أجرى المسؤولون الأوكرانيون أكثر من 8600 بحث للتعرف على وجوه الجنود الروس القتلى والمأسورين خلال 50 يوماً منذ بداية الحرب، واستخدموا عمليات المسح الضوئي لتحديد هويات الجثث والتواصل مع المئات من عائلاتهم، في واحدةٍ من أبشع التطبيقات التكنولوجية حتى يومنا هذا.
حيث أعلن جيش تكنولوجيا المعلومات في البلاد، المكون من نشطاء ومخترقين متطوعين يتلقون الأوامر من الحكومة الأوكرانية، عن استخدام وسائل التحقق من الهوية المذكورة لإخطار العائلات بوفاة 582 من الجنود الروس، مع إرسال صور الجثث إليهم، وذلك وفق تقرير نشرته صحيفة Washington Post الأمريكية يوم الخميس 14 أبريل/نيسان 2022.
برنامج مسح ضوئي لضحايا الجيش الروسي
إذ بدأ الأوكرانيون في استخدام برنامج مسحٍ ضوئي للوجوه من تطوير شركة Clearview AI التقنية الأمريكية كوسيلةٍ وحشية وفعّالة في الوقت ذاته، لإثارة السخط الشعبي داخل روسيا، وإثناء مزيد من المقاتلين عن التطوع، والتعجيل بنهاية هذه الحرب المدمرة.
لكن المحللين العسكريين والتقنيين قلقون من أن هذه الاستراتيجية قد تأتي بردِّ فعلٍ عكسي، وتثير الغضب حيال الحملة الصادمة التي تستهدف أمهاتٍ يعشن على بُعد آلاف الكيلومترات من مُحرّكي آلة حرب الكرملين.
لا شك في أن تضامن الغرب مع أوكرانيا يجعل دعم مثل هذه التصرفات الراديكالية أمراً مغرياً، رغم كونها تستغل حزن الأهالي، بحسب ستيفاني هير، باحثة المراقبة في لندن. لكن ستيفاني أوضحت أيضاً أن التواصل مع أهالي الجنود شكلٌ من أشكال "الحرب النفسية الكلاسيكية"، التي قد تمثل سابقةً خطيرة للصراعات المستقبلية.
حيث قالت هير: "لو كان الروس من يفعلون ذلك للأمهات الأوكرانيات، لقلنا: يا إلهي، يا له من تصرفٍ همجي!".
التعرف على وجوه الجنود
بينما أفاد الرئيس التنفيذي للشركة، هوان تون ثات، لصحيفة Washington Post الأمريكية، بوجود أكثر من 340 مسؤولاً في خمس وكالات حكومية أوكرانية قادرين على استخدام الأداة لإجراء عمليات بحث التعرف على الوجوه متى أرادوا، وبالمجان.
كما أردف أن بعضهم يستخدم تطبيق الهاتف الخاص بالشركة لمسح الوجوه في أرض المعركة، بينما ولج آخرون للتدريب في أثناء تمركزهم بنقاط التفتيش أو خروجهم في الدوريات، بينما تظهر السماء المظلمة وراء وجوههم.
أوضح تون ثات أن الشركة قدمت خدماتها لوزارة الدفاع الأوكرانية أول مرة في الشهر الماضي، بعد مشاهدة مواد دعائية روسية تزعم أن الجنود المقبوض عليهم هناك، مجرد ممثلين أو محتالين.
يُذكر أن النظام كان يُستخدم في الأساس بواسطة رجال الشرطة والمحققين الفيدراليين داخل الولايات المتحدة لاكتشاف ما إذا كانت صور المشتبه به أو الشاهد تطابق أياً من الصور الموجودة على قاعدة بياناتهم، التي تضم 20 مليار صورة مأخوذة من مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت العامة.
كما أن 10% من صور قاعدة البيانات مأخوذةٌ من أكبر الشبكات الاجتماعية الروسية VKontakte بحسب تون ثات، مما يجعلها أداةً مفيدةً في عمليات المسح على أرض المعركة.
نتائج إيجابية لبرنامج المسح الضوئي
في حين شاركت Clearview رسائل بريد إلكتروني وصلت إليها من ثلاث وكالات حكومية أوكرانية مع الصحيفة الأمريكية، وهي الشرطة الوطنية ووزارة الدفاع ووكالة ثالثة طلبت من الشركة عدم الكشف عن هويتها، مما يؤكد استخدام برنامجها.
حيث قال ممثلٌ لوزارة الدفاع، في إحدى رسائل البريد الإلكتروني التي شاركتها Clearview مع Washington Post، إنهم اختبروا البرنامج بمسح صورٍ لوجوه الجنود القتلى "وكانوا على موعد مع مفاجأة سعيدة" حين قدمت الأداة نتائجها في صورة روابط إلى حسابات الروس على VK وInstagram.
في حين تابع تون ثات أن الوكالات الأخرى بدأت تختبر التقنية أيضاً بتشجيعٍ من الجيش، حيث استخدمت التطبيق للتأكد من هويات الأشخاص أيضاً في نقاط التفتيش العسكرية، والتحقق من أن الأوكرانيين المارة ليسوا متسللين أو مخربين روساً محتملين. وجادل بأن النظام قادرٌ على ردع الجنود الروس عن ارتكاب جرائم الحرب؛ خوفاً من كشف هوياتهم.
لكن استراتيجية المسؤولين، القائمة على إخطار العائلات بأنباء وفاة ذويهم، قد أثارت المخاوف من إغضاب الروس بدلاً من إقناعهم، حيث قال خبيرٌ في الأمن القومي إن بعض التصرفات الأوكرانية الأخرى -مثل عقد مؤتمرات صحفية بحضور الجنود الروس الأسرى ونشر صور وفيديوهات سجناء الحرب على الشبكات الاجتماعية- لا يُنظر إليها داخل روسيا باعتبارها عرضاً مطلوباً للحقيقة، بل إهانة من جانب العدو.
عمليات مسح الجثث
بعيداً عن عمليات مسح الجثث، تستخدم أوكرانيا التعرف على الوجوه أيضاً لتحديد هويات الجنود الروس الذين رصدتهم الكاميرات وهم ينهبون المنازل والمتاجر الأوكرانية، وفقاً لما أفاد به مسؤولٌ في وزارة التحول الرقمي الأوكرانية، للصحيفة الأمريكية.
فيما صرّح مسؤولٌ في الوكالة الأوكرانية التي طلبت الإبقاء على سرية هويتها لشركة Clearview، بأن الوكالة استخدمت النظام لتحديد هويات المحتجزين داخل البلاد، والتحقق من حساباتهم على الشبكات الاجتماعية؛ بحثاً عن أي شيء يثير الشبهات، وضمن ذلك "قائمة جهات الاتصال" الخاصة بهم.
لكن نتائج التعرف على الوجه ليست مثالية، ويخشى بعض الخبراء من أن الخطأ في تحديد الهوية قد يؤدي لإخطار الشخص الخطأ بوفاة ابنته، مما قد يعني الفارق بين الحياة والموت في أوج الحرب. بينما دعت منظمة الحقوق الرقمية Privacy International شركة Clearview إلى إنهاء أعمالها في أوكرانيا، قائلةً إنّ "التداعيات المحتملة قد تكون أكثر فظاعةً من أن نتساهل معها، ومن بينها الخلط بين المدنيين والجنود".