فبركة واجتزاء وتهييج للمشاعر.. أين الحقيقة في وسائل الإعلام؟

عدد القراءات
2,335
عربي بوست
تم النشر: 2020/06/19 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/19 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
فبركة واجتزاء وتهييج للمشاعر.. أين الحقيقة في وسائل الإعلام؟

 خلال غزو أمريكا وحلفائها للعراق عام 2003، كان هناك شعار إعلاني لقناة "فوكس نيوز" الأمريكية، استخدمته لكسب عواطف الأمريكيين، وبالتالي مساندة ودعم الغزو شعبياً، وهو "نحن ننقل الوقائع.. أنتم تقررون".

وهذا بالتحديد ما تحقق وتبلور في حالة التوافق المتين بين الشعب الأمريكي والرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن. تم ذلك عن طريق الضمانات الشعبية التي خلقتها ماكينة الدعاية الإعلامية من أجل شن الحرب، وفي نفس الوقت كسب قلوب المواطنين الأمريكيين. فأنتجت صورة، مفادها أن وسائل الإعلام تؤدي دوراً أساسياً، لإقناع الرأي العام بتجسيد الشعور بقرب الخطر، ووجوب مواجهته، كما تتيح عرض الحدث، وأحياناً تضخيمه لإبرازه وتصدير مشاعر بعينها للمشاهدين والقراء. ليتضح من ذلك كله أن الإعلام أصبح أداة فعالة لتوجيه كل الخيارات التي تطمح إليها الدول، دبلوماسية كانت أو حرباً، أو غزواً، أو استقراراً. لذلك، يظل الإعلام في حالة من الدوران، حول الصورة، لا الحقيقة، ولو كانت مفبركة، ثم توجيه المشاهد للاقتناع بها، حتى لو كانت الحقائق غير ذلك. 

البحث عن الحقيقة المفقودة

وهي الحقيقة التي يطمح لها كل فرد، لكن هل هي موجودة حقًا على الساحة الإعلامية؟ قطعاً لا!

إن الإعلام بجميع أشكاله المرئية أو المسموعة، يبقى إعلاماً بعيداً كل البعد عن رسالته المهنية في جميع الدول، حتى تلك التي تؤمن بالديمقراطية والحريات، وتوفر مساحة كبرى لقنوات الإعلام، ومجال تحركها، والمواضع التي تعالجها محلياً أو دولياً.

في نفس الوقت، تعتمد داخل الكواليس على التوجيهات، ورسائل تبثها الأطراف المتحكمة والداعمة، وهي إما دول أو منظمات، أحزاب، مراكز دراسات، جماعات الضغط، رجال أعمال… إلخ. وهذا يعتبر "عرفاً"، متداولاً داخل الساحة الإعلامية الدولية، حيث هناك منابر إعلامية كبرى، تتمتع بخبرة طويلة وزاد بشري، وثروة مالية، تغطي كافة بلدان العالم. لكن، يبقى الخط التحريري والصورة المنقولة غير متزنة، عندما يصل الحديث إلى الداعم أو المانح. عندئذ تتدخل ماكينة الدعاية والصورة المفبركة لتمرير الأفكار والرسائل، وهي بالأساس في مصلحة الداعم الرئيسي أو من إنتاجه.

أين المتلقي من الحقيقة الإعلامية؟

وهذا سؤال يبقى أساسياً، لأن الإعلام يشكل همزة وصل بين سقوط شعوب أو قيامها، وهذا ما اتضح في عدة بلدان، وخاصة الشرق الأوسط والمغرب الكبير. من هنا، يبقى الخيار للمتلقي، وذلك حسب التوجهات والأفكار التي يؤمن بها لاختيار الوجهات الإعلامية المناسبة، لتلك الأفكار، والعواطف بعض الأحيان.

لكن في تلك الحالة، الخاسر الأكبر هو المتلقي، خاصة عندما تكون الحقيقة المفبركة، التي استعملت فيها كل الوسائل، من أجل إعطائها صورة مغايرة ومخدوعة، تكون هي سبباً في سقوط أنظمة، ودول وحكومات، ويكون هو المؤيد الذي يلبس قناعاً، وأفكاراً، قد تم التلاعب بها، وسياقتها حسب التوجهات السياسية والأيديولوجية، يرددها الإعلام، وبالتالي تحقيق حلم تلك الفئة، التي توجه ذلك الإعلام وتسيطر عليه، وخير مثال على ذلك العراق "وأكذوبة السلاح النووي".

في آخر المطاف، ومع هذا الصراع غير المتكافئ، ومن جميع النواحي تسقط النقطة الأساس، وهي رسالة الإعلام، والصحافة، من مفهومها التقليدي، الذي كان سائداً نوعاً ما. في بداية نشأة المجال، وهو مفهوم المهنية، والحقيقة والدفاع عنها في كل الاتجاهات، إلى مفهوم آخر، وهو إعلام السوق، أي إعلام يبتعد عن تحقيق المهنية، وإنشاد الحقيقة، إلى إعلام يشوه الفكرة والحقيقة ويعطيها أبعاداً أخرى.

وذلك حسب الطلب والانتماء، بل يؤدي بعض الأحيان إلى قيام صراعات، ونزاعات، وحروب مدفوعة الثمن. لذلك، بات العالم مع التطور التكنولوجي، وتأثير ذلك على السرعة الإعلامية، يواجه تحدياً كبيراً، خاصة في كيفية معرفة الحقيقة المفقودة، والتي تخدع لصراعات، وتبقى محاصرة في خندق الرؤية، واستراتيجيات المتحكمين في المشهد الإعلامي العالمي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبيد الله
باحث في العلوم السياسية
باحث مغربي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تحميل المزيد