دعوني أحدثكم عن العنصرية التي نتعرض لها في مساجد المسلمين بالغرب

عدد القراءات
6,478
عربي بوست
تم النشر: 2020/06/17 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/17 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش

يمثل مقتل المواطن الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد على يد شرطة مدينة مينيابوليس في 25 مايو/أيار الماضي نوعاً من العنصرية العنيفة التي غذتها جائحة ادعاء استعلاء البيض وتفوقهم على الأعراق الأخرى والتي انتشرت بشكل ملحوظ منذ أن تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد راحت ضحية هذه العنصرية الكثير من الأمريكان الأفارقة. وهناك أصناف أخرى من العنصرية في الغرب كالتمييز السلبي بسبب الدين وغيره، لكنني أركز في هذا المقال على شكل قلّما يُتَفوَّه بها بسبب حساسيته لوقوعه داخل الجاليات المسلمة في الغرب ألا وهو معاناة المسلمين السود والأقلية المسلمةالمنتمية إلى أجناس أخرى، بمن فيهم البيض، داخل المساجد في أوروبا وأمريكا الشمالية. وأعتمد في هذه السطور على تجربتي الشخصية حيث عشت أكثر من عقد في أوروبا وأكثر من 7 سنوات بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية.

ولفهم معاناة هؤلاء القوم داخل دور العبادة في الغرب لابد من الإلمام بأمرين:

الأمر الأول هو أن المساجد والمراكز الإسلامية في الغرب تمثل تقريباً المكان الوحيد الذي يمكن أن تستخدمه الجالية المسلمة لعقد الأنشطة ذات الطابع الديني؛ لأن كثيراً من الدول الغربية، لا سيما الأوروبية، تحذر من إقامة أي نشاط ديني خارج دور العبادة بسبب انتهاجها العلمانية المتطرفة التي تحصر الشأن الديني في المساجد والكنائس والصوامع والبيع، وبالتالي يصعب على المسلمين إقامة حفلات أو محاضرات ذات صبغة دينية خارج بيوت الله.

والأمر الثاني هو أن المساجد والمراكز الإسلامية في الغرب لا يقتصر دورها على إقامة صلاة الجماعة والجمعة فقط بل تقوم بأدوار اجتماعية وتثقيفية وأحياناً اقتصادية، على غرار الكنائس والمعابد في الغرب، ولذلك قد تضم المراكز الإسلامية والمساجد مصلى وصالات اجتماع وغيرها، إذ إنها المكان الأنسب للجالية المسلمة للاستفسار عن شؤون الدين والاجتماع في أيام العيد، وساعات الإفطار خلال شهر رمضان، ومناسبات عقود النكاح وغيرها، كما توفر المساجد لأطفال المسلمين فرصة دراسة أمور دينهم عبر دروس وحلقات تحفيظ قرآن أسبوعية.

نظرياً يجب أن تجسد المراكز الإسلامية والمساجد في الغرب رسالة الإسلام في التعددية الثقافية والعرقية واللغوية، حيث يجب أن يشارك المسلمون وأطفالهم على اختلاف أعراقهم في جميع أنشطتها لكن الواقع مختلف تماماً، حيث تتلون معظم بيوت الله بعرق معين يحتكر إدارة المسجد وإمامته وجميع الأنشطة الدينية والاجتماعية والتربوية داخله، وقد تُلقى خطب الجمعة بلغة هذه الجالية فقط. وبديهي جداً في الغرب أن يُنسَب مسجد لعرق معين كالمسجد الباكستاني أو التركي أو البوسني أو العربي. وهذه الظاهرة نفّرت الكثير من السود والأقلية المسلمة، لا سيما حديثي الإسلام على اختلاف أعراقهم، من هذه المساجد لعدم تلقّيهم الترحيب المناسب فيها، حيث يصعب أيضاً على أطفالهم الاندماج والدراسة مع أبناء الجالية التي تهيمن على المسجد وكافة أنشطتها، وبالتالي يصبح معظم المأمومين من جالية معينة حتى ولو لم تكن لها الأغلبية في تلك البقعة الجغرافية، وحتى ولو كانت هذه المساجد مفتوحة للجميع لكن لصلاة الجماعة فقط وهذا لا يكفي لما سبق ذكره.

