أبراموفيتش يقود وساطة بين بوتين وزيلينسكي.. الرئيس الروسي انفعل لرؤية شروط كييف، وقال له: “سأسحقهم!”

قالت صحيفة The Times البريطانية، في تقرير نشرته يوم الإثنين 28 مارس/آذار 2022، إنه وفي يوم الأربعاء 23 مارس/آذار 2022، أقلعت طائرة هوكر 800 خاصة من مطار أتاتورك في إسطنبول، واتجهت شرقاً فوق البحر الأسود ودخلت المجال الجوي الروسي فوق مدينة سوتشي. وبعد مدة وجيزة، عندما كانت بالقرب من مدينة منرالني فودي الروسية، أطفأت مُتعقب الرحلات الجوية.

في تلك الليلة، غادرت الطائرة نفسها مطار فنوكوفو الدولي بموسكو، وعادت إلى إسطنبول. وكان على متنها رومان أبراموفيتش، الأوليغارشي الروسي والمالك السابق لنادي تشيلسي الإنجليزي، الذي يضطلع بدور المبعوث غير الرسمي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المحادثات مع أوكرانيا.

لقاء أبراموفيتش بالرئيس بوتين

في موسكو، التقى أبراموفيتش بالرئيس بوتين، وعرض عليه ورقة مكتوبة بخط اليد من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حدد فيها الشروط التي تضعها أوكرانيا في الحسبان من أجل الموافقة على إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من شهر. كان الرد المبدئي لبوتين لا لبس فيه: "أخبِرهم بأنني سوف أسحقهم".

بعد عودته لإسطنبول، التقى أبراموفيتش مع رستم عميروف، وهو نائب في البرلمان الأوكراني من القرم ذو أصول تتارية؛ كي يناقش معه مجريات اللقاء مع بوتين، بحسب صحيفة The Times البريطانية. يعد عميروف، رجل الأعمال السابق الذي يتحدث الروسية والتركية، مفوض كييف في المفاوضات. عقد الرجلان سلسلة من اللقاءات في فنادق خمس نجوم بإسطنبول، قام على تنسيقها إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

رد بوتين على مذكرة زيلينسكي

برغم رد بوتين على مذكرة زيلينسكي، يقال إن ثمة تقدماً يُحرز على صعيد المحادثات، مما يقدم أملاً في الوصول إلى اتفاق سلام متزعزع في أوكرانيا، وانتصارٍ دبلوماسي لتركيا.

كذلك، من المرتقب استئناف المحادثات المباشرة بين المفوضَين الروسي والأوكراني هذا الأسبوع. كان قالن قد أخبر صحيفة Hurriyet التركية بأن الجانبين كانا "قريبين من الاتفاق" حول الموضوعات الرئيسية، وضمن ذلك ضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ونزع السلاح، وحصول اللغة الروسية على وضع محمي في البلاد. لكن نقطة الخلاف تكمن في مصير شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في 2014، والمنطقة الشرقية في أوكرانيا والمعروفة بمنطقة دونباس.

أما قالن، البالغ من العمر 50 عاماً وأحد أكثر شخصيات السياسة الخارجية المحنكين والمؤثرين في الحكومة التركية، فقد كان منخرطاً في صياغة مقترح، مفاده أن القرم ودونباس يجب أن تحتفظ بهما موسكو بموجب اتفاق استئجار طويل الأمد، على شاكلة الطريقة التي سيطرت بها بريطانيا على هونغ كونغ بين عامي 1898 و1997، مع تحديد مصير المنطقتين في تاريخ لاحق. وتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا كانت تؤجر لروسيا قبل الثورة الأوكرانية في 2014، قاعدةً بحريةً بمدينة سيفاستوبول تطل على البحر الأسود.

إخفاق روسيا في أوكرانيا

في حين يفكر بوتين في المقترح، بيد أنّ غضبه من أوكرانيا ومن الإخفاق العسكري الروسي وغضبه الشخصي تجاه زيلينسكي، الذي ظهر خلال آخر لقاء مع أبراموفيتش، يُرجَّح أن يجعل منه شريكاً متقلباً غير مضمون في أي اتفاق.

في السياق ذاته زار أبراموفيتش (55 عاماً)، وعميروف (39 عاماً)، كييف أيضاً، حيث التقى الأوليغارشي بالرئيس زيلينسكي. وقد سافر أبراموفيتش في طائرات خاصة كانت تمر عبر العاصمة البولندية وارسو. فنظراً إلى أن طائرته الخاصة تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي، سافر أبراموفيتش على متن طائرة مسجلة لدى شركة تركية.

في حين يواجه الأوليغارشيون الروس موقفاً محفوفاً بالمخاطر، مع كامل إدراكهم بأن ثروتهم وحريتهم تعتمدان على بوتين نفسه. فأكثر من 20 منهم موجودون الآن في تركيا، حيث يمكن شراء الجنسية من خلال شراء عقار بقيمة 250 ألف دولار.

عدم فرض عقوبات على أبراموفيتش

من ناحية أخرى لم تفرض تركيا أي عقوبات ضد أبراموفيتش حتى الآن. ولكن في ظل ما يشهده من آثار للحرب في كييف، يعقد رجل الأعمال الروسي العزم بصدقٍ من أجل المساعدة على إنهاء الصراع الذي حصد أرواح عشرات الآلاف ودمر المدن الأوكرانية، وذلك وفقاً للمصادر. ولدت أم أبراموفيتش، إيرينا، في أوكرانيا، وأعربت ابنته، صوفيا، علناً عن اعتراضها على الهجوم الروسي.

فيما تسير المفاوضات الخلفية بين أبراموفيتش وعميروف بالتوازي مع قمة أخرى نظمتها تركيا، وهو لقاء رُوج له كثيراً وعُقد بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأوكراني دميترو كوليبا في 10 مارس/آذار 2022، وأشرف عليه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو. ولكن لم يُحرز أي تقدم في ذلك اللقاء، وبدا أن محاولات تركيا الاضطلاع بدور الوسيط في الصراع باءت بالفشل. 

في حين قال التقرير كذلك، إنه رغم أن تركيا عضو بمنظمة الناتو، فإنها تحظى بعلاقات قوية مع روسيا، تتمركز حول العلاقة الشخصية بين أردوغان وبوتين. فقد صارت علاقة الرئيسين أقرب في السنوات الخمس الأخيرة، في الوقت الذي كانت فيه علاقة أردوغان بالحلفاء الغربيين تكتنفها النزاعات.

في الأحداث المشهودة بأوكرانيا، تدعم تركيا كييف، وقد أمدت القوات المسلحة الأوكرانية بطائرات بيرقدار المسيرة، برغم أنها تمانع إمدادها بمزيد من الأسلحة. ينصبُّ الاهتمام الرئيسي لأنقرة على تتار القرم، الذين تجمعهم روابط لغوية وثقافية بتركيا، بجانب علاقاتهم القوية بالدولة التركية. 

كما كان التتار من بين المعارضين الصريحين لضم بوتين شبه جزيرة القرم في 2014. وقد اعتقل العشرات منهم خلال حملة اعتقالات نفذها جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) منذ ذلك الحين. إذ توجه موسكو اتهامات إليهم بوجود علاقات بينهم وبين الجماعات الإسلامية المحظورة، مع أن أغلبهم استُهدفوا على ما يبدو، بسبب معارضتهم بوتين.

في الوقت نفسه منعت الولايات المتحدة مطرقة العقوبات من أن تطال أبراموفيتش حتى الآن، بسبب دوره في المفاوضات. وقد أفادت صحيفة The Wall Street Journal بأن زيلينسكي طلب من بايدن تأجيل فرض قائمة عقوبات مُعدَّة بالفعل ضد أبراموفيتش. وحاولت صحيفة The Times التواصل مع مكاتب أبراموفيتش وعميروف وقالن؛ للحصول على تعليق على الأمر، لكن أياً منها لم يرد على طلبات الصحيفة.