي أوروبا، فإن درجات الحرارة المرتفعة هذا الصيف أدت إلى حرق الكثير من المراعي وحرمان الأبقار احتياجاتها من الطعام والشراب، وقد كان لذلك تداعيات كبيرة على إنتاج الحليب والألبان. ومن المحتمل أن تتضرر محاصيل البطاطس للسبب نفسه.
من جهة أخرى، أدى تفشي أنفلونزا الطيور إلى القضاء على أعداد كبيرة من البط والإوز، وهو ما يفسر النقص في كبد الإوز الذي يشتهر به المطبخ الفرنسي.
أما مشكلة نقص المياه المعدنية، فترجع في معظمها إلى زيادة استهلاك المياه في موجة الحر، وإلى الصعوبات المتعلقة بتعيين مزيد من الموظفين لتسريع عمليات التسليم.
كذلك نقص الحلزون الذي يحب الفرنسيون تحميصه بالثوم والبقدونس والزبدة، فيعود إلى "الاضطراب في درجات الحرارة"، ونقص العمالة القادمة من أوروبا الشرقية، التي يأتي منها معظم عمال مزارع الحلزون، وفقاً لبيانات الاتحاد الفرنسي للأطعمة المحفوظة.
فرنسا لا تعاني من نظريات المؤامرة
يبدو الأمر كأن الشيء الوحيد الذي لا تعاني فرنسا نقصاً فيه هذا الصيف هو نظريات المؤامرة؛ فالممثلة الفرنسية فيرونيكا جينست، على سبيل المثال، لم تتكلف عناء الالتفات إلى تفسيرات المحللين، وقالت بدلاً من ذلك إن شركات صناعة الأغذية تتعمد تعطيل الإمدادات الغذائية رغبةً في رفع الأسعار وزيادة الأرباح، وكتبت على موقع تويتر: "إنه عالم فاسد".
الممثلة الفرنسية ليست الوحيدة التي تتبع مثل هذه المعتقدات، فالآراء نفسها تبدو واضحة في تعليقات القراء على المقالات المتعلقة بنقص الغذاء في المواقع الإلكترونية للصحف الفرنسية المحلية، مثل صحيفة Les Dernières Nouvelles d'Alsace في شرق فرنسا، وصحيفة La Dépêche du Midi في الجنوب.
وقال أحد القراء الفرنسيين في تعليقه إن الغاية من الحديث عن نقص الغذاء هي زيادة الطلب، بينما قال معلق آخر إن وزراء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متعاونون مع شركات توزيع أغذية لديهم أسهم فيها. ومع ذلك، فإنه لا توجد أدلة تستند إليها هذه المزاعم.
يُذكر أن استطلاع رأي نُشر في فبراير/شباط أشار إلى أن 35% من الفرنسيين يؤمنون بنظريات المؤامرة، وقد بلغ هذا الانتشار ذروته خلال العاميين الماضيين؛ بسبب تفشي فيروس كورونا.