أتذكر معاناة أخ مسلم من أصل إفريقي ومستعرب همس في أذني قبل 20 عاماً في سويسرا بعدم تقبله في المسجد الجامع الذي كان يرتاده والذي كان يهيمن عليه عرب مغاربة، وتمنى لو وجد مسجداً لبني جلدته! وأتذكر طلاباً أفارقة مسلمين في فرنسا رفضت المساجد التي كانوا يرتادونها استضافة أنشطتهم الدينية داخلها، وأخيراً استضافتهم كنيسة فأصبحوا يقيمون جميع أنشطتهم الدينية فيها! وفي هذا العام تلقيت مكالمة هاتفية من أخ كندي ذي أصول إفريقية يخبرني فيها بقرار انقطاعه عن المسجد الذي كان يصلي فيه بسبب التمييز العرقي!

من ناحية أخرى يعاني الكثير من المسلمين الجُدد من بيض وسود وأصفر وغيرهم من ظاهرة الترحيب البارد داخل دور العبادة والمراكز الإسلامية في أمريكا الشمالية، فبعضهم قد يقود سيارته عدة أميال لارتياد المساجد التي يفتح القائمون عليها قلوبهم ووجوههم لهم. وخطورة هذا الصنف من العنصرية تكمن في أنها قد سببت ارتداد بعض هؤلاء الإخوة عن الإسلام بعدما اصطدموا بهذه الحقيقة المُرّة. 

إن الكثير منهم قد اعتنقوا الإسلام لأجل سماحة هذا الدين الذي يدعو إلى الأخوة الإسلامية والذي لا فضل فيه لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي إلا بالتقوى، لكنهم يصطدمون بالهوة بين هذه المبادئ الرفيعة وبين ممارسات الجاليات المسلمة السلبية تجاههم. علاوةً على ذلك فالكثير من حديثي الإسلام قد فقدوا محيطهم الاجتماعي السابق من أصدقاء وبعض أفراد أسرهم بسبب اعتناقهم الإسلام ثم بعد ذلك لا يجدون ترحيباً حاراً في بيئتهم الإسلامية الجديدة، وهذا ما لا يتحمله الكثير منهم، ما يدفع البعض إلى ترك الإسلام والرجوع إلى بيئتهم الاجتماعية الأولى.

إن أسباب التمييز العرقي في دور العبادة في الغرب وتلونها بعرق معين ترجع إلى سببين أساسيين:

أولهما طبيعة عيش المسلمين في الغرب، خاصة في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة، حيث يعيشون في شكل جاليات كالهندية والباكستانية والبنغالية والعربية وغيرها، وبالتالي قد تقيم كل جالية مسجداً، وهذه حقيقة يصعب الانفكاك عنها، لكن المشكلة تكمن في أن معظم هذه المساجد تصطبغ كلياً بهذه الجالية بصورة إرادية ولا إرادية. والكثير من هذه المساجد قد تستورد إماماً من الموطن الأصلي لهذه الجالية بدلاً من إمام محلي يعرف المجتمع الغربي وتعقيداته ويتقن اللغة الرسمية التي يفهمها غالبية المأمومين، وما يتبع ذلك من التمييز العرقي داخل بيوت الله هذه والتي تروح ضحيتها الأقلية العرقية المسلمة في ذلك المكان.

والسبب الأخير هو أن الكثير من المراكز الإسلامية في الغرب تم تشييدها من قبل الجمعيات الخيرية العربية وتم توكيل إدارتها للعرب فقط، حيث يكون جميع أعضاء الإدارة من هذه القومية وإن كانوا أقلية في البقعة التي يقع فيها المسجد، وغالباً ما يُعَرِّبون جميع أنشطة المسجد وقد تُلقى خطب الجمعة والأنشطة الثقافية فيها باللغة العربية فقط حتى ولو يفهمها غالبية المأمومين والحضور. وهذه الظاهرة طردت الكثير من المسلمين الأعاجم وحديثي الإسلام من هذه المساجد المستعربة كلياً.

ودور العبادة النادرة التي لا تميز بين الأعراق هي المساجد والتكايا والزوايا الصوفية التي رغم قلة إمكانياتها تستضيف جميع المسلمين في أنشطتها وترحب بهم ترحيباً حاراً دون تمييزهم على أساس العرق أو اللغة أو اللون، وهذه المراكز الصوفية معروفة بالتنوع العرقي في روادها والقائمين على إدارتها، بل وتنتشر فيها ظاهرة الزواج المختلط بين مختلف الأعراق.

لحل مشكلة التمييز العرقي داخل بيوت الله في الغرب لا بد من القيام بأمور منها:

أولاً تنويع أعضاء إدارة المراكز الإسلامية وأنشطتها ليمثل الأعضاء غالبية الجاليات المسلمة المقيمة في المدن الغربية بدلاً من أن يكون أعضاؤها من جالية واحدة فقط؛ لأن إدماج جميع أفراد الجاليات المسلمة في تسيير المراكز الإسلامية يشعر الأقلية بأنها مرحبة فيها، وكذلك يجب إتاحة الفرصة لهم ولأبنائهم بالمشاركة وإقامة الأنشطة الثقافية والتربوية والاجتماعية وغيرها. وهذا يساعد دور العبادة في أداء مهمتها، حيث تلم إلماماً تاماً بمشاكل كل جالية مسلمة وطرق علاجها، وهذا أيضاً له مردود إيجابي على صورة الجالية المسلمة في الغرب، حيث إن الوحدة في التنوع العرقي يكسبها أهمية خاصة من قبل السلطات المحلية والحكومية الغربية، وبالتالي فلا يترددون في حل مشاكلهم.

والأمر الأخير هو أنه لا بد من إيجاد فرع في كل مركز إسلامي أو مسجد يتولى شؤون الأقلية المسلمة لاسيما المسلمين الجدد؛ لأن الكثير من هؤلاء يقعون بين مطرقة أسرهم بسبب اعتناقهم الإسلام وسندان جفوة الجالية المسلمة تجاههم. وقد عاينت ذلك كثيراً في أوروبا وكندا وأمريكا. 

والمثال الأخير طالبة من مدينة نيويورك أسلمت وضايقتها أسرتها لإرغامها على الردة عن الإسلام، فأبت واختارت الدراسة في مدينة أخرى للفرار من هذه الضغوط، لكن أثناء دراستها لم تتلقَّ دعماً ذا بال من مراكز الجاليات الإسلامية المحلية؛ لأنها لا تنتمي عرقياً إلى أي منها. أثناء الإجازات الصيفية وبعد إغلاق السكن الجامعي كانت غير قادرة على الرجوع إلى أسرتها كسائر الطلاب فقد كانت جامعتها توفر لها غرفة بصورة استثنائية في السكن الجامعي في الصيف طوال مدة دراستها، وبعد انتهاء دراستها هذا العام غادرت السكن الجامعي للعودة مباشرة إلى بيت أسرتها لمواجهة الضغوط العائلية لمحو عقيدتها، وكان من الأولى بالجالية المسلمة عبر مراكزها المحلية المتعددة أن توفر لها سكناً على الأقل بعد تخرجها حتى تستقل مادياً أو أن تحاول إصلاح العلاقة بينها وبين أسرتها.

وهكذا تتعذب الأقلية المسلمة بصمت داخل الجاليات المسلمة في الغرب، وهكذا تسبب الطريقة الخاطئة في إدارة المساجد المراكز الإسلامية في تفريق المسلمين على أساس العرق واللغة واللون أكثر ما تفرقهم توجهاتهم الفكرية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبدالعزيز غي
أستاذ في جامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية
كندي الجنسية، حاصل على الليسانس والماجستير والدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة جنيف بسويسرا، وعلى دبلوم عالٍ في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، وشهادة الليسانس في اللغة العربية. عاش 5 سنوات في الشرق الأوسط، و12 سنة في أوروبا، وأكثر من نصف عقد في أمريكا الشمالية. مهتم بحوار الأديان والثقافات والشعوب، وحالياً يعمل أستاذاً لدراسات الأديان واللغة العربية في جامعة ولاية بنسلفانيا وفي كلية نازاريث في أمريكا.
تحميل المزيد