تتهمهم بنشر كورونا وتشمئز منهم وتقتلهم .. كيف أصبحت الهند بؤرة لكراهية المسلمين؟

عدد القراءات
1,121
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/13 الساعة 11:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/13 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش

المكان: مدينة "بنغالور" جنوبي الهند، المدينة التي  تعرف بأنها قلعة تكنولوجية وصناعية وواحدة من أكبر أكثر المدن كثافة في الهند وهي عاصمة ولاية "كارناتاكا"، لكنها مؤخراً دخلت على خط الإسلاموفوبيا، إذ شهدت مقتل 3 مسلمين بعدما فتح عناصر الشرطة النار على احتجاجات للمسلمين رافضة لمنشور في فيسبوك يسيء للرسول.

الإساءة للرسول

الحكاية بدأت الثلاثاء عندما كتب شخص يدعى "ناوين" منشوراً على فيسبوك يسيء فيه للرسول الكريم، والمنشور عبارة عن صورة لرجل وفتاة صغيرة كتب عليها: "اغتصب محمد فتاة في عمر التاسعة"، يقصد الإساءة للرسول وزوجته السيدة عائشة، مستغلاً صلة القرابة التي تربطه بسياسي محلي والنائب في المجلس التشريعي "الكونغرس" عن حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض "سرينيفاس مورثي"، والحزب الوطني يعد أقدم الأحزاب السياسية في الهند، وهو ذو توجه علماني، لكن هذه العلمانية يبدو أنها تستثني المسلمين، فكثيراً من ظُلموا وسلبت حقوقهم جراء سياسات هذا الحزب.

الهندي الذي كتب منشوراً مسيئاً للنبي محمد

بعد كتابة المنشور المسيء في فيسبوك، خرج مجموعة من المسلمين إلى مركز الشرطة بالمدينة لتقديم شكوى كراهية ضد صاحب المنشور، لكن عناصر قسم الشرطة رفضوا تسجيل شكوى المسلمين، فما كان من المسلمين إلا أن احتشدوا محتجين على الإساءة وموقف الشرطة، وحاصروا قسم الشرطة ومنزل النائب "مورثي"، وأحرقوا سيارات للشرطة.

التنكيل بالضحية

هنا وبدلاً من العمل على تهدئة احتجاجات المسلمين بالقبض على الشخص مرتكب الإساءة، فتح عناصر الشرطة النار على المسلمين المحتجين بحجة السيطرة على الوضع، فقُتل ثلاثة محتجين، غير الجرحى من الجانبين نتيجة الاشتباكات.

الاحتجاجات الأخيرة لمسلمي الهند

لاحقاً تم اعتقال الشخص المسيء للرسول وأكثر من مئة من المحتجين المسلمين، وخرج البرلماني "سرينيفاس مورثي" في مقطع مصور يدعو فيه المحتجين المسلمين إلى الهدوء وانتظار تحقيق العدالة قائلًا: "أناشد إخواني المسلمين ألا يتشاجروا على شخص انتهك القانون.  مهما كان الأمر، فنحن جميعاً إخوة، يجب أن نتأكد من أن المسؤول عن ذلك سيعاقب حسب القانون".  

الاحتجاجات الأخيرة لمسلمي الهند

حماية المعابد

ورغم الإساءة للرسول ودور الشرطة المشبوه والمتواطئ ضد المسلمين، اصطف شبان مسلمون يطوقون معبداً هندوسياً في حي "هالي" لحمايته خوفاً من أن يستغل متطرفون الاحتجاجات ويعتدون على المعبد لاتهام المسلمين بالتخريب والاعتداء على معابد الهندوس.

مسلمون يحمون المعبد الهندوسي خلال الاحتجاجات الأخيرة على الإساءة للنبي

إساءات بالجملة

في المقابل من هذا، وبالعودة إلى الوراء عدة أشهر، نجد أنه خلال شهر فبراير 2020، وخلال الاعتداءات التي شنها هندوس مأجورون على مناطق للمسلمين في العاصمة "نيودلهي" لفض احتجاجات المسلمين الرافضة لقانون المواطنة آنذاك، وفي هذه الاعتداءات الهندوسية التي استهدفت المسلمين قتل 53 شخصاً أغلبهم من المسلمين وأحرق 11 مسجداً و5 مدارس إسلامية.

اعتداء الهندوس على مساجد ومنازل المسلمين في فبراير 2020

اللافت في الأمر والذي يعكس السياسة الجديدة في الهند أن عناصر الشرطة وقتها كانوا يشاركون العصابات الهندوسية الاعتداء على المسلمين، وهو ما أكده تقرير هيئة الأقليات (لجنة عينتها الحكومة) الصادر في 16 يوليو الماضي، حول أحداث العنف في العاصمة الهندية "دلهي" خلال فبراير، والذي يعيب دور الشرطة وقت الأحداث وأنها فشلت في حماية المسلمين ولم تتخذ الشرطة أي إجراء فيما يتعلق بأحداث العنف هذه لردع المعتدين الهندوس.

حتى خلال احتجاجات المسلمين رفضاً لقانون الجنسية أواخر 2019 كان عناصر الشرطة لا يألون جهداً في الاعتداء على المحتجين المسلمين وسحلهم في الشوارع واقتحام الجامعات الإسلامية مثل "الجامعة الملية الإسلامية" والاعتداء على الطلاب وحتى الطالبات.

لم تسلم النساء

وبخصوص الطالبات، فالمرأة المسلمة في الهند لم تسلم من البطش والتنكيل، ففي الجامعة الملية الإسلامية حرمت الطالبات من أداء الامتحانات العام الماضي، كما تعرضت الطالبات لاعتداءات مماثلة كالطلاب الذكور لاسيما أن الجامعات الإسلامية كانت وقود الاحتجاجات الرافضة لقانون الجنسية الذي يستبعد المسلمين.

 جهاد كورونا 

ومع انشغال العالم بمواجهة جائحة كورونا، لم تفوِّت السلطات الهندية الفرصة خلال أبريل/نيسان الماضي، واستغلت الفيروس لنشر الكراهية ضد المسلمين، بالترويج لمزاعم وادعاءات بأن "كورونا" هو سلاح يستخدمه المسلمون ضد الهندوس وهو نوع من الجهاد لدى المسلمين، ومن هنا تضخمت الاتهامات الموجهة للمسلمين هناك بنشر فيروس كورونا، وبحسب مجلة "تايم" الأمريكية آنذاك أن هاشتاغ انتشر على منصات التواصل الاجتماعي هناك باسم (corona jihad" أو جهاد كورونا ) وتم حينها نشر حوالي 300 ألف تغريدة تحت هذا الهاشتاغ، ومن المحتمل أن يكون شاهدها حوالي 165 مليون شخص، لدرجة أن فضائيات هندية شنت حملة ضد المسلمين وربطت بين انتشار الفيروس وبين المسلمين، حتى أن المرضى المسلمين الذين أصيبوا بالفيروس كانوا يلقون معاملة سيئة للغاية  في المستشفيات.

على خُطى مسجد بابري 

إن كانت طويت صفحة مسجد بابري بوضع حجر الأساس للمعبد الهندوسي على أنقاض المسجد التاريخي، فإن مسجد "كيان وابي" في مدينة واراناسي ربما يلاقي نفس المصير، فهو قد بناه الإمبراطور المغولي "أورانك ذيب" عام 1664م، لكن الهندوس زعموا أيضاً أنه بُني على أنقاض معبد هندوسي، وحالياً تنظر المحكمة العليا القضية، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن هناك نحو 1200 مسجد تاريخي مخطط لها أن تتحول إلى معابد هندوسية.

بدرجة متطرف

كم هو مثير للدهشة هذا الانحدار السريع للقيم الهندية في التعايش والتعددية، وهو البلد الذي عُرف بالتعايش بين أصحاب مئات المعتقدات، لاسيما المسلمين منهم والهندوس، لكن ما قد يزيل هذه الدهشة والاستغراب معرفة أن حزب "بهاراتيا جاناتا الحاكم حالياً في الهند وعلى رأسه رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" المتربع على عرش السلطة منذ عام 2014، هو في الأساس وحزبه يتبنون بقوة هذه المخططات الهندوسية لتهميش المسلمين، خاصة أنه من المعروف لدى كثير من الهنود أن حزب مودي مجرد ذراع سياسية لحركة "آر إس إس" التي تروج بين الهندوس أن الأقليات الأخرى لا سيما المسلمين والمسيحيين يستحوذون على حقوقهم.

وتيرة متلاحقة

في الفترة الأخيرة فقط، مررت الحكومة الهندية بزعامة "مودي" مشاريع هندوسية ضخمة في سياق تهميش المسلمين، منها إلغاء الحكم شبه الذاتي لولاية "جامو وكشمير" ذات الغالبية المسلمة في أغسطس/آب 2019، إلى جانب تمرير قانون المواطنة بتعديلاته الجديدة التي نصت على منح الجنسية الهندية للأقليات غير المسلمة من دول الجوار المسلمة الثلاث "باكستان – أفغانستان – بنغلاديش" دون غيرها مع استبعاد المسلمين، الخطوة التي قد تكون الأخطر في نظري هي شرعنة وتعميم العنف تجاه الأقليات، لاسيما المسلمين عبر العصابات الهندوسية المأجورة منها والمتطرفة، وتحميل المسلمين كل مشكلات البلاد، حتى أصبحت حوادث التنكيل بالمسلمين في الشوارع الهندية حدثاً يومياً ما بين الاعتداء على بائعين متجولين أو سحل مزارعين دون ردع.

أحداث غوجارات 

مودي قبل أن يكون رئيساً للحكومة الهندية كان رئيس ولاية "غوجارات" لمدة نحو 13 عاماً، وكان على رأس سلطة الولاية عندما شهدت أحداثاً طائفية عام 2002، قتل فيها أكثر من ألف شخص معظمهم من المسلمين ولم يتخذ "مودي" وقتها الإجراءات اللازمة للحيلولة دون وقوع هذه الاشتباكات، إلا أنه تمت تبرئته لاحقاً من قِبَل القضاء، إذ إن الأمر واضح تماماً منذ البداية، فالمخطط المرسوم ماضٍ في التنفيذ، والمسلمون سيتضاعف على أكتافهم يوماً بعد يوم ثقل التنكيل والتهميش، بينما تزداد الصورة وضوحاً، فالهند التي كانت مضرب المثل في الديمقراطية القائمة على التعددية أحالتها سياسات "مودي" إلى بؤرة للكراهية تتضخم كل يوم على حساب المسلمين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سرحان
صحفي مهتم بالأقليات المسلمة
محمد سرحان صحفي مصري حاصل على ليسانس الآداب قسم الإعلام، درست دبلومتين في كلية اقتصاد وعلوم سياسية بجامعة القاهرة. محب للسفر ومهتم بالمبادرات الاجتماعية، ومهتم بواقع الأقليات المسلمة حول العالم.
تحميل المزيد