تعرضت أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا لقصف روسي، صباح الجمعة 4 مارس/آذار 2022، مِمَّا أشعل حريقاً وأثار مخاوف من كارثة يمكن أن تؤثر على وسط أوروبا بأكمله لعقود، مثل كارثة تشيرنوبل عام 1986.
لكن هذه المخاوف تلاشت بعد أن أعلنت السلطات الأوكرانية أن الحريق قد أُخمِدَ، واقتصرت الخسائر على تلفٌ في حجرة المفاعل، ولم تتأثَّر سلامة المحطة.
ولكن على الرغم من أن محطة زاباروجيا النووية ذات تصميم مختلف عن محطة تشيرنوبيل ومحمية من الحريق، يحذِّر خبراء السلامة النووية والوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن شنَّ ضربةٍ على هذه المنشآت يمثِّل مخاطر شديدة.
مدى خطورة الضربة الروسية للمحطة النووية الأوكرانية
أحد المخاوف الرئيسية، التي أُثيرَت هو أنه إذا قطعت الضربات إمدادات الطاقة إلى المحطة النووية، فسوف يكون هناك اضطرارٌ لاستخدام مولِّدات الديزل الأقل موثوقيةً في توفير الطاقة في حالات الطوارئ لأنظمة التبريد في المحطة.
وقد يؤدِّي فشل هذه الأنظمة إلى كارثة مماثلة لتلك التي حدثت في محطة فوكوشيما اليابانية، عندما دمَّر زلزالٌ هائل في العام 2011 أنظمة التبريد، مِمَّا أدَّى إلى انهيارٍ في ثلاثة مفاعلات.
أيضاً؛ وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تنتج مفاعلاتها الستة ما مجموعه 6000 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، وبالمقارنة، كان مفاعل تشيرنوبل في شمال أوكرانيا ينتج 3800 ميغاوات – أقل بمقدار الثلث تقريباً. (الميغاواط، مليون واط، هي طاقة كافية لإضاءة 10000 لمبة مئة واط)، بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية.
كذلك بالنسبة لخطر تضرر المنشأة النووية التي تُعرف بأنها أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، وواحدة من أكبر 10 محطات للطاقة النووية في العالم، حذر وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا القوات الروسية وقف قصفها للمحطة، محذراً من أنه إذا انفجرت سيتسبب الانفجار بكارثة نووية تفوق بعشرة أضعاف كارثة تشيرنوبل. التي هزت العالم في العام 1986، نتيجة وقوع خطأ في تجربة بالمفاعل رقم 4 من المحطة، ما تسبب بأكبر كارثة نووية شهدها العالم.
ماذا كان يمكن أن يحدث لو استمر قصف المحطة النووية؟
لم يكن المفاعل الذي قُصِفَ قيد العمل، لكنه يحتوي على وقود نووي عالي النشاط الإشعاعي. فُصِلَت 4 من المفاعلات الـ6 عن العمل، ولم يتبقَّ سوى واحدٍ قيد التشغيل.
قال جون وولفستال، الذي خدم خلال إدارة أوباما كمدير أول لضبط التسلح ومنع الانتشار في مجلس الأمن القومي، إن المفاعلات في المحطة النووية بها قبابٌ خرسانية سميكة تحميها من النيران الخارجية من الدبابات والمدفعية، لكنه يرى أن حريق محطة للطاقة النووية ليس بالأمر الجيد على الإطلاق.
بينما قال نجم الدين مشكاتي، أستاذ السلامة النووية في جامعة كاليفورنيا، والذي درس كارثتيّ تشيرنوبل وفوكوشيما، إنه ربما تكون المشكلة الأكبر، مع ذلك، هي مصدر الطاقة بالمحطة، مِمَّا أثار قلقاً عبر عنه أيضاً وولفستال وآخرون.
وقال لصحيفة Washington Post الأمريكية، إن فقدان الطاقة خارج الموقع قد يؤدي إلى إجبار المحطة على الاعتماد على مولِّدات الديزل للطوارئ، والتي لا يمكن الاعتماد عليها إلى حدٍّ كبير ويمكن أن تتعطَّل أو ينفد الوقود، مِمَّا يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن المحطة الذي من شأنه أن يوقف دوران المياه اللازمة لتبريد حوض الوقود.
فيما قال جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن "احتمال فقدان مفاعل للطاقة وتلف مولدات الطوارئ التي تعمل بالديزل وعدم إصلاحها بسرعة كافية هو احتمالٌ ضئيل للغاية، لكن في حالة الحرب، كلُّ هذه الإخفاقات المختلفة التي تضرُّ بالمفاعل وتتسبَّب في انهياره يصبح احتمال حدوثها أكبر بكثيرٍ مِمَّا يحدث في أوقات السلم".
بعد إخماد نيران المحطة النووية.. هل هناك ما يستدعي القلق؟
تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على الطاقة النووية، حيث يوجد 15 مفاعلاً في أربع محطات توفر حوالي نصف الكهرباء في البلاد.
أوكرانيا هي أيضاً موطن لمحطة تشيرنوبل النووية السابقة، حيث لا يزال النشاط الإشعاعي يتسرَّب، وقد استولت القوات الروسية على الموقع في بداية الهجوم بعد معركةٍ شرسة مع الحرس الوطني الأوكراني الذين يحمون المنشأة التي أُوقِفَ تشغيلها.
وخلال القتال مطلع الأسبوع، أصابت النيران الروسية أيضاً منشأةً للتخلص من النفايات المشعة في كييف وأخرى مماثلة في خاركيف. كلاهما يحتوي على نفايات منخفضة المستوى، وفي حين لم يُبلَغ عن أيِّ انبعاثاتٍ مشعة، وقال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي إن مثل هذه الحوادث يجب أن تكون بمثابة تحذير.
محطة زابوريجيا النووية
يُذكر أن محطة زابوريجيا بُنِيت عام 1985 حين كانت أوكرانيا لا تزال جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، وتضم ستة مفاعلات نووية وتوفر جزءاً كبيراً من احتياجات أوكرانيا من الكهرباء.
والآن تعود ملكية وإدارة المحطة من قبل شركة توليد الطاقة النووية الوطنية الأوكرانية، وهي واحدة من أربع محطات نووية عاملة في البلاد، وتولد ما يصل إلى 42 مليار كيلوواط/ساعة من الكهرباء، ما يمثل حوالي 40% من إجمالي الكهرباء المولدة من جميع محطات الطاقة النووية الأوكرانية وخُمس إنتاج الكهرباء السنوي.