عن تهاوي الليرة التركية.. فتش عن كورونا وغاز “المتوسط” وتصميم أردوغان وأموال الإمارات الخبيثة

عدد القراءات
907
تم النشر: 2020/08/10 الساعة 10:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/10 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش

كثيراً ما يضرب الأتراك كفاً على كف، متسائلين في دهشة، لديهم بعض الحق فيها: كيف لعملتنا الوطنية "الليرة" أن تشهد كل هذا التراجع الذي يصل إلى حد التهاوي المتواصل، في الوقت الذي تتحسن فيه المؤشرات الاقتصادية، وتتدفق الاستثمارات الأجنبية على البلاد في كل القطاعات؟

كيف يقفز الدولار الأمريكي مقابل الليرة وبهذه السرعة في الوقت الذي تشهد فيه تركيا استقراراً سياسياً وأمنياً ومالياً ملحوظاً منذ سنوات طويلة باستثناءات قليلة جداً، كما لا توجد مخاطر جيوسياسية جديدة، اللهم إلا المخاطر التقليدية العادية التي لم تعد تؤثر كثيراً في المشهد المالي والاقتصادي للبلاد مثل الحرب المستمرة منذ سنوات على حزب العمال الكردستاني، والتوترات المتقطعة مع دول غربية مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها، ومناوشات الملف الليبي، وخلافات التنقيب عن النفط والغاز في مياه البحر المتوسط، والخلافات حول الحدود البحرية الإقليمية؟

يسأل آخرون: "ألا تعد العملة مرآة لتلك المؤشرات وتعبيراً عنها في كل دول العالم، حيث تتحرك العملات الوطنية صعوداً وهبوطاً حسب الطلب والعرض وآليات سوق الصرف الحرة، فكلما زادت المخاطر وتراجعت المؤشرات الاقتصادية مثل التضخم وأسعار السلع وفرص العمل المتاحة وزاد معدل النمو وسعر الفائدة تحسنت قيمة العملة، والعكس، وكلما قفز معدل التضخم وزادت معدلات البطالة وكلفة الفساد وتراجع العائد على الودائع المحلية بالبنوك تراجعت قيمة العملة.

تحسن الصادرات

يشارك الأتراك هذه الدهشة وربما أكثر، المتابعون للشأن الاقتصادي والسياسي التركي، الذين يستغربون تراجع الليرة المتواصل أمام الدولار على الرغم من الزيادات الأخيرة التي تشهدها موارد البلاد من النقد الأجنبي، خاصة من قطاع مهم هو الصادرات الخارجية التي حققت رقماً قياسياً في العام 2019 حيث تجاوزت قيمتها 180.4 مليار دولار بنسبة زيادة 2.04% عن عام 2018، وذلك حسب الأرقام الرسمية.

وعلى الرغم من تفشي وباء كورونا حول العالم وتأثر التجارة الدولية سلباً بالفيروس وإغلاق معظم الدول لحدودها للحد من المخاطر الصحية، إلا أن صادرات تركيا عادت للتحسن بعد شهرين فقط من الانخفاض هما أبريل/نيسان ومارس/آذار 2020 حيث ارتفعت بنسبة 15.8% خلال شهر يونيو/حزيران الماضي مقارنة مع الفترة نفسها من 2019، وبلغت قيمتها 13 ملياراً و469 مليون دولار. كما ارتفعت الصادرات بنسبة 10.84% في شهر مايو/أيار الماضي

كما استفادت صادرات تركيا من أزمة كورونا، حيث حققت خلال النصف الأول من العام 2020 الجاري، عائدات من صادرات الكمامات والألبسة الواقية، وصلت قيمتها إلى 573 مليون دولار، بنسبة ارتفاع بلغت 986% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. كما زادت الصادرات التركية لدول الاتحاد الأوروبي مع غلق اقتصاده وتوقف حركة المصانع بسبب الفيروس.

بشكل عام، تحسنت صادرات تركيا رغم تأثر اقتصادها بجائحة كورونا وتعطل سلاسل التوريد العالمية، كما واصلت تركيا جذب مزيد من الاستثمارات الخارجية خاصة في قطاع مهم هو صناعة السيارات والأسلحة والطيران رغم هروب تلك الاستثمارات من الأسواق الناشئة.

ويطرح هؤلاء المتابعون للشأن الاقتصادي التركي أسئلة في محاولة لإيجاد أسباب اقتصادية، أو حتى جيوسياسية مقنعة تفسر سر تهاوي الليرة خاصة في الأسابيع الأخيرة والذي يذكرنا بتهاوي ما بعد الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو/تموز 2016، وتهاوي ما قبل الانتخابات الرئاسية التركية التي جرت منتصف العام 2018، وصولاً إلى التهاوي الأكبر الذي أصاب البلاد في أغسطس/آب من نفس العام والذي على أثره فقدت الليرة 47% من قيمتها مقابل الدولار بسبب توتر علاقات أنقرة مع الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وما صاحبها من فرض إدارة دونالد ترامب عقوبات اقتصادية على تركيا على خلفية تصاعد خلافات عدة في ملفات من أبرزها شمال سوريا وسجن القس أندرو برونسون، الذي اتهمته أنقرة بدعم ميليشيات كردية وجماعة فتح الله غولن.

وساهم في هذا التهاوي حينئذ تصاعد مخاوف المستثمرين بشأن استقلالية البنك المركزي وعزل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محافظه مراد تشتين قايا بعد ذلك وتعيين نائبه مراد أويصال بدلاً منه. وكان تهاوي صيف 2018 في سعر صرف الليرة من أعنف الأزمات الاقتصادية التي واجهها أردوغان منذ توليه السلطة في عام 2003.

أسئلة منطقية

من بين هذه الأسئلة: هل وقعت حوادث إرهابية في تركيا مثل تلك التي وقعت في العام 2016 وما قبلها تبرر تهاوي سعر الليرة الأخير؟ هل توقفت البلاد عن سداد ديونها الخارجية؟ هل عادت تركيا إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض منه بعد سنوات طويلة من العزوف عن هذا الأمر؟ هل ستخوض تركيا حرباً جديدة في شمال سوريا؟ هل تهاوت إيرادات البلاد من النقد الأجنبي بسبب تفشي وباء كورونا؟ والإجابة هنا تكون بالنفي عادة. 

طيب، هل تهاوت الليرة التركية بسبب تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية؟ بالعكس تركيا استفادت من هذا التهاوي حيث إنها مستورد كبير للطاقة والمشتقات البترولية في العالم.

وحسب أرقام غير رسمية، فإن واردات تركيا من الطاقة ستنخفض هذا العام بمقدار 12 مليار دولار، إذا استمر متوسط أسعار النفط الخام بين 35 و45 دولاراً، وهو ما حدث بالفعل، بل هبطت أسعار النفط في بعض شهور السنة عن 30 دولاراً للبرميل كما حدث في شهر مارس/آذار الماضي عقب اندلاع الحرب النفطية الشرسة بين السعودية وروسيا.

بل إن أسعار النفط فقدت نحو 70% من قيمتها خلال الربع الأول من العام الجاري، وهو ما أفاد الاقتصاد التركي بشدة حيث خفض تكلفة الواردات من الطاقة سواء نفط أو غاز او بنزين وسولار.

إذاً، ما الأسباب الحقيقية وراء تهاوي العملة التركية هذه الأيام حيث تراجعت إلى 7.45 ليرات يوم الجمعة 7 أغسطس/آب؟ وهو ما شكل صدمة لأسواق المال التركية، بل وللمستثمرين الأجانب، هل هي أسباب اقتصادية، أم جيوسياسية كما جرى في العامين 2016 و2018، وهل سيستمر هذا التهاوي المزعج؟

والسؤال الأهم، لماذا لم تخرج السلطات التركية هذه المرة لتتهم أطرافاً خارجية بالتآمر على الاقتصاد وعملة البلاد الوطنية ومحاولة خفضها وزعزعتها لصالح أطراف خارجية كما جرت العادة في مرات سابقة خاصة منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل، وفي الفترة التي أعقبت فرض العقوبات الأمريكية على واردات تركية منها الحديد في صيف 2018؟

خطورة تراجع الليرة

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها يجب أن نلقي الضوء سريعاً على خطورة تراجع الليرة مقابل الدولار سواء على الاقتصاد التركي، أو على المواطن والمستثمر الخارجي قبل المحلي، وكذا على القطاعات الاقتصادية المختلفة، خاصة أن اتجاهات أسعار الصرف تشغل بال المدخرين والمقترضين وأصحاب الأموال على حد سواء.

تراجع الليرة الحاد يعد أمراً غاية في الخطورة حيث إنه يدفع حائزيها إلى محاولة التخلص منها شأنها في ذلك شأن أي عملة مذبذبة في العالم، وذلك في محاولة لوقف نزيف الخسائر.

يحدث هذا التخلص عن طريق هروب حائز الليرة لأدوات استثمار أقل خطورة وأكثر أمناً مثل الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والذهب والمعادن النفيسة، وهذه العملية يطلق عليها اسم "الدولرة"، وهي تشكل خطورة شديدة على العملة الوطنية والقطاع المصرفي والمالي ومناخ الاستثمار والاقتصاديات الوطنية على حد سواء، بل إن تأثيراتها قد تفوق الهزائم في المعارك العسكرية، حيث إن تأثيراتها تمتد لجميع مكونات المجتمع وليس مكوناً أو قطاعاً واحداً.

ولمعالجة "الدولرة" تسارع الحكومات والبنوك المركزية لزيادة سعر الفائدة على الودائع بالعملة المحلية في محاولة لدفع المدخرين للتمسك بها وعدم التخلص منها، وهذا من المفروض أن تفعله تركيا في هذا الوقت الحرج، نعم زيادة سعر الفائدة تؤدي مباشرة إلى زيادة الدين العام الحكومي، لكنها في المقابل تحافظ على استقرار العملة، وبالتالي استقرار الأسواق وقطاعات الإنتاج والاقتصاد بشكل عام.

كما أن المستثمرين الأجانب يهربون من الدول التي تشهد عملاتها حالة من عدم الاستقرار والتذبذب، خاصة إن كان التذبذب يأخذ اتجاهاً واحداً هو الهبوط كما هو الحال مع الليرة التركية والتي تتراجع منذ أكثر من 5 سنوات.

أما التأثير الأخطر لتهاوي العملة فيكون على المواطن، فتراجع الليرة يؤدي إلى زيادة سعر الدولار، وهذه الزيادة تؤدي مباشرة إلى زيادة أسعار السلع المستوردة في الأسواق خاصة الغذائية والمنزلية، كما تؤدي لزيادة أسعار مستلزمات الإنتاج وقطع الغيار، وبالتالي زيادة كلفة الإنتاج خاصة الصناعي، وهذه الزيادة يتحملها المواطن قبل الدولة والتجار والمستوردين، وارتفاع معدل تضخم السلع في أي دولة يؤدي إلى زيادة حنق المستهلك على حكومته.

هل أنقرة سعيدة بتراجع عملتها؟

على الرغم مما تبديه بعض الأطراف الرسمية التركية وفي مقدمتهم أردوغان من انزعاج شديد وقلق ظاهري من تراجع سعر الليرة مقابل الدولار، إلا أن هذا التراجع يأتي على هوى صانع القرار الاقتصادي وربما بعض السياسيين، فهو يساهم بشكل كبير في زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي، ويشجع على زيادة الصادرات الخارجية في دولة مصدرة مثل تركيا، وينعش قطاع السياحة ويساعد في تدفق مزيد من السياح الأجانب على البلاد، ويساهم أيضاً في زيادة الاستثمارات الأجنبية، خاصة المباشرة التي تتجه إلى القطاع الإنتاجي مثل المصانع والمشروعات الإنتاجية والتصديرية والزراعية وغيرها.

كما يلعب تراجع الليرة دوراً في تنشيط الطلب الخارجي على قطاع العقارات التركي، دليل ذلك أرقام النصف الأول من العام الجاري، فعلى الرغم من غلق المطارات والحدود لحماية البلاد من مخاطر فيروس كورونا، إلا أن مبيعات العقارات التركية خلال النصف الأول من العام الجاري 2020، سجلت ارتفاعاً بنسبة 32 %، لتصل إلى ما مقداره 7 مليارات و792 ليرة أي ما يعادل 1.3 مليار دولار.

وحسب بيانات حديثة صادرة عن وزارة البيئة والتخطيط العمراني التركية، فقد تم بيع 581 ألفاً و798 منزلاً في تركيا خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، وكان من أبرز الجنسيات المشترية الصينيون والإيرانيون والروس والخليجيون.

هل تراجع العملة التركية استثناء؟

التراجع في سعر صرف الليرة منذ بداية العام الجاري لم يكن من نصيب العملة التركية فقط خاصة في ظل تفشي كورونا، بل أصاب عملات أخرى منها اليوان الصيني والروبل الروسي والكرونة النرويجي والبوليفار الفنزويلي والبيزو المكسيكي والريال البرازيلي والراند الجنوب إفريقي.

كما انخفضت أيضاً العملات المرتبطة بالسلع الأولية مثل الدولار الأسترالي بشدة، مع تسبب تصاعد المخاوف المصاحبة لانتشار كورونا في العالم في إقبال المستثمرين على الملاذات الآمنة وفي مقدمتها الدولار والذهب.

كما تهاوت العملة الإيرانية "الريال" بسبب تفشي كورونا داخل إيران وحصد الوباء أرواح الآلاف، وقبلها تراجعت بسبب العقوبات الأمريكية على طهران وحظر تصدير النفط الإيراني، وطال التهاوي العملتين السورية واللبنانية "الليرة" والجنيه السوداني، وتراجع سعر الدينار التونسي والدينار الجزائري.

كما أصاب التراجع الجنيه المصري في بعض الأوقات هذا العام خاصة الفترة التي أعقبت إغلاق الحدود والمطارات بسبب كورونا، لكن اللافت أن نسبة تراجع العملة التركية كانت أكبر من تراجعات الدول الناشئة الأخرى، إذاً، ما أسباب ذلك التهاوي؟

أسباب تهاوي الليرة

هناك أسباب موضوعية كانت وراء التراجع الأخير في قيمة الليرة التركية منها أسباب اقتصادية ومالية، ومعظم هذه الأسباب تولدت من أسباب صحية بحتة تتعلق بتأثيرات كورونا الخطيرة على الاقتصاد التركي وإيرادات النقد الأجنبي، وكذلك ما نجم من تسبب تفشي الفيروس من حدوث ركود اقتصادي خاصة خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، وتراجع حاد في حركة الحياة اليومية والتجارية.

وعلى الرغم من زيادة صادرات تركيا في الأشهر الأخيرة عقب إعادة فتح المطارات وتشغيل الاقتصاد كما حدث في يونيو/حزيران الماضي، إلا أن الصادرات انخفضت بشكل عام بنسبة 15.1% خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتتراجع إلى 75 ملياراً و21 مليون دولار، كما انخفضت الواردات بنسبة 3.2% لتبلغ 98 ملياراً و895 مليون دولار. وهذا التراجع في الصادرات، كان من نصيب كل دول العالم.

كما أثرت كورونا سلباً على قطاع السياحة التركي مع توقف حركة الطيران وإغلاق الحدود وفرض قيود على السفر لمنع انتشار كورونا، وهو ما أدى إلى حدوث آثار سلبية كبيرة على السياحة وأنشطة النقل والطيران ذات الصلة.

وحسب أرقام معهد الإحصاءات التركي، فقد تراجعت إيرادات السياحة بنسبة 11.4% في الربع الأول من 2020، لتصل إلى 4.1 مليار دولار، ولا تتوافر أرقام رسمية عن النصف الثاني، وإن كانت التوقعات تشير إلى أن التراجع سيكون أعلى من الربع الأول، علماً بأن إيرادات تركيا من السياحة زادت 17% في العام الماضي 2019 لتصل إلى 34.5 مليار دولار.

سعر الفائدة

من أبرز العوامل التي تلعب دوراً في تهاوي سعر الدولار إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خفض سعر الفائدة لأسباب دينية واقتصادية منها محاربة النظام الاقتصادي القائم على الربا وتوفير قروض للمستثمرين وأصحاب المشروعات بتكلفة أقل، وهو ما يساعدهم في توسيع استثماراتهم، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة.

وهذا الحرص ترجمته وزارة المالية والبنك المركزي اللتان دعمتا خطة خفض سعر الفائدة، وعقب تفشي أزمة كورونا أدخل البنك مجموعة تدابير، أبرزها خفض أسعار الفائدة لضخ السيولة التي تشتد الحاجة إليها في الأسواق، وتحسين التدفق النقدي للشركات. وكان الهدف من الخفض هو تأمين تدفق مستمر من أموال البنوك إلى قطاع الشركات الأكثر تضرراً ودعم التدفق النقدي للشركات المصدرة.

لكن خطوة خفض سعر الفائدة في هذا التوقيت أزعجت المستثمرين الأجانب وساعدت على خروج الاستثمارات الأجنبية الساخنة من تركيا خاصة مع تراجع قيمة العملة الليرة، وزيادة المخاطر المتعلقة بتفشي كورونا، وهروب الأموال بشكل عام من الأسواق الناشئة، وعلى سبيل المثال خرج نحو 83.3 مليار دولار من الأسواق الناشئة خلال شهر مارس الماضي حسب تقديرات معهد التمويل الدولي.

ويبدو أن البنك المركزي أدرك مؤخراً خطورة الاستمرار في سياسة خفض سعر الفائدة على العملة المحلية في هذا التوقيت الحرج، ولذا أبقى خلال الأسبوعين الماضيين على سعر الفائدة الرئيسي عند 8.25٪، مبرراً القرار بضغوط تضخمية.

تراجع الاحتياطي الأجنبي

شأنها في ذلك شأن كل دول العالم، فقد تراجع الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي التركي بسبب تراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات مهمة كالصادرات والسياحة، وساهم في هذا التراجع أيضاً ضخ البنك المركزي مليارات الدولارات للدفاع عن العملة ومواجهة المضاربات على الليرة، خاصة التي تقوم بها دول إقليمية ومستثمرون أجانب، ودليل ذلك ما قاله البنك المركزي يوم الخميس الماضي من أنه سيستخدم جميع الوسائل للحد من التقلبات المفرطة في سوق الصرف.

وحسب أرقام مصرفيين ومحللين غربيين، فإن تكلفة التدخل في سعر الصرف بلغت حوالي 100 مليار دولار منذ بداية العام الماضي، وهو ما أدى إلى تراجع إجمالي احتياطي النقد الاجنبي إلى 49 مليار دولار من 81 ملياراً، لكن مصادر رسمية ترى أن الرقم الذي تم ضخه في الأسواق غير دقيق ومبالغ فيه ويأتي في إطار الحملات الممنهجة ضد الاقتصاد التركي. لكن بشكل عام هناك تدخل من قبل البنك المركزي للدفاع عن الليرة، وهو ما اعترفت به الحكومة.

لكن أردوغان شكك في الأرقام الغربية بشأن حجم الاحتياطي الأجنبي لدى بلاده، حيث أكد، يوم الجمعة، أن احتياطي البنك المركزي يبلغ حالياً 105 مليارات دولار، في حين كان قبيل تسلُّم حزب العدالة والتنمية السلطة 27.5 مليار دولار. كما طمأن الشعب التركي بشأن تقلب سعر صرف الليرة، واصفاً الأمر بالمؤقت، وشدد على أن هذه التقلبات في أسعار صرف العملات تحدث في كل أنحاء العالم في فترات متفاوتة.

فتش عن الإمارات

إضافة إلى الأسباب الاقتصادية، فإن هناك أسباباً سياسية لتراجع الليرة لا يمكن للباحث تجاهلها منها، مثلاً زيادة المخاطر المتعلقة بالتدخل التركي في الملف الليبي رغم أنه جاء بناء على اتفاق مع حكومة الوفاق الوطني الشرعية والمدعومة من الأمم المتحدة، وتصاعد الخلافات بين تركيا من جهة، ومصر وقبرص واليونان من جهة على ملف الحدود البحرية والتنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرق البحر المتوسط.

ومن الأسباب السياسية لتراجع الليرة والتي يضعها الأتراك في مرتبة متقدمة، المضاربات المستمرة من قبل الإمارات على العملة التركية في محاولة لهز ثقة المستثمرين الأجانب بها، والأخطر هز ثقة المواطن، الذي قد يتضرر من زيادة أسعار السلع في الأسواق، بسياسات أردوغان الاقتصادية والمالية خاصة المتعلقة بالتدخل في إدارة السياسة النقدية وشؤون البنك المركزي. وربما زاد هذا التدخل الإماراتي عقب التصريحات الخطيرة التي أدلى بها مؤخراً وزير الدفاع التركي خلوصي أكار وشن فيها هجوماً مباشراً وحاداً على الإمارات. وتوعدها قائلاً "سنحاسبها في المكان والزمان المناسبين"، كما اتهمها بدعم المنظمات الإرهابية المعادية لتركيا"، ووصفها بأنها دولة وظيفية، تخدم غيرها سياسياً أو عسكرياً ويتم استخدامها واستغلالها عن بعد، قائلاً إن "أبوظبي ارتكبت أعمالاً ضارة في ليبيا وسوريا".

وحسب محللين أتراك، فإن للإمارات الدور الأبرز في استهداف الاقتصاد والليرة على غرار المضاربات التي استهدفت بها أبوظبي عملات أخرى منها الريال القطري في منتصف يونيو/حزيران 2016، بل ويؤكد الأتراك أن لدى أنقرة وثائق حول تحويلات أبوظبي لصالح جماعة فتح الله غولن، والمضاربات الضخمة التي تمت في صيف 2018 وأدت إلى تهاوي سعر العملة من 5.3 إلى نحو 7.25 ليرة في أيام قليلة، وأنه تم كشف حسابات ومصادر التلاعب الذي قادته الإمارات والسعودية، بل وهناك تأكيدات تركية أن الإمارات مستمرة في لعب هذا الدور التخريبي لعملتهم الوطنية حتى اليوم، وعبر القوى الناعمة، منها الإعلام، لتشويه الاقتصاد التركي والتركيز على العجز التجاري والديون، لتضرب الاستثمار والسياحة وتسيء لتركيا وعملتها، خاصة مع تصاعد الخلافات بين أنقرة وأبوظبي في عدة ملفات إقليمية منها ليبيا وقطر والعراق وسوريا وفلسطين.

هل أتخلص من الليرة ومتى؟

في ظل توقعات بمواصلة الليرة تراجعها خلال الفترة القادمة خاصة مع رفض تركيا اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية للحصول على قروض لدعم الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي، وبالتالي مساعدته على دعم الليرة ومواجهة المضاربات عليها، فإن السؤال المطروح من قبل مدخري العملة التركية خاصة العرب المقيمين بها: هل نتخلص من الليرة؟ الإجابة "نعم" يفضل التخلص من العملة التركية واللجوء إلى أدوات الاستثمار الأقل خطراً ومنها المعادن النفيسة.

لكن متى موعد البيع؟

هنا نلجأ للقاعدة الشهيرة وهي لا تبع أسهمك وقت هبوط البورصة، ولا تتخلص من مدخراتك وقت انخفاض سعرها مقابل العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار واليورو، بل اشتر في هذا التوقيت، ولذا عليك أن تنتظر حتى تتحسن أسعار الليرة، وبعدها بع وسارع لحيازة أدوات الاستثمار الآمنة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى عبد السلام
كاتب متخصص في الشأن الاقتصادي
تحميل المزيد