لن تقف تأثيرات تهاوي أسعار النفط وخسائر كورونا الفادحة منذ شهر مارس/آذار الماضي عند تفاقم عجز الموازنات الخليجية، وزيادة الدين العام لدول مجلس التعاون وتوسعها في الاقتراض الخارجي والمحلي لتعويض نقص الإيرادات، ولن تقف التأثيرات عند حد تسريح دول الخليج عشرات الآلاف من العمالة الوافدة، وربما تسريح ثلاثة ملايين عامل حسب تقديرات دولية إذا استمرت الأزمتان "النفط وكورونا" معاً وتعمقت خسائرهما.
ولن تقف التأثيرات المحتملة للأزمة المالية الخليجية عند معاناة المواطن الخليجي، ربما لأول مرة منذ سنوات، في ظل تخلي بعض الحكومات عن "الدولة الأبوية"، التي توفر للمواطن كل احتياجاته مقابل السمع والطاعة، ومع ترشيد النفقات العامة وزيادة أسعار السلع والخدمات وخفض رواتب الموظفين وتجميد التعيينات الجديدة في الجهاز الإداري للدولة.
لكن ستمتد تأثيرات الأزمة الحالية إلى أمور أخرى من أبرزها التأثير سلباً على حجم تدفق المساعدات الخليجية المقدمة للخارج، وهو ما يمكن أن يؤثر على النفوذ السياسي لبعض الدول الخليجية في المنطقة، خاصة تلك الدول التي تستخدم المال السياسي في شراء ولاءات بعض الأنظمة العربية الحاكمة، أو تستخدم هذا النوع من المال الفاسد في تمويل الثورات المضادة وإجهاض أي تجربة ديمقراطية وليدة كما تفعل الإمارات في ليبيا وتونس، أو في تمويل الحروب الأهلية كما هو الحال في سوريا منذ سنوات، أو في قتل أطفال ونساء اليمن منذ شهر مارس/آذار 2015 بزعم دعم الشرعية في البلاد.
مصر
أول المتأثرين بالأزمة المالية الخليجية مصر، فهي التي تحصد النسبة الأكبر من المساعدات الخليجية منذ شهر يوليو/تموز 2013، حيث حصلت على مساعدات ومنح وودائع خليجية تجاوزت قيمتها 60 مليار دولار منذ ذلك الوقت، ولا زالت تحصل على ودائع وقروض خليجية تدعم بها احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.
ومصر تمتلك أكبر جالية في منطقة الخليج يزيد عددها على 3 ملايين عامل، معظمهم في السعودية ثم الإمارات والكويت وقطر، وهذه الجالية هي الرافد الأول لتحويلات المصريين العاملين في الخارج، التي تجاوزت قيمتها 26.5 مليار دولار في العام الماضي حسب الأرقام الرسمية، ومع تهاوي أسعار النفط وتفشي كورونا تراجعت تحويلات المصريين من الخليج.
والسعودية والإمارات هما من يساعدان مصر في الحصول على قروض خارجية، خاصة من صندوق النقد والبنك الدوليين حيث يضمنان السداد في حال توقف الدولة المصرية عن سداد الالتزامات المستحقة عليها.
كما أن مصر تحصل على مليارات الدولارات الأخرى من منطقة الخليج عبر تدفق السياح الخليجيين عليها طوال العام، ومع تعرّض دول الخليج لأزمة مالية حادة، فإنه من المتوقع أن تتراجع الأموال الخليجية المتدفقة على البلاد بشدة سواء في شكل منح ومساعدات أو تحويلات أو سياحة. وربما تدفع الأزمة مستثمرين خليجيين إلى سحب استثماراتهم من مصر خاصة من البورصة.
لبنان
ثاني المتضررين من الأزمة الخليجية التي كانت حتى وقت قريب تعتمد اعتماداً كبيراً على المساعدات الخليجية خاصة المقدمة من السعودية، الداعم الأول للدولة اللبنانية، صحيح أن هذه المساعدات تراجعت بشدة خلال السنوات الأخيرة لأسباب سياسية متعلقة بموقف الحكومات الخليجية من حزب الله وعلاقة لبنان بإيران والنظام السوري، لكن الأزمة المالية الخليجية الحالية ستجفف هذه المساعدات حتى ولو حدثت ضغوط دولية على دول الخليج بتقديمها في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها لبنان.، كما أن الأزمة المالية الخليجية ستحد من تدفق الاستثمارات الخليجية والسياح الخليجيين على لبنان، وربما تدفع الأزمة السياسية والمالية الحالية في لبنان مستثمرين سعوديين إلى تصفية أصولهم خاصة الفندقية داخل لبنان.
الأردن
أما ثالث المتضررين من أزمة الخليج فهو الأردن الذي ظل لسنوات طويلة من أكبر الدول العربية المستقبلة للمساعدات الخليجية، وآخرها ما جرى في شهر يونيو/حزيران من عام 2018 حيث تعهدت السعودية والكويت والإمارات بتقديم حزمة مساعدات قيمتها 2.5 مليار دولار بعد أن أدت إجراءات تقشفية قامت بها الحكومة إلى اندلاع احتجاجات ضخمة في المملكة، كما تعهدت قطر في نفس الشهر بتقديم 500 مليون دولار، لكن المملكة الأردنية ستتضرر بشدة من الأزمة الحالية التي تمر بها دول الخليج من عدة زوايا أبرزها تراجع المساعدات الخليجية أصلاً، وتراجع تحويلات مغتربيها العاملين في منطقة الخليج، وتراجع السياحة الخليجية المتدفقة عليها من دول مجلس التعاون خاصة مع إغلاق الحدود بسبب تفشي فيروس كورونا، إضافة إلى حجب بعض دول الخليج المساعدات المقدمة للمملكة في إطار ممارسة ضغوط على حكومتها لإبداء مرونة في ملفات سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية، منها مثلاً ضم أراضٍ من الضفة الغربية لدولة الاحتلال، وقبلها صفقة القرن، وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
المغرب
يأتي المغرب في المرتبة الرابعة ضمن المتضررين من الأزمة المالية الخليجية، فقد وعدت دول الخليج المملكة في عام 2011 وعقب اندلاع ثورات الربيع العربي بمنحها هبة أو منحة لا ترد بقيمة 5 مليارات دولار، خلال الفترة الممتدة بين 2012 و2016، لكن الملاحظ حدوث تباطؤ شديد في تقديم الهبة من قبل الخليج في المواعيد المحددة.
وحسب الأرقام فإن تلك الهبات تراجعت قيمتها إلى 12 مليون دولار فقط في النصف الأول من العام الجاري، وحسب مصادر مغربية فإن السعودية والإمارات تأخرتا في الوفاء بما التزمتا به تجاه المغرب بتوفير هبات بقيمة 1.25 مليار دولار لكل دولة، في حين التزمت كل من قطر والكويت بما وعدتا به، كما أن المغرب الذي يمتلك جالية كبيرة في منطقة الخليج سيتأثر سلباً بالأزمة المالية التي تمر بها دول مجلس التعاون من حيث حجم التحويلات النقدية، إضافة إلى أن المغرب جاذب رئيسي للسياحة والعوائل الخليجية ذات الدخل والإنفاق المرتفع.
السلطة الفلسطينية
خامس المتضررين من الأزمة المالية الخليجية السلطة الفلسطينية التي تعتمد اعتماداً شبه كامل على المساعدات الخارجية، خاصة المقدمة من السعودية والتي قدمت للموازنة الفلسطينية 30.5 مليون دولار في الربع الأول من العام الجاري تمثل 43.4% من إجمالي المنح الخارجية التي تلقتها السلطة بالفعل، كما بلغ متوسط الدعم السنوي السعودي نحو 200 مليون دولار سنوياً، حسب وزارة المالية الفلسطينية.
كما أن السعودية كانت ثالث أكبر مانح للأونروا، بإجمالي قيمة تبرعات بلغت 800 مليون دولار منذ عام 1994 حتى نهاية 2018. لكن هذا التدفق السعودي من المتوقع أن يتراجع خلال الفترة المقبلة لأسباب عدة منها ما تفرضه أزمة الخليج المالية على الحكومات من تقشف وترشيد في الإنفاق وبالتالي التأثير سلباً على المساعدات الخارجية، ومنها ما يتعلق بالضغوط التي تمارسها بعض دول الخليج على السلطة الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني مثل اعتراض هذه الدول على قرار الرئيس محمود عباس وقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني وعدم إبداء مرونة في ملف صفقة القرن.
السودان
سادس المتضررين من الأزمة المالية الخليجية السودان الذي يمتلك جالية ضخمة في منطقة الخليج من المتوقع أن تتراجع تحويلاتها بسبب أزمتي كورونا والنفط، كما أن هناك شكوكاً بالتزام دول خليجية بتقديم المساعدات التي وعدت بها المجلس العسكري عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير، فقد أعلنت السعودية والإمارات في أبريل/نيسان 2019، تقديم حزمة مشتركة من المساعدات للسودان، بقيمة 3 مليارات دولار في إطار دعم المجلس العسكري عقب اندلاع الثورة السودانية، لكن لم يتم تحويل هذا الرقم مع مرور دول الخليج بأزمة مالية خانقة دفعت السعودية مثلاً إلى سحب نحو 51 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي خلال الأربعة شهور الأولى من عام 2020.
تونس
من الدول العربية المتضررة أيضاً من أزمة الخليج المالية، صحيح أن تونس استفادت من دعم قطري ضخم مقدم لحكومتها، حيث أعلن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني خلال مشاركته في مؤتمر تونس للاستثمار عام 2016 عن تقديم بلاده دعماً مالياً بقيمة 1.25 مليار دولار، وتعهد بمواصلة بلاده الوقوف إلى جانب تونس ودعم تجربة الانتقال الديمقراطي فيها، لكن في المقابل ينشط في تونس المال الإماراتي المقدم لرموز الثورة المضادة، لكن بشكل عام فإن الأموال والمساعدات الخليجية المتدفقة على تونس ستتراجع في الفترة المقبلة سواء من قبل الحكومات الخليجية أو التونسيين العاملين في منطقة الخليج أو السياح الخليجيين المتدفقين على البلاد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.