تهدد وظيفة 200 ألف موظف أمريكي وتضطهد أبناء عرقها الأسود.. لماذا تعتبر هاريس طوق النجاة الوحيد لترامب؟

عدد القراءات
5,140
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/24 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/24 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش

قبل أيام اختُتمت في مدينة ميلووكي التابعة لولاية ويسكنسن الأمريكية أعمال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي بإلقاء جون بايدن خطاب قبول ترشيح الحزب له لخوض الانتخابات الرئاسية. نجح بايدن -كما كان متوقعاً- في الفوز بأغلبية أصوات مندوبي الحزب الديمقراطي لترشحه لمقعد الرئيس، والمصادقة على اختياره للسيناتور كامالا هاريس لشغل مقعد نائبه في الانتخابات المقبلة، وهو الترشيح الذي أسعد العديد من مؤيدي الحزب الديمقراطي الذين يعولون عليها لحشد قواعد الحزب ومناصريه باختلاف أطيافهم بخاصة الشباب والجناح اليساري والنساء والأقليات، إلا أنه أسعد أيضاً ترامب وأعضاء حملته الانتخابية ورأوها الخصم الذي تمنوا مواجهته ليتمكنوا من إقصاء بايدن والتمتع بأربع سنوات أخرى داخل البيت الأبيض. فكيف يمكن لكامالا أن تكون طوق النجاة الوحيد لترامب؟

بدا للجميع أن حظوظ ترامب نحو الحفاظ على مقعده في المكتب البيضاوي ضعيفة بسبب إخفاق إدارته في معالجة القضايا الداخلية كالاحتقان الطائفي وجائحة كورونا وما تلاها من انكماش اقتصادي يُتوقع أن يصل قرابة 7% مع نهاية العام الجاري أفقد نحو 46 مليون أمريكي وظائفهم بشكل دائم أو مؤقت. إلا أنه ومع اختيار بايدن لكامالا هاريس بدا أن الروح قد عاد من جديد لحملة ترامب التي وجدت في النائبة المحتملة الخصم المثالي القادر على إعادة تجميع حاضنة ترامب الشعبية التي فقدت جزءاً كبيراً من تأييدها بفعل سياساته الخاطئة، كما وجدت الحملة في هاريس بيئة خصبة لصب حملات مدروسة للسخرية والسب والنقد تركزت على ثلاثة محاور: الأول عنصري "لكونها ملونة وامرأة"، والثاني أيديولوجي "لكونها من الجناح اليساري التقدمي"، والأخير سياسي "للتناقضات الكثيرة في توجهات كامالا".

لمعرفة أسباب السعادة الغامرة التي اجتاحت أعضاء حملة ترامب للانتخابات الرئاسية نتيجة اختيار كامالا هاريس علينا العودة أربعة أعوام للوراء نحو عام 2016 حين حصل قطب المال والأعمال على ترشيح حزبه الجمهوري لخوض السباق الرئاسي ضد المرشحة الأوفر حظاً حينها هيلاري كلينتون. بدا أن حملة ترامب حينها قد استعانت بالعديد من الدراسات والأبحاث في المجال الانتخابي وحددت الكتلة التي تستهدف جذبها للتصويت لصالح مرشحها بل واستطاعت أن تتعرف بعمق على تطلعات تلك الفئة والخطاب الذي تطمح إلى سماعه. استهدفت حملة ترامب في المقام الأول أصوات الناخبين البيض والذين كان لهم بالفعل دور كبير في "الفوز الصادم" لترامب. فهذه الكتلة الناخبة تمثل 70% من مجموع الأصوات وقد صوَّت 58% منها لترامب.

نجح ترامب في الفوز بأغلبية أصوات تلك الفئة بفضل خطابه الذي لبَّى كل تطلعات الكتلة الصلبة الأكبر في جناح الرجل الأبيض وهم ما تعرف باسم كتلة "الإنجيليين". حصل ترامب على 81% من أصوات تلك الكتلة وفقاً لتحليل أجراه مركز بيو للأبحاث. وهو ما شكَّل -باتفاق التحليلات السياسية والإحصاءات- قوة رئيسية وراء فوز ترامب في انتخابات 2016. وبحسب التقديرات بلغ حجم تلك الكتلة نحو 64 مليوناً، أي حوالي 25% من سكان البلاد البالغين.

مع بدء حملته الانتخابية استطاع ترامب نيل تأييد الناخب الأبيض عبر شن هجوم ضد المهاجرين والمكسيكيين الذين وصفهم بتجار المخدرات ومغتصبي النساء. ثم أسس ترامب حملته على أسس عنصرية وطائفية وتمييزية شملت دعوته لمنع المسلمين من الحصول على تأشيرات الدخول لأمريكا، إضافة إلى نظرةٍ دونية للمرأة وللأقليات، مما أكسبه عداء واسعاً مع تلك الفئات. ويبدو أنه درس الوضع جيداً منذ البداية وكان واثقاً أن هذا القطاع لن يسبب له فقد الكثير من الأصوات. ولعب بقوة على وتر خوف الأمريكي الأبيض من حدوث تغير للهوية الأمريكية نتيجة حدوث تغيرات ديموغرافية عميقة في المجتمع الأمريكي في ظل تزايد سريع لأعداد الأقليات والذين باتوا يمثلون نحو ثلث الناخبين، وينتظر أن يصبح الرجل الأبيض القوقازي من أصول أوروبية أقلية في المجتمع الأمريكي بحلول عام 2050 لو استمرت معدلات الهجرة والنمو السكاني على نسبها الحالية. لا يخفي داعمو ترامب مخاوفهم من تلك التغيرات التي -حسب وجهة نظرهم- من شأنها تقويض الهوية الأنجلوسكسونية للبلاد.

مع اختيار بايدن -الذي يدعم استمرار موجات الهجرة- لامرأة من الملونين لمنصب نائبه، عاد الخوف للناخبين الذين صوَّتوا لترامب في 2016 خشية تراجع هيمنة الأمريكيين البيض وأن يصبحوا غرباء في وطنهم. يميل هؤلاء الناخبون البيض الى التصويت للمرشحين من أمثال دونالد ترامب والذين يبدون استعدادهم للدفاع عن وضعهم الرمزي باعتبارهم "السكان الحقيقيين" ضد "المعتديين المهاجرين".

ربما يجهل كثيرون أن الولايات المتحدة متمثلةً في إدارة الرئيس جيمي كارتر، التي كانت من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية سيداو (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) عندما اعتمدتها الأمم المتحدة في 1979. إلا أنها لم تستطِع إقرار المعاهدة وإدخالها حيز التنفيذ بسبب رفض المصادقة عليها من قِبل "المحافظين من كلا الحزبين" في مجلس الشيوخ الذي عُرضت عليه خمس مرات حتى الآن. فعلى النقيض مما قد يعتقد البعض منا، فإن حجم مشاركة النساء الأمريكيات في العمل السياسي ليس كبيراً، حيث أظهرت عدة دراسات أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتل المركز الـ 91 عالمياً في نسبة مشاركة النساء في المناصب الرسمية والسياسية، ولتأتي بذلك بعد دول مثل رواندا ونيبال وكوبا، وهو ما يعكس واقع التمثيل النسائي في المناصب الرسمية والسياسية الأمريكية الذي لا يتعدى نسبة الـ17% بفعل رفض المجتمع الأمريكي لقيادة المرأة.

يكفي القول إنه رغم تصريحاته المهينة للمرأة وموقفه الاحتقاري لها نجح ترامب في الحصول على أكثر من 50% من أصوات النساء البيض اللاتي اخترنه ورفضن التصويت لامرأة كهيلاري مما حدا بوزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت للتعليق على الأمر بالقول: "هناك مكان مخصص في الجحيم للنساء اللاتي لا يساعدن بعضهن البعض". حقيقة أن التصويت لم يكن لصالح ترامب بقدر ما كان حالة من غياب الثقة من قبل النساء في قدرة امرأة من بني جلدتهن على القيادة. 

لا يستطيع متابع أن يغفل الصعود المتسارع للجناح اليساري في الحزب الديمقراطي والذي عبَّر عن نفسه بقوة عبر تقديم مرشحه بيرني ساندرز مرتين متتاليتين ليكون طرفاً في المناظرة النهائية للانتخابات التمهيدية للحزب، وكاد أن ينجح في المرتين لولا وقوف جميع القيادات التقليدية بالحزب ضده. كذلك عبر التيار عن نفسه بقوة عبر الدفع بعدد من مرشحيه في انتخابات الكونغرس مثل جمال بومان وأليكساندرا كورتيز وموندير جونز وآدم بونكديكو، كما عبَّر الحزب عن وجوده القوي بوضوح عبر دعمه للمظاهرات المناهضة للعنصرية والمعارضة لعنف الشرطة وتضامن التيار مع حركة "حياة السود مهمة". وفي مسعى منه لضمان تأييد ذلك الجناح الذي يتمدد بسرعة داخل شرايين الحزب اختار بايدن كامالا هاريس ذات التوجه اليساري التقدمي، وهو ما أجادت حملة ترامب توظيفه كفزاعة لتخويف المحافظين من عواقب وصول التيار الداعي لزيادة الضرائب على الشركات وتخفيض مخصصات الشرطة وزيادة إعانات الفقراء وبرنامج الرعاية الصحية للجميع والسماح بزواج المثليين وحظر حمل السلاح وحق الإجهاض وفتح باب الهجرة، وجميعها قضايا يراها مصيرية لا يمكن التهاون فيها، مما قد يدفع العديد من مترددي اليمين للعودة لصفوف حملة ترامب ودعمه من جديد.

لهاريس موقف صارم من قضايا الوقود الأحفوري فهي تدعم بشدة حظر التنقيب عن البترول والغاز، عبر ما يعرف بالتكسير "الهيدروليكي" وفرض قيود صارمة على صناعة النفط والغاز، وتدعو للاستثمار بقوة في دعم أبحاث الطاقة المتجددة، وهو ما من شأنه أن يهدد مصالح العديد من كبرى شركات الطاقة العاملة في القطاع بل والعديد من الولايات الجنوبية التي تعتمد بشدة على تلك الصناعات التي توفر قرابة 200 ألف وظيفة وعوائد بمليارات الدولارات وتساهم بنحو نصف إنتاج النفط والغاز الأمريكي.

لم تكن خيارات كامالا هاريس السياسية وتوجهاتها المتناقضة بالبعيدة عن نقد حملة الجمهوريين. فرغم أن كامالا -أثناء حملتها للانتخابات التمهيدية- اتهمت بايدن بالعنصرية وجهت له هجوماً جعله يترنح على المسرح، متهمة إياه بالعمل مع اليمينيين في السبعينيات لمعارضة الحافلات المختلطة بين البيض والسود كوسيلة للدمج في المدارس العامة. وكذلك كشفها لموقفه في الكونغرس من مشروع قانون "صارم ضد الجريمة" في عام 1994 والذي يُنظر إليه على أنه ساهم في موجة من الاعتقال الجماعي للأمريكيين السود، ورغم أنها لم تغفل التلميح باتهامات التحرش الموجهة لبايدن من قبل موظفته السابقة تارا ريد عام 1993، وكذلك لوسي فلوريس العضوة الديمقراطية السابقة في مجلس ولاية نيفادا عام 2004، إلا أنها عادت ودعمته وقبلت ترشيحه لها لمنصب النائب. ورُغم ادعاء هاريس أنها ضد التمييز العنصري، ودعم حق سكان هونغ كونغ في تقرير مصيرهم، فإنها قادت حملة مع الأيباك لجمع تبرعات لصالح المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، وعبَّرت عن دعمها المطلق لإسرائيل والالتزام بحمايتها وتفوقها على جيرانها العرب، وهو ما قد يحرم حملة بايدن من 1.6 مليون صوت للعرب والمسلمين، والتي وإن لم تذهب لخصمه ترامب، إلا أنها قد تُحجم عن دعمه.

تاريخ هاريس في دعم العدالة ليس بالمثالي، فبعض السود وبخاصة الرجال لا تزال لديهم تحفظات حقيقية على سجلها السابق كمدعٍ عام في كاليفورنيا، فهي متهمة بغض الطرف عن قسوة الشرطة إثر مقتل شابين أسودين، مما دفع البعض لاتهامها أنها كانت جزءاً من نظام العدالة العرقية البغيض الحالي، وهو ما دفع والدها لانتقادها علانية في وسائل الإعلام. كما تحوم حولها شبهات بالتغاضي عن فساد في قضايا مخدرات أسفرت عن شطب نحو ألف قضية، إضافة إلى مزاعم عدم توجيهها تهم فساد جراء تلاعب ومخالفات في قضايا ائتمان عقارية لبنك كان يديره وزير الخزانة الحالي ستيفن منوتشين. 

يدرك ترامب حجم الرفض لسياساته الداخلية والخارجية داخل أروقة حزبه وبين عدد غير قليل من مؤيديه وخاصة المعتدلين أو ما يعرف بيمين الوسط، إلا أنه على الجانب الأخر يدرك أيضاً أن الولايات المحافظة في الجنوب والجنوب الغربي وولايات السهول وأعلى الغرب الأوسط ستصوِّت لصالح الجمهوريين بغض النظر عن طبيعة المرشح الجمهوري للرئاسة. تعتمد حملة ترامب حالياً على منهجية تحويل بؤرة التركيز من تقييم أدائه في إدارة الدولة إلى نقد موجه لخصمه بايدن ونائبته هاريس بهدف تحفيز قاعدته الانتخابية من المنتمين إلى الطبقة العاملة ومن غير خريجي الجامعات في المدن الصغيرة والمناطق الريفية، والمسيحيين الإنجيليين، وكذلك المحافظين، والرجال البيض وتحديداً ذوي الدخل المحدود والذين فقدوا وظائفهم بسبب اتفاقيات التجارة الدولية والعولمة، وكذلك يعوِّل ترامب على الذين يُلقون باللوم على المهاجرين في تغيير أمريكا لتصبح بلداً لأقليات ليست من أصول أوروبية أو مسيحية. وهي ذات الاستراتيجية التي انتهجها ضد كلينتون حين ركز حملته على نقدها بدلاً من الارتكاز على شرح سياساته، وهو ما أدى في النهاية لتراجع فئات كثيرة من داعمي الديمقراطيين عن دعمها في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات، ليقلب جميع استطلاعات الرأي ويفجر مفاجأة يتمنى تكرارها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد رفعت
باحث في العلوم الإنسانية بجامعة لا سابينزا روما
محمد رفعت محمد باحث مصري في جامعة لاسابينسا روما منذ أكثر من ثلاث سنوات، حصلت على الماجستير من كلية الألسن جامعة عين شمس 2015، وقد عملت لمدة تزيد عن عشر سنوات عضو هيئة تدريس بالجامعات المصرية، مهتم بالشؤون الاقتصادية ولي أكثر من بحث تم نشره باللغة الإيطالية، وحالياً أشارك في مجموعة بحثية للعلوم الإنسانية تهدف المجموعة لإنجاز الدكتوراه في أكتوبر المقبل في مجال العلوم الثقافية باللغة الإيطالية. قمت سابقاً بنشر عدد من الأبحاث في مجلات إيطالية.
تحميل المزيد