تسبب فيروس كورونا، بانتشاره وشراسته وحداثته المروعة، في إصابة الكوادر الصحية بدول العالم كافة، وفي أوروبا خصوصاً، بتعب وإجهاد هائلَين جعلاهم غير قادرِين على التفكير فيما تحمله الساعات القليلة المقبلة، بعد مؤشرات عن موجة ثانية للفيروس تأخذ طريقها لتكون أمراً واقعاً في بعض البلدان الأوروبية.
الوضع مخيف بإسبانيا: سارة جايوسو، طبيبة الطوارئ في مستشفى الإسكوريال بالقرب من مدريد، قالت لصحيفة The Guardian في نهاية شهر مارس/آذار 2020: "لا يوجد وقت للغضب أو التساؤل عن سبب تنظيم الأمور على هذا النحو الذي هي عليه".
ولكن بعد خمسة أشهر، وفيما تستعد سارة وزملاؤها في إسبانيا وأجزاء كثيرة من أوروبا لموجة ثانية، أصبح يوجد متَّسع من الوقت للتفكير.
يُشار إلى أنه خلال الأسبوعين الماضيين، سجلت إسبانيا أكثر من 35 ألف حالة إصابة جديدة بكوفيد-19، ثلثاها في ثلاث مناطق فقط: كاتالونيا وأراغون ومدريد. وفقاً لوزارة الصحة الإسبانية.
غير أن سارة أشارت للصحيفة في تقرير، الجمعة 7 أغسطس/آب 2020، إلى أنه لا يمكنها تحمُّل فكرة موجة ثانية مدمرة مثل الموجة الأولى.
إذ قالت: "لا أريد حتى التفكير في الأمر، سيتعين علينا بالتأكيد فعل كل ما في وسعنا، لكننا ما زلنا متعَبين للغاية، لدرجة أنني لا أعرف ما إذا كنا سنملك القوة لخوض كل ذلك مجدداً، وإذا جاءت موجة أخرى شبيهة بسابقتها، فستكون كارثة".
لكن، في الوقت الحالي على الأقل، لم يشهد المستشفى الذي تعمل به سارة أي شيء يشبه ما حدث في الربيع.
أكدت سارة ذلك بقولها: "الوضع في الوقت الحالي لا يمكن مقارنته بما كانت عليه الأمور في مارس/آذار وأبريل/نيسان، نتعامل مع بضع حالات يومياً، ويُسمح لمعظمها بالعودة إلى المنزل ما لم يكن أصحابها كباراً في السن".
فرنسا أيضاً: تتزايد الحالات في فرنسا أيضاً، حيث عقد الرئيس إيمانويل ماكرون اجتماعاً لمجلس الدفاع في البلاد، الأسبوع الماضي.
دعا ماكرون خلال الاجتماع، إلى اتخاذ "أقصى قدر من الحيطة"، وذكَّر الناس بـ"ارتداء الكمامات بانتظام" في الداخل و"حين لا يكون من الممكن الحفاظ على مسافة آمنة".
جاءت تصريحاته في الوقت الذي ارتفع فيه عدد المرضى الجدد الذين شُخصت إصابتهم بفيروس كورونا بنسبة 33%، في الأسبوع ما بين 27 يوليو/تموز و2 أغسطس/آب، وفقاً لهيئة الصحة العامة الفرنسية. وشهد الأسبوع السابق له ارتفاعاً بنسبة 57% في عدد الحالات الجديدة.
يقول الدكتور سيرج سمادجا، وهو طبيب عام في باريس والأمين العام لمنظمة SOS Médecins، التي ترسل الأطباء إلى المنازل: "في الوقت الحالي، لا نرى حالات شديدة الخطورة في المستشفى والعناية المركزة لتصبح موجة ثانية، ولكن يوجد ارتفاع في الحالات بالتأكيد".
وأضاف: "تراجعت الأرقام، وهي ترتفع الآن ولذا توجد زيادة، الفيروس ما يزال موجوداً، ولا يمكننا العودة إلى الحياة كما كانت من قبل كأن شيئاً لم يحدث".
ومثل زملائه بإسبانيا، لا يريد سمادجا التفكير في العودة إلى الموجة الأولى، إذ قال: "لا نريد أن نعيش ما مررنا به من قبل".
وأضاف: "نحن خط المواجهة، وأصيب كثير من أطبائنا بكوفيد-19، وكان لدينا نقص في المعدات، وامتلأت المستشفيات عن آخرها. كان لدينا مرضى دون اختبارات، أو فكرة عما يمكن أن نفعله".
لكنه أضاف أن الناس هذه المرة على الأقل يعرفون كيف يحدّون من المخاطر: "يتعين على الجميع التزام الحذر والانتباه".
في ألمانيا الخطورة أقل: الخميس 6 أغسطس/آب، قال وزير الصحة الألماني، ينس شبان، إنه بإمكان المنظومة الصحية "تنظيم" الزيادة اليومية التي تبلغ نحو 1000 حالة في الوقت الحالي، لكنه حذّر من ارتفاع المستوى كثيراً.
وقال كذلك إنه اعتباراً من السبت 8 أغسطس/آب، سيُطلب من أي شخص عائد من إحدى بؤر انتشار كوفيد-19 البالغ عددها 130 في البلاد، إجراء فحص إلزامي.
وتعتقد جمعية الأطباء الرئيسية في ألمانيا، Marburger Bund، أن البلاد تشهد بالفعل موجة ثانية، أو كما قالت رئيسة الجمعية سوزان جونا: "نجد أنفسنا مرة ثانية أمام ارتفاع في المنحنى".
وقالت سوزان إنه من المفترض أن مستشفيات ألمانيا أصبحت في وضع يمكِّنها من التعامل بشكل أفضل مع الإصابات، بفضل إدخال أسرَّة مجهزة بشكل خاص ومرافق كافية لعلاج حالات فيروس كورونا.
إلا أنها أشارت إلى أن البلاد "تواجه خطر تبديد النجاح الذي حققناه حتى الآن، بسبب الكبت والرغبة في عودة الأمور إلى طبيعتها